رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: خليل المرشود 4 مارس، 2013 0 تعليق

للإصلاح طريق

 

اضطربت الحياة، وكثرت الفتن، فانقسم الناس، واختلطت الأفهام، واختلط الحابل بالنابل!

هذا لسان حال كثير من الناس عند تلاطم الفتن وتوالد المحن، منهم من يزيدها اشتعالاً ويرمي في النار الحطب، ومنهم من يسعى لإطفائها، ومنهم الإمعة «مع الخيل يا شقرا».

وإن الله عز وجل قد جعل لنا قواعد مرعية وضوابط ذات أهمية يرجع إليها من آمن بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً، في كل فتنة مدلهمة وعاصفة ملمة، تغنينا عن التخلف بسلوك نهج خاطئ قد خطه لنا الغرب الكافر، قال تعالى: {يأيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين بل الله مولاكم وهو خير الناصرين}.

     وقال: {وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون}، وقال: {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}، فمن رعا تلك القواعد حق رعايتها حاز الخير كله، ومن تركها انقلب أمره وبالاً وخسارة عليه؛ لأن منبع الإصلاح والتغيير لا يؤخذ إلا من كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم على فهم سلف الأمة، قال تعالى: {قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم}، وقال: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا}.

أتركك -أخي القارئ الكريم- لتمتع ناظريك بفهم قواعد منهج الإصلاح والتغيير وفق المنظور الشرعي الصحيح.

القاعدة الأولى: الاعتصام بحبل الله عز وجل والتمسك بسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.

     فلو أننا اعتصمنا والتففنا حول كتاب الله الباري وسنة نبيه الهادي صلى الله عليه وسلم، وبحثنا في كل مصيبة تصيبنا ومشكلة تشكل علينا في الكتاب والسنة، وكان ذلك مرجعنا الوحيد في الإصلاح والتغيير كما يريد الله تبارك وتعالى، لاتفقنا وما اختلفنا ولصرنا حزمة واحدة لا يفكُّها عدو ولا يستطيعها مبطل، ولكننا لجأنا إلى غير ذلك مما توهمنا أنه إصلاح؛ فوكلَنا الله إليه فصارت عاقبة أمرنا خسراً، قال تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا...}، فلا خير إلا وأرشدنا الشرع إليه، ولا شر إلا وحذرنا منه.

القاعدة الثانية: فهم النصوص الشرعية كما فهمها السلف الصالح.

     إن الصحابة -رضي الله عنهم- عاينوا تنزيل القرآن وأخذوا العلم الشرعي من منبعه الصافي مباشرة من فِم النبي صلى الله عليه وسلم فعرفوا الحق، واتبعوه وعملوا به، ودعوا إليه، وصبروا على ذلك كله، حتى فازوا برضا الرب تبارك وتعالى، وقد علق الله رضاه عنّا باتباعهم بإحسان وإتقان، فقال تعالى: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم}.

القاعدة الثالثة: جاءت الشريعة بتحصيل المصالح وتكميلها ودرء المفاسد وتقليلها.

     وإن حياة الإنسان لا تخلو من أمور خمسة جاء الشرع الحنيف الذي ارتضاه لنا الرب الحكيم ببيانها وتوضيحها، وأرشدنا إلى السبيل الصحيح للوصول إلى أفضل نتيجة وأقوم طريق، قال تعالى: {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}، وقال نبينا الحبيب صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» رواه مسلم، ثم إن المسلم في حياته إما أن يجد مصلحة غالبة أو محضة، أو يجد مفسدة غالبة أو محضة، وإما أن تتعارض في طريقه المصالح والمفاسد، وإما أن تتزاحم أمامه المصالح، أو تتزاحم في طريقه المفاسد، فجاء الشرع الإسلامي بكماله الرباني ليخُط للمسلم الطريق المستقيم في معرفة منهج الإصلاح والتغيير الشرعي الصحيح؛ فيجتنب به عوار الدنيا وخزي الآخرة، فنقول وبالله التوفيق:

- أولاً: أن يجد المسلم في طريقه مصلحة غالبة أو محضة في دينه أو دنياه، فإن القاعدة الشرعية ترشده إلى الأخذ بهذه المصلحة والتمسك بها.

- ثانياً: أن يجد في حياته مفسدة غالبة أو محضة تضر دينه أو دنياه، فإن القاعدة الشرعية تقول له: «لا ضرر ولا ضرار»، و«الضرر يُزال» أي إنه ينبغي عليك دفعها وتركها فلا ضرر على نفسك ولا ضرار على غيرك، ولكن كيف ندفع ذلك الضرر وكيف نزيله؟

     جاء الشرع الحنيف ولم يفوت عليك هذا الأمر، فجعل بين يديك قاعدة مهمة تقول لك: «الضرر لا يزال بالضرر» أي لا يجوز لك أن تدفع الضرر فتجلب ضرراً مثله أو أكبر منه، إنما الواجب عليك أن تدفعه بضرر أقل منه.

- ثالثاً: أن تتعارض المصالح والمفاسد في حياة المسلم، ففي هذه الحالة ترشدك القاعدة الشرعية وتقول لك: «درء المفسدة أولى من جلب المصلحة» أي إن دفع المفسدة وتركها في هذه الحالة أولى من جلب المصلحة والفائدة، ومن هنا تتفرع لنا مسألة مهمة وهي إذا تعارضت مصلحتان إحداهما شخصية وأخرى عامة، فإن القاعدة الشرعية ترشدك فتقول: «تُقدّم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة».

- رابعاً: أن تتزاحم في طريق المسلم المصالح فلا يعلم أي المصلحتين يقدم؟

وهنا تأتيك القاعدة الشرعية فتقول لك: «إنْ تَزاحم عدد المصالح يقدم الأعلى من المصالح»، فتأخذ أعلاهما وأفضلهما وتترك أدناهما.

- خامساً: أن تتزاحم في طريقه المفاسد فلا بد أن يرتكب ويفعل إحداهما لا محالة، وهنا تأتي القاعدة الشرعية فتقول له: «وإنْ تَزاحم عدد المفاسد يرتكب الأدنى من المفاسد» أي عليك أن تفعل الأخف والأقل من المفاسد.

     وبهذا يتبين لنا حرص الإسلام واهتمامه بالمسلم حيث إنه لم يتركه سدًى وهملاً، وإنما دلّه على الطريق وعلّمه السبيل، وكذلك يتبين لنا أن الإسلام دين متكامل لم يترك شاردة ولا واردة إلا ودلَّنا فيها على المسلك والدليل، ولكن قل الناظر وندر الباحث!

     وهنا يجدر التنبيه والتنويه على أن المصلحة والمفسدة تُعرف عن طريق الشرع، أي وفق المنظور الشرعي من الكتاب والسنة كما يبين ذلك ويوضحه أهل العلم، لا أن تكون وفق شهوة الإنسان وهواه، قال تعالى: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}، فمن سار على هذا الطريق وانتهج في حياته هذا السبيل فإنه قد استرشد بأمر قد علّمه إياه رب العالمين وأحكم الحاكمين.

khaleel1983@:twitter


لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك