لماذا نحن هنا؟
سألني صاحبي:
- ما الذي مازلت تتذكره من رحلتنا الأخيرة إلى المدينة المنورة؟
وكانت هذه الرحلة منذ قرابة العام.
- قد لا تصدق ما سأقول، مازال منظر ذلك الرجل الآسيوي الذي كان يصلي أمامنا وقد ظهر ثقبان كبيران في جوربه وهو ساجد، مازالت هذه الصورة تتراءى أمام عيني بين فترة وأخرى.
- نعم، أذكر ذلك الحوار، قضى طول حياته يعمل ليجمع مبلغاً ليزور مكة والمدينة.
- يذكرنا الله عز وجل في آيات من كتابه بحقيقة الدنيا: {وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور} (آل عمران: 185)، وقوله سبحانه: {وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون} (الأنعام: 32)، وقوله عز وجل: {وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع} (الرعد: 26).
قاطعني:
- هذه الآيات لمن اشتغل بالحياة الدنيا ونسي الآخرة، هذا هو المنهي عنه.. الاغترار بالدنيا والفرح لأجل نيلها فقط، أما العيش فيها باعتدال واتخاذها مزرعة للآخرة، فهذا هو المطلوب.
- لقد ذكر الله صراحة الغاية من خلقنا: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} (الذاريات: 56)، هذا الأسلوب.. النفي ثم الاستثناء هو أقوى أساليب الحصر، كقولنا: «لا إله إلا الله»، فكأن المعنى: لم تخلقوا أيها الجن والإنس إلا لعبادة الله، وعلى قدر تحقيق هذه الغاية يكون نجاح المخلوق أو فشله.
- هل تعلم أن معظم الأمم احتارت في الإجابة عن هذا السؤال: «لماذا نحن هنا؟»، كثير منهم لم يجد إجابة، أما أفضلهم طريقة فقال: «نحن هنا لفعل الخير ونشر المحبة»، فيسعى لمساعدة الضعفاء، والإسهام في الأعمال الخيرية، وبالطبع وضع آخرون إجابات أخرى لسبب وجودهم فضلوا عن سواء السبيل، ولكن لو أتبع هؤلاء هذا السؤال بسؤال آخر: «وماذا بعد؟» فإن الجميع سيضل عن الجواب الصحيح إلا من تلقى الإجابة من الله عز وجل، فهو سبحانه كما بيّن السبب من وجودنا هنا أعلمنا بما سيكون بعد ذلك، فقال سبحانه: {أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم} (المؤمنون: 116).
لقد نزه الله -عز وجل- نفسه عن أن يكون سبحانه خلق الخلق دون سبب، ودون تكليف ثم حساب، هذا لا يليق بالله الملك الحق عز وجل، فالجواب عن «وماذا بعد؟»: {ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون} (المؤمنون: 15 - 16)، بكلمات أخرى الجواب عن «وماذا بعد؟» هو: «يوم الدين»، أو «موت ثم بعث ثم حساب ثم جنة أو نار»، وهي إجابة لا خيارات فيها ولا احتمالات ولا إجابات أخرى صحيحة، هي إجابة واحدة، من شك فيها هلك، وسيوقن بخطئه آنذاك كما قال الله تعالى: {ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا} (الكهف: 53) (وظنوا) هنا بمعنى: أيقنوا، ويقول تعالى: {ويوم يعرض الذين كفروا على النار أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون} (الأحقاف: 34)، وكفرهم بإنكار البعث والنار {يوم يدعّون إلى نار جهنم دعا هذه النار التي كنتم بها تكذبون} (الطور: 13 - 14).
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، لقد كفانا الله عز وجل البحث، وحفظنا من الضلال وبين لنا كل ما نحتاج فما علينا إلا العلم والعمل، فالحمد لله رب العالمين.
لاتوجد تعليقات