يغيب الصالحون وتبقى آثارهم
يغيب شخص فلا تشعر بغيابه كما أنك لم تشعر بوجوده حال حياته، ويغيب آخر ويبقى ذكره كماء دافق يلتذ اللسان بذكره ويرتوي القلب بسيرته، هذا هو البون الشاسع والفرق الكبير الواضح بين فقد الفاجر والصالح.
يفقد الأول ولا عبرة بغيابه، ويفقد الثاني ويبقى ذكره في المسجد وعند القرآن والمكتبة وتزداد حياةً آثاره.
لله در الصالحين ذكرهم باق وعملهم جار حتى لقاء ربهم في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم: {إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين} (يس).
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» رواه مسلم.
هاجت مشاعري وتحركت أناملي وسال قلمي بفَقْد رجل صالح ألفيته حريصاً على الكتاب والسنة مدافعاً عنهما داعياً لهما وفق منهج السلف، إنه الرجل الصالح العم سليمان الهويدي (أبو داود) أحسبه كذلك والله حسيبه ولا أزكي على الله أحداً.
وكان رحمه الله تعالى حريصاً على أن يأتيني بين الفينة والأخرى بحديث صحيح غير مشهور عند كثير من الناس في فضائل الأعمال حتى جمع عندي أربعة أحاديث، وكان عازماً على أن يجمع لي أكثر من ذلك لولا أن تداركته المنية ووافاه الأجل إلى ربه عز وجل، فأحببت أن يكون هذا المقال علماً ينتفع به وأجراً كبيراً في ميزانه إن شاء الله، وذلك بنشر هذه الأحاديث النبوية الشريفة التي جمعها عندي؛ فإن الدال على الخير كفاعله، وقبل الشروع بذكرها سأُضع عنواناً لكل حديث يدل عليه:
1-فضل من خرج من بيته متطهراً لصلاة مكتوبة أو لصلاة الضحى:
عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من خرج من بيته متطهراً إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم، ومن خرج إلى تسبيح الضحى لا ينصبه إلا إياه فأجره كأجر المعتمر، وصلاة على أثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين» حسنه الألباني.
2-فضل الجلوس بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس:
عن أبي أمامة وعتبة بن عبد رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من صلى صلاة الصبح في جماعة ثم ثبت حتى يسبح لله سبحة الضحى، كان له كأجر حاج ومعتمر تاماً له حجة وعمرته» قال الألباني: صحيح لغيره.
3-فضل التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل:
عن أم هانئ رضي الله عنها قالت: مَرَّ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقلت: يا رسول الله إني قد كبُرت فمُرني بعمل أعمله وأنا جالسة، قال: «سبحي الله مائة تسبيحة فإنها تعدل مائة رقبة تعتقينها من ولد اسماعيل، واحمدي الله مائة تحميدة فإنها تعدل مائة فرس مسرجة ملجمة تحملين عليها في سبيل الله، وكبري الله مائة تكبيرة فإنها تعدل لك مائة بدنة مقلدة متقبلة، وهللي الله مائة تهليلة- قال ابن خلف: أحسبه قال: تملأ ما بين السماء والأرض- ولا يرفع يومئذ لأحد عمل أفضل منها إلا أن يأتي بمثل ما أتيت به» قال الألباني: إسناده حسن ورجاله ثقات.
4-من أذكار النوم:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: «من قال إذا أوى إلى فراشه: الحمدلله الذي كفاني وآواني، والحمدلله الذي أطعمني وسقاني، والحمدلله الذي منَّ عليَّ فأفضل، فقد حمد الله بجميع محامد الخلق» حسنه الألباني.
هذا ما جمعه الرجل الصالح –أحسبه والله حسيبه- قبل أن يومت في يوم الجمعة بعد ذبح أضحيته بيده وذكر كلمة التوحيد، وهذا يدل على حسن الخاتمة إن شاء الله، وقد ترك من بعده أولاداً صالحين ولا أزكيهم على الله، سيكونون خير خلف لخير سلف بإذن الله.
وأسأل الله الرحمن أن يتغمد أبا داود برحمته وأن يسكنه الفردوس الأعلى من الجنة وأن يصبر أهله وذويه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
لاتوجد تعليقات