لا تبتذل نفسك مع غيرك ثم تتباكى!!
أنا أفاجأ ببعض الناس يشتكي صحبه وأهله وموظفين معه، يشتكي من بأسهم الشديد عليه بل يبكي دموعا حارة من حرقة قلبه على هوان نفسه على الناس، أعجب من كونه هو بيت الداء والدواء ويلتفت للداء ويشتكيه ولا يعطي أي اهتمام لبيت الدواء الذي بين جنبيه ، هو يعبر في ثنايا كلامه عن ألمه من استغلال الناس له وجعله " طوفة هبيطة " يلعبون به كيفما شاؤوا ، هو يدرك ذلك ويتألم ويتأفف ويبدي تضجرا، ولكن عندما توقفه على الدواء الذي بين جنبيه يتردد أيما تردد في الأخذ بالعزم لاقتحام أذية الناس وإيقافهم عند حدودهم ، يبدو أنه غير متأكد من أن كلمة "لأ آسف ما أستطيع أخدمك"، يبدو أنه يعتقد أنها منقصة في حقه، إذاً ما الحل؟ مشكلته مع الآخرين أنه لا يعرف كيف يحد من استغلالهم لطيبته، مشكلته مع أحبابه أنه لا يقوى على صدهم في حال الحاجة للصد ، مشكلته أكبر من ذلك، هو لا يجد نفسه إلا عندما يرضي الآخرين على حساب نفسه.
في البداية تظهر الأمور على أنها تضحية وإيثار، يا له من خلق جميل ومع مرور الأيام والشهور والسنين يكتشف أن شيئا ما يحدث في حياته خطأ، يبدأ يشعر بالإرهاق والإجهاد والتعب، يبدأ يشعر بالضنك وضيق الصدر، هو لا يتمتع بخلق الإيثار، إذاً بدأت الأمور تتمايز، بدأ يدرك أن هذا الحال الذي ارتضاه لنفسه ما هو بالخلق الشرعي المطلوب، هناك شعرة فيصل فيما بينهما !! ما هي بالتضحيات المرسومة لنا شرعا وإلا فربنا عز وجل لا يأمرنا بخلق يجهدنا، ربنا جعل زادنا ووقودنا المحرك نحو المعالي هو تلك الأخلاق الممتعة واللذيذة في أدائها، فما دام أن المرء متعب مجهد في سلوكه الذي يظنه إيثارا وتضحية إذاً هو ليس بالإيثار وإنما هو داء الترضية للآخرين، قد يكون على حساب راحتك، على حساب كدحك الذي نويت ادخاره لعيالك، على حساب سمعتك، على حساب مبادئك، على حساب قناعاتك، على حساب صحتك، لماذا كل هذا؟! لأنه لا يعرف متى يقول: «حاضر» أنا مستعد للمساعدة والتعاون، ومتى يقول: آسف لا أقدر على التعاون معكم، أو: أنا لا أريد تعاونا بهذا الشكل، كلمة «لا» صعب جدا على كثير من الناس التلفظ بها، أنا أعتقد أننا قادرون على رفض ما يطلبه الآخرون منا بعدة وسائل وطرق لبقة لطيفة تكفل إبقاء الود والحب فيما بيننا طريقا ومسلكا، وفي نفس الوقت تحفظ ماء وجه الطالب والعارض لطلبه، وأيضا تحميني أيما حماية من أن أجبر نفسي على أمر أنا من داخلي أرفضه، رسائلنا الجوالة، بريدك الإلكتروني، أصحابك ممن ينوبون عنك، لباقة في الانسحاب الهادئ ، عبارات لطيفة تقدمها بين يدي رفضك ، طرق عديدة تترك مسافات بينك وبين من تخجل أن ترفض له طلبا، ليس ضروري أن تقدم له جوابا الآن، اطلب منه مساحة من الوقت لتفكر، ثم من على بعد اعتذر، ما يضرك هذا المسلك بشيء، طبعا هذه الوسائل نشير بها على من لا يقوى على المواجهة ولا يحسنها ويتحرج من أن يقولها بـ«الفم المليان»: "آسف ما أستطيع"، أما من يقوى على المواجهة بلباقة تامة ويصرف نفسه عن الحرج مع الطرف الآخر فخطابنا ليس له، ناهيك عن صنف من الناس يرون حياتهم متعة واحتساب أجر في خدمة الآخرين، وهنيئا لهم ذلك الخلق، ولكنهم يتألمون إذا لم يبادلهم الطرف الآخر تلك الخدمات وتلك المبادرات، يا ترى هل من حقنا أن نزعل وننزعج من الطرف الآخر إذا لم يكن منسوب عطائه لنا بقدر منسوبنا من العطاء المعنوي أو العيني أو المادي؟!
عزيزي القارئ، أتركك في رعاية الله ومع صندوق محاورتك لذاتك دون جلدها، وسنناقش تلك القضية المزعجة في زاوية صراحتي معك لاحقا، وإلى لقاء بإذن الرحمن.
لاتوجد تعليقات