رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عبد الرحمن أبو عوف 3 ديسمبر، 2012 0 تعليق

الأزمة السورية.. وتردّد القوى الكبرى في حسم مستقبل النظام

 

من الصعوبة بمكان تفسير الموقف الأمريكي من الأزمة السورية، فالانتقادات التي وجهتها واشنطن للمجلس الوطني السوري وتأكيد وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كليتنون أنَّ المجلس بتشكيلته الحالية لا يمثّل طموحات الشعب السوري، وجدت آذاناً مصغية في عددٍ من العواصم الإقليمية التي سعت إلى رَدْم الهوَّة بين الموقف الغربي من المجلس، الذي اعتُبِر وقتا طويلا الممثّل الشرعي للشعب السوري، وبين الدعم الإقليمي غيرالمحدود له  بشكل ينزع الذرائع من القوى الغربية المترددة حتَّى الآن في دعم الثورة السورية والجيش السوري الحرّ، استعداداً لمعركة فاصلة مع النظام الذي لم يُبْدِ حتى الآن أي إشارة على أية إمكانية لتخليه عن السلطة حقناً لدماء شعبه و منع انجرار البلاد لأتون الحرب الأهلية.

     ولكن ما زاد الأمر غرابةً أنَّ واشنطن رغم ضغوطها لتشكيل الائتلاف الوطني السوري بوصفه كياناً أوسع يمثّل معظم ألوان الطيف السياسي والعرقي السوري، لم تُقْدِم على خطوة الاعتراف بالائتلاف ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب السوري، أو حكومة انتقالية في المنفى، بل إنَّ موقفها لم يتجاوز التأكيد على أنَّ هذا الائتلاف مطالب بقطع عدد من الخطوات قبل أن يحظى بخطوة الاعتراف الأمريكي الذي سبقته خطوات أوروبية أكثر جرأة، ممثلة في الموقف الفرنسي الذي اعترف بالائتلاف ممثلاً شرعياً للشعب السوري وحكومة انتقالية، بل ووفرت باريس مقرّاً له وكانت أول عاصمة أوروبية تستضيف أحمد معاذ الخطيب رئيس الائتلاف.

غموض وتردد

     وقد شاطرت بلدان أوروبية عدة  فرنسا هذا الموقف، فضلاً عن خروج تصريحات من رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون تؤشر لخطوة مماثلة تقر بالائتلاف ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب السوري، فضلاً عن الإفراج عن مساعدات عاجلة للجيش السوري الحرّ، في مسعى لتعزيز قدراته على إلحاق الهزيمة بالنظام، وربما تفويت الفرصة على تدخُّل عسكري غربي في الداخل السوري على غرار ما جَرَت فصوله في ليبيا منذ أكثر من عام.

     ورغم أنَّ الدعم الفرنسي غير المحدود للائتلاف الوطني السوري والحديث عن دور فرنسي في رفع الحظر الأوروبي عن تسليح أطراف الأزمة السورية يشكل مسعًى جادّاً لإعادة توازن القوى بين أطراف الأزمة،  إلا أنَّ التردُّد الأمريكي حيال التعاطي مع مجمل الملف السوري وتحفظ إدارة أوباما على الاعتراف بالائتلاف الجديد، كرَّسا حالة إحباط في أوساط القوى الإقليمية من قرب ولادة موقف أمريكي جاد من نظام الأسد.

     فهناك من يرَى أنَّ واشنطن أصبحت تفضل التحرُّك خارج عباءة مجلس الأمن في ظلّ تلويح موسكو وبكين باستمرار بإشهار الفيتو في وجه أي تدخُّل عسكري أمريكي أو غربي في الداخل السوري،  سواء من خلال شنّ غارات على الأهداف الإستراتيجية للنظام أم بإنشاء منطقة عازلة بالقرب من الحدود التركية لحماية ملايين السوريين الفارّين من جحيم النظام، أم من خلال تقديم دعم للجيش السوري الحرّ يجعله قادراً على دخول دمشق وإسقاط النظام، خصوصاً أنَّ إدارة أوباما ما زالت على تعهُّدها بعدم الانخراط في حرب في المنطقة خلال ولايته.

خروج آمن

     ومن هذا المنطلق حرصت واشنطن وباريس وشركاؤهما الإقليميون على إعادة هيكلة المجلس الوطني السوري بشكل يجعله معبراً عن جميع طوائف الشعب السوري دون إقصاء لأيٍّ من القوَى الفاعلة فيه، حتى تراهن واشنطن من خلال هذا التحرُّك على إقناع موسكو وبكين بتليين موقفها أو تصعيد ضغوطها على بشار الأسد للانسحاب من المشهد السوري، حتى ولو جاء عبر بوابة الخروج الآمن الذي ظهر جلياً وواضحاً في حديث رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في مسعى منه لإنهاء الأزمة والخروج منها بأقل الخسائر الممكنة لجميع أطرافها.

     وأيّاً كانت وجهة النظر التي ستنتصر في النهاية، سواء الحلّ العسكري أم السياسي، فإنَّ الأمر يشير إلى أنَّ وجود حل قريب للأزمة لم  يبدُ في الأفق حتى الآن، فما زالت القوى الموالية للأسد متمسكة بالدفاع عنه حتى آخر لحظة، لدرجة أنَّ مسؤولين روسيين ما زالوا يتحدثون عن أنَّ رحيله عن السلطة لن ينهي حمامات الدم بل سيقود البلاد إلى الحرب الأهلية، وهو ما يثبت تمسُّك موسكو بدعم حليفها السابق  حتى آخر لحظة ما دامت لم يعرض عليها  صفقة حتى الآن تضمن وجودها البحري في طرطوس أو التسهيلات الجوية الممنوحة في قاعدة تدمر الجوية أو تبقي على محطة نفوذها الوحيدة في المنطقة.

حوار إيراني

     بل إنَّ موسكو دفعت طهران للدعوة إلى مؤتمر للحوار بين الفرقاء السوريين؛ حيث تسعَى إيران للحفاظ على نوافذ مفتوحة مع جميع القوى المعارضة تحسباً لدعم غربيٍّ واسع للثوار قد يسقط الأسد في النهاية ويحرم طهران من ذراعها الطويلة في المنطقة، وهي خسارة قد لا تستطيع إيران تحملها في ظلّ اشتعال المواجهة بينها وبين الغرب على خلفية ملفها النووي وعجزها عن كبح الشكوك الغربية والصهيونية حول اقترابها من  تحقيق حلمها النووي، ما يقيّد من مساحة الحركة أمام طهران ويجعلها تضع كلّ الخيارات أمامها قبل تحديد وجهتها الإستراتيجية.

     ومن المهم التأكيد  في ظلّ هذه التطورات أنَّ كل الخيارات لتسوية الأزمة السورية ما زالت مطروحة على الطاولة، ولاسيما أنَّ واشنطن - ومعها لندن - لم تحدّد وجهتها في حسم الصراع حتى الآن مدفوعة بضغوط من حكومة نتنياهو الراغبة في الحفاظ على النظام الذي يقدّم لها إشارات إيجابية كان آخرها رسالته بضمان استقرار الأوضاع في الجولان،  وهو ما يجعل هذه العواصم متردّدة في حسم خياراتها.

موقع جيوإستراتيجي

     لذا فإنَّ الحديث عن تسوية قريبة للأزمة السورية يبدو بعيد المنال في ظلّ مرواحة القوى المؤثرة حتى داخل المعسكر الواحد (واشنطن وباريس نموذجاً) بين الحلّ السياسي والحسم العسكري، وهو تناقض يجعل الشعب السوري يدفع ثمناً باهظاً لهذا الموقف، باعتبار أنَّ الأزمة لن تحل إلا عبر صفقة تُطْبَخ في عواصم القرار الدولي والإقليمي، تخضع لمساومات شديدة وتبادل للمصالح المعقدة،  وإلى أن يحين أوان ميلاد هذه الطبخة فإنَّ الشعب السوري مضطر لدفع ثمن موقعه الجيوإستراتيجي وجغرافيته المعقدة التي جعلته تاريخياً أرضاً خصبة لتشابك المصالح الدولية ومحطة لصراع طويل ودامٍ في أغلب الأحوال.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك