سيطرت على أعمالها أزمات الكونغو والسودان ومالي.. قمة الاتحاد الأفريقي بحث عن حلول لمشكلات متجذرة
اختتمت القمة الأفريقية الـ 19 أعمالها في الأسبوع الماضي في أديس أبابا بمشاركة عدد كبير من رؤساء دول أفريقيا تحت شعار “تعزيز التجارة البينية”، وقد سيطرت على القمة الهموم الأفريقية المعهودة المتعلقة بالحروب والاقتصاد فضلا عن المشكلات الأمنية المستعجلة كسيطرة جماعة التوحيد والجهاد المنتمية إلى القاعدة على شمال مالي، وتأثيراتها على أمن المنطقة، والوضع في الكونغو الديمقراطية، والخلافات بين السودان وجنوب السودان.
واستقبلت القمة الأفريقية هذه السنة العديد من الضيوف الذين شاركوا في الجلسة الافتتاحية كضيوف شرف وعلى رأسهم سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، والدكتور نبيل العربي الأمين العام لجامعة الدول العربية، والرئيس الفلسطيني محمود عباس «أبو مازن»؛ مما يؤكد الأهمية الخاصة التي يوليها العالم لاستقرار أفريقيا وأمنها.
وتركزت المباحثات خلال القمة على موضوع تعزيز التجارة البينية الأفريقية وذلك استكمالا لتوصيات القمة الأخيرة التي عقدت في يناير الماضي بأديس أبابا، فضلا عن تقارير أجهزة الاتحاد الأفريقي بما يشمل البرلمان الأفريقي واللجنة الأفريقية لحقوق ورعاية الطفل والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للاتحاد والمجلس الاستشاري للاتحاد الأفريقي حول الفساد ولجنة الاتحاد الأفريقي حول القانون الدولي.
وفي سياق جدول أعمال القمة بحث قادة دول منطقة البحيرات الكبرى في القمة إيجاد حل لأزمة شرق الكونغو الديمقراطية، كما أعلن مفوض السلم والأمن في الاتحاد الأفريقي، رمضان العمامرة للصحافيين، حيث قال: إن مجلس السلم والأمن «ينتظر باهتمام بالغ نتائج القمة الطارئة للمؤتمر الدولي حول منطقة البحيرات الكبرى».
الخلافات السودانية
وتأتي القمة الطارئة بعيد أيام من نشر دبابات للأمم المتحدة والقوات المسلحة في الكونغو الديمقراطية على بعد حوالى 25 كيلومترا شمال غوما، على الطريق ذاته، لتجنب أي هجوم على العاصمة الإقليمية من قبل المتمردين الذين كانوا قد استولوا على بلدات أخرى شمال غوما في الأيام الأخيرة.
وكان زعماء أفارقة قد جمعوا رئيسي السودان عمر حسن البشير وجنوب السودان سلفا كير في بداية القمة، واعتبر المراقبون أن هذا الحدث كان من أهم الأحداث في القمة، وأشاد الزعماء الأفارقة في الاجتماع بذلك باعتباره مؤشرا مشجعا على أن العدوين السابقين في الحرب الأهلية يمكنهما حل النزاعات بشأن إعادة ترسيم الحدود، وإيرادات النفط، قبل الثاني من شهر أغسطس، وتجنب العقوبات التي هدد بها مجلس الأمن الدولي، وقال الحسن واتارا رئيس جمهورية ساحل العاج الذي يرأس مجلس السلم والأمن في الاتحاد للصحافيين بعد اجتماع مغلق: “التصريحات الصادرة منهما شجعتنا على أن هناك نية حسنة”.
وكان وجود الزعيمين من الخرطوم وجوبا في جلسة المجلس التابع للاتحاد الأفريقي هو أقرب لقاء بينهما منذ أن اجتمعا في مارس قبل وقوع اشتباك بين قوات من السودان وجنوب السودان بشأن منطقة حقل هجليج النفطي في أبريل.
وأوقف جنوب السودان إنتاج النفط في يناير، بشأن نزاع مع الخرطوم حول اقتسام الإيرادات، ورسم مرور خط الأنابيب عبر السودان، المنفذ الوحيد لصادرات نفط الجنوب إلى الخارج.
أزمة الكونغو الديمقراطية
وبالإضافة إلى تأييد مصالحة بين السودان وجنوب السودان، ألقى الزعماء الأفارقة بثقلهم وراء جهود إنهاء التمرد العسكري في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، الذي أدى إلى توتر العلاقات بين كينشاسا ورواندا جارتها، في منطقة البحيرات العظمى.
الانفصاليون في مالي
وقال الزعماء الأفارقة وهم يركزون على مالي حيث سيطر مقاتلون محليون وأجانب مرتبطون بالقاعدة على شمال البلاد بعد تمرد انفصاليين علمانيين من الطوارق، إنهم لن يدخروا جهدا لإعادة توحيد البلاد.
وأعدوا إستراتيجية سياسية وعسكرية تهدف إلى تأمين العودة الكاملة لحكومة مدنية إلى السلطة في جنوب مالي بعد انقلاب 22 مارس، وتوقع تشكيل قوة أمن مدعومة دوليا تكون مهمتها استعادة الشمال، إذا لم ينسحب المتمردون من هناك.
ويسعى الزعماء الأفارقة الى الحصول على دعم مجلس الأمن لتدخل عسكري في مالي لإنهاء التمرد وإعادة توحيد الدولة، وشدد القادة الأفارقة على أن الوحدة الوطنية وسيادة مالي لا يمكن أن تكونا قابلتين لأي نقاش أو تفاوض، مؤكدين على عزم أفريقيا عدم ادخار أي جهد من أجل صيانة هذه الوحدة.
تبرعات كويتية
وفي حديث متصل كانت مشاركة سمو أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح ذات مغزى إنساني، حيث أعلن سموه عن تبرع الكويت بكافة مستلزمات مقر مفوضية الاتحاد الأفريقي و16 مليون دينار لإثيوبيا والسنغال وليسوتو، مستذكرا بكل التقدير والامتنان موقف الدول الأفريقية المساند للحق الكويتي إبان الغزو العراقي الغاشم للكويت، مشددا سموه على أن هذا الموقف ينسجم مع ما سطره أبناء القارة من صور رائعة في تاريخ نضالهم ضد الظلم والاستبداد.
وقال سموه في كلمته خلال الجلسة الافتتاحية لمؤتمر القمة للاتحاد الأفريقي الذي عقد في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا: إن الظروف والمتغيرات المهمة الحالية تتطلب مضاعفة الجهود والعمل الجماعي الجاد لمواجهة آثارها ومعالجة نتائجها من أجل تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، وخلق فرص عمل للشعوب وتعزيز التنمية.
وأشار سموه إلى إدراك الكويت أهمية التنمية والتعاون لما فيه صالح الشعوب، فأنشأت الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية الذي امتد نشاطه إلى 48 دولة في الاتحاد الأفريقي من أصل 50 دولة وساهم في تمويل عدة مشاريع في قطاعات مختلفة، بلغ إجمالي الصرف عليها ما يفوق 6.4 مليارات دولار، بالإضافة إلى المساعدات والمنح الكويتية إلى دول الاتحاد التي تقدر بحوالي 120 مليون دولار، وكذلك مبادرة الكويت بإنشاء صندوق الحياة الكريمة برأسمال قدره مائة مليون دولار.
وتطرق سموه للأحداث الأخيرة في القارة الأفريقية، مباركا للرئيس المصري د.محمد مرسي حصوله على ثقة الشعب، معربا عن ارتياحه للتطورات الإيجابية في تونس وليبيا، ولفت سموه إلى ضرورة تضافر الجهود لتحقيق الأمن والاستقرار في الصومال.
انتخاب رئيس لمفوضية الاتحاد
نجح الاتحاد الأفريقي في انتخاب رئيس لمفوضيته التي تعتبر هيئة أساسية، وقد تم انتخاب وزيرة الداخلية الجنوب افريقية نكوسازانا دلاميني-زوما والذي يعد حدثا غير مسبوق، كما أنه يعد حلا لقضية كانت تترك ذيولا غير حميدة في العلاقات بين دول الاتحاد، وخلافا للتوقعات فازت الزوجة السابقة للرئيس الجنوب أفريقي جاكوب زوما في الاقتراع وحصلت على الغالبية الموصوفة في الدورة الرابعة.
توصيات القمة
طلبت القمة في ختام أعمالها من الدول الأعضاء والمجموعات الإقليمية الاقتصادية اتخاذ الإجراءات الضرورية لضمان تنفيذ برنامج الحدود للاتحاد الأفريقي ومشروع اتفاقية الاتحاد للتعاون العابر للحدود المعروف بـ«اتفاقية نيامي» كما أقرت القمة البرنامج.
وطالبت أيضا مصر وأوغندا بأن يتوصلا معًا إلى حل حول نزاعهما على مكان إقامة مركز الاتحاد الأفريقي لإعادة الإعمار والتنمية في فترة ما بعد النزاعات واستكمال بحث كيفية تمويل هذا المركز وآليات عمله في المستقبل.
كما أوصى المؤتمرون بعدم فرض عقوبات على الصومال بسبب الصعوبات التي يواجهها، وناشدت القمة مفوضية الاتحاد الأفريقية ضمان التحلي بالحكمة في استخدام الموارد المخصصة للاتحاد الأفريقي، ووافقت على طلب المفوضية تأجيل تفعيل اللجان الفنية المتخصصة إلى يناير من العام 2014 وتقديم تقرير عن الطرق العملية لتفعيلها.
وشددت القمة على أهمية تحديد الآثار الفنية والهيكلية والمالية لتفعيل اللجان الفنية المتخصصة، وطلبت من المفوضية تقديم تقرير إلى قمة يناير عام 2013 عن المعايير والطرق العملية لتجميل مركز المؤتمر الجديد بصور أبطال أفريقيا والشخصيات الأفريقية البارزة وتسمية مختلف مرافق مركز المؤتمرات الجديد وعرض الأعمال الفنية حول تاريخ وثقافة أفريقيا.
وطلبت القمة الأفريقية من مفوضية الاتحاد الأفريقي، الإسراع بتفعيل الجامعة الأفريقية وفقًا لمقررات مؤتمر وزراء التعليم الأفارقة الأخير، ودعت القمة الدول المضيفة للجامعة الأفريقية والشركاء إلى الإسراع بالتوقيع على مذكرة التفاهم، كما طالبت القمة المفوضية بإجراء دراسات تهدف إلي تحديد طرق الحد من هجرة العقول في أفريقيا وكذلك إشراك العلماء في الخارج في برامج دعم التعليم في القارة وخاصة في مجال تنمية المدرسين ولاسيما في مجالات الرياضيات والعلوم البحتة.
وأعربت القمة عن القلق من استمرار حالة اللاجئين والعائدين والنازحين في أفريقيا وتكرار الكوارث الطبيعية التي هي من صنع الإنسان، مشددة على ارتياحها لمحاولة الدول معالجة أسباب الكوارث، فضلًا عن التأكيد على أهمية دور الإيكواس والأمم المتحدة من أجل رعاية الحالات الإنسانية المأساوية التي تسببها الكوارث الإنسانية.
وحول مكافحة الفساد، طالبت القمة الأفريقية في ختام أعمالها مجلس الاتحاد الأفريقي الاستشاري لمكافحة الفساد بمواصلة العمل بصورة وثيقة مع الأجهزة المختلفة للاتحاد الأفريقي والمجموعات الاقتصادية الإقليمية لتعزيز وتشجيع الإجراءات والتدابير من قبل جميع الدول لمنع الفساد والجرائم المرتبطة به في أفريقيا والكشف عنها والمعاقبة عليها واستئصالها.
وشدد المجلس على ضرورة حل مشكلة النزوح القسري في بعض مناطق القارة الأفريقية، من خلال توفير الوسائل الدائمة لعلاج المشاكل الخاصة بالنازحين واللاجئين.
وشدد تقرير المجلس الأفريقي أيضًا، على حقوق الطفل ورفاهيته، مشيدًا بالدول التي تحرص على ذلك، وطالب الدول التي لم تتقدم بتقاريرها بتقديمها، مضيفًا أن على الدول أن تأخد في اعتبارها حقوق الطفل وتتعاون مع اللجنة في هذا الإطار، فضلًا عن ضرورة حل مشكلة الأطفال المجندين التي تثير الكثير من المشاكل في هذا الإطار.
ويبدو أن القمة استطاعت حل إشكالية انتخاب رئيس لمفوضية الاتحاد كما أنها وضعت آليات للتعامل مع القضايا الملحة في القارة من الحروب وقضية الإرهاب فضلا عن الكوارث المتكررة، ولكن تنفيذها يحتاج إلى أكبر من قدرات القارة السياسية والمالية؛ ولذلك فإن القارة ما تزال تحتاج إلى المساعدات الخارجية في جميع هذه القضايا الملحة، حيث إن التدخلات العسكرية الأفريقية في الدول الأفريقية أصبحت مثار جدل بين الدول الأفريقية حيث إن الكثير منها تحول من قضية استتباب أمن إلى قضية اقتصادية كما هو حاصل في الصومال، حيث إن القوات الأفريقية الموجودة استحوذت على جميع امكانيات الدولة من المساعدات التي يتم تقديمها من الدول المانحة التي تخصص الجزء الأكبر لهذه الجيوش فضلا عن تدخلها في الشأن السياسي الداخلي، حيث أصبحت هذه القوات تمثل الدولة الحقيقية في ذلك البلد المنكوب، ولذلك فإن ترميم القطاعات المختلفة التي تكون الاتحاد الأفريقي وجعلها صالحة لتنفيذ السياسات المكتوبة يحتاج إلى سياسات حكومية تؤمن بالديمقراطية الحقيقية واحترام حقوق الإنسان، وهذا ما لم يوجد في أكثر الدول الأفريقية حتى الآن؛ لذلك تظل العديد من القرارات المنمقة التي يصدرها الاتحاد الأفريقي حبرا على ورق.
لاتوجد تعليقات