عندما تُفقد الحكمة!!
مصر هي بوابة الإصلاح في العالم الإسلامي والعربي، وأول ما يبتدئ التغيير للأفضل سيطرق بابها، والمسلم هدفه الإصلاح إن استطاع بما هو متاح ومباح، وليس هدفه الوصول إلى سدة الحكم، ولا أدلّ على ذلك من الرسائل التي كان يبعثها رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم إلى الرؤساء والملوك، وكان يقول لهم: «أسلم تسلم»، أي ستبقى في مكانك إن أسلمت وحسن إسلامك.
المصريون سئموا حكما جاثما على صدورهم أذاقهم مرارة الذل والمهانة والفقر وعدم ممارسة شعائرهم الدينية الصحيحة بكل حرية، وكان المواطن المصري يرى بعينه سلب المال بطرائق التحايل والسرقة في وضح النهار، ورأى الظلم وصبر على كل ذلك، كما أن أحادية القرار وإبعاد أهل الاختصاص والخبرة وأهل الحل والعقد أفسدا مجريات الأحداث وحولا مصر من قائدة معطية إلى ضعيفة تمد يدها إلى هذا وذاك، وهذا ليس واقعها الصحيح..
وبعد تلك السنوات العجاف وانهيار النظام وحزبه بدأ الناس يبحثون عمن يستحق قيادتهم بعد أن جربوا كل الأنظمة وبقي الإسلام وليس إلا الإسلام.. ولذلك كانت الغالبية تبحث خلال القنوات الفضائية والإسلامية، وعبر الصحف والمجلات الإسلامية والمنابر الإسلامية تريد أن تجد ضالتها التي تكون اعتقادا وقولا وعملا وليست قولا فقط ثم ينهارون عند أول فتنة مسؤولية في الدنيا وحساب في الآخرة..
ومن يتأمل واقع مصر فسيجد أنها تعاني ديوناً متراكمة، وبطالة مؤلمة، وفقراً مدقعاً، وتيارات كثيرة بين ملل ونحل، وأطماع صهيونية وصفوية وأهل أهواء، والمغضوب عليهم والضالين بكل فئاتهم.. فكل يريد أن يكون له مقعد ووجاهة لينطلق منها رأساً ولا تبعاً!!
فتقدمت الجماعات والأفراد والأحزاب في مجلس الشعب ولما وصل من وصل بدأ الناس يتساءلون: ما التغييرات التي حدثت بشكل ملموس؟ فلم يجدوا، وتساءلوا أين الخلل؟ قالوا: إنهم مجمدون ونزعت منهم الصلاحية، والذي نزعها السلطة التنفيذية والمجلس العسكري!!
وعليه فبعد أن قالوا إنهم لن يترشحوا إلى منصب الرئاسة، قالوا: قررنا النزول، فكانت المفاجأة لدى الشعب وبدؤوا بطرح السؤال: هل أنتم أصحاب سلطة «والتكويش عليها» أم تريدون الإصلاح والشريعة؟!
فبدأت الفتاوى تخرج بين الإثم وإلصاق الذنوب وصكوك المغفرة والجنة إن رشحت فلانا وتركت فلانا!!
ثم أخذ الناس ينظرون ويتساءلون أهؤلاء اتفقوا مع إيران لفتح معابر لهم، ورفضوا مجلس القيادة ويتوعدون بتصفية فلان الذي يقف ضدهم، وأبرموا الاتفاق مع الأمريكان والتزموا بقرار بقاء المعاهدات مع الصهاينة مدى الحياة، وتركوا شعار: «الإسلام هو الحل»، وأن المناصب ستتغير لتكون حزبية وعصبية، وحتى الأئمة والخطباء يتم تشكيل لجنة تختار الذي من الحزب الحاكم وحده وإلغاء كل مخالف!! وأنهم وحدهم سيشكلون الدستور!! وعليه تم إصدار قرار وزاري بصلاحية القبض الأمني للشرطة العسكرية والمخابرات، وهو لا يختلف كثيرا عن قانون الطوارئ، وإلغاء مجلس الشعب، وإلغاء لجنة صياغة الدستور، وكأن رسالة معينة وصلت: «تغد بهم قبل أن يتعشوا بك»، وانقلبت الموازين وبدؤوا يتحدثون بصوت عال: إذا لم ينجح مرشحنا فهذا يعني التزوير وسننزل إلى الشارع وسنفعل كذا وكذا! أي مظاهرات ومواجهات وعصيان مدني وتعطيل الدولة بالكامل، وإذا نجحوا فالانتخابات نزيهة وعادلة وسنواجه كل من يتظاهر ويحاول تعطيل مصالح الحزب (الدولة)!
وعليه تغير الحزب الوطني لتكون مصر بيد حزب آخر يقود مصر من جديد بالتعصب والكبر والهوى والزج بالمخالفين في السجون!
كلاهما مر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.. اللهم ولِّ على مصر خيارهم واحقن دماءهم.. ونسأل الله أن يعين من يتولى القيادة؛ لأنها مسؤولية وحسرة وندامة يوم القيامة إلا من أداها بحقها وحسابه على الله عز وجل.
لاتوجد تعليقات