قرأت لك
جرجي زيدان أديب أم جاسوس؟!
بقلم: محمود الشارخ
من هو هذا الرجل؟ هل هو رائد الأدب والتاريخ أم هو أحد جواسيس المخابرات البريطانية؟! هل هو ذلك المحقق لكتب التراث الإسلامي، أم هو أحد أذناب المستشرقين الأوغاد؟! لقد قرأت وقرأ غيري من الأجيال السابقة روايته كالعباسة أخت الرشيد والأمين والمأمون وغيرها حتى ظننا أنه يستقي أخباره من الطبري أو البداية والنهاية لابن كثير.. فإذا هو ثعبان ينسل فيدس السم بالدسم. لقد اخترت لك أيها القارئ الكريم هذه الصفات التي سطرها لكم د. شاكر مصطفى - أستاذ التاريخ بجامعة الكويت عام 1980 وهو رحمه الله ذو انتماء قومي عربي.. ولكن ما أن تقرأ ما كتبه.. حتى تشعر بأنك أمام مؤرخ عربي مسلم غيور على عروبته وإسلامه فلتقرأ ما قال صفحة 40 في «سلسلة من التاريخ تحت عنوان»: «روايات تاريخ الإسلام»:
يسمونها روايات تاريخ الإسلام، وهم منذ تسعين سنة ونيف يطبعونها ويطبعون ثم يطبعون بمختلف التزاويق، ولقد أجريت أكثر من مرة استفتاء بين طلابي عما قرؤوا ويقرؤون فيما بين السابعة عشرة والعشرين فوجدت هذه الروايات ثالث ثلاثة إذ هي في الأيدي: كتب المنفلوطي من العبرات إلى النظرات إلى ماجدولين أو تحت أغصان الزيزفون، وكتب جبران: «الأجنحة المتكسرة» وما إليها، وهذه الروايات بعضهم قرأ بعضها وبعضهم قرأ معظمها وبعضهم استوفاها كلها، وهي اثنتان وعشرون رواية تبدأ بواحدة من جزأين ثم فتاة غسان وتنتهي برواية: استبداد المماليك، ويضاف إليها رواية جهاد المحبين (على البيعة).. وفيما بين الأولى والأخيرة يمر تاريخ كله من الحجاج وفتح الأندلس إلى شارل وعبدالرحمن إلى العباسة أخت الرشيد والأمين والمأمون وأحمد بن طولون وعبدالرحمن الناصر وصلاح الدين الأيوبي وشجرة الدر و«الانقلاب العثماني».. كل التاريخ الإسلامي موضوع في شكل سلسلة من القصص، صاحب هذه الروايات المتسلسلة إلى النفوس، من خلال الصور الإسلامية فيها هو الكاتب جرجي زيدان الذي توجوه أدبيا وروائيا بهذه الروايات فضلاً عن أنه مؤرخ! ودخل في وهم بعضهم أنه أديب كبير!! فمن الرجل؟ وما مبلغ التاريخ في أدبه هذا؟ وما مدى الخيال والكذب الفني؟ ولا أقول مدى الجهل والدسيسة!
جرجي زيدان بيروتي الولادة سنة 1861 وتربى على يد بعض القساوسة، ثم التحق ببعض فروع جمعية الشبان المسيحيين في إنكلترا وانتسب إلى الماسونية، هاجر مع من هاجر إلى مصر بعد الثورة العرابية، وعمل في الجريدة الوحيدة التي تركها الإنكليز للصدور: جريدة الزمان، واستخدمته المخابرات البريطانية كغيره، ورافق حملة السودان وسافر إليها من لندن وعاد فأنشأ دار الهلال وظل يصدرها مجلة للناس 22 سنة حتى توفي سنة 1914، وخلال هذه الفترة توثقت علاقاته بأبرز المستشرقين الذين نلوك حتى اليوم أسماءهم: (نولدكه)، و(كراتشكوفسلي)، و(مرغليوث)، و(غولدزيهر)، و(لهاوزن)، و(فانديك)، و(سخاو)، وغيرهم! ولقد أراد الرجل أن يجمع التاريخ الإسلامي كله ويضعه في قالب روائي مقبول لعامة القراء، وصدق الناس ذلك، ونشرت الروايات وذاعت، ولو كان ثم قانوني يحمي الناشئة من الكتب الرديئة لطال القانون منذ زمن هذه الروايات! إنها «كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ووجد الله عنده!» فلا هي روايات ولا هي تاريخ وليس فيها من الإسلام شيء إلا الأسماء والظواهر وإن حملت هذه الكلمات الثلاث على أغلفتها مع صور بعض النساء بالسيف والترس!
هل تراني أظلم الرجل؟ الذين يحسنون الظن به يقولون إنه كتب رواياته في فترة لم يكن الناس فيها يعرفون شيئا عن تاريخهم، وإنه بسطه لهم وصاغه كله في إطار روايات تقبلها الأنفس ويسهل حفظها، وهؤلاء المحسنو الظن كثيرون، ولكن المثل الفرنسي يقول: إن جهنم مبلطة بأصحاب النوايا الحسنة، ولا محل لهذه النوايا في العلم والدين والعقيدة ولا محل لها في الحق! قد يكون الرجل عالما ما شئت من العلم، أما أن يكون أديبا فليسمح لنا محبوه أن نتوقف قليلا عند هذه الصفة التي يقحمونه عليها أو يقحمونها عليه، لا فرق؛ لأن الروايات الواحدة والعشرين التي تحمل اسمه تكشفه.
1- ثم ظل من الشك أن تكون له؛ فإن مؤرخا يزعم أنه يحيط بالتاريخ الإسلامي ويكتب «الظاهر بيبرس العلي» بدلا من «العلائي» ويكتب «الأداوة» بدلا من «الأتاوة» و«جنبو» بدلا من «ينبع» و«الدراية» بدل «الدرعية» وبسر بن «قرطاط» بدلا من «أرطاة» و«سالم» الخاسر بدلا من «سلم» و«الجاد» بن درهم بدلا من «الجعد» بن درهم ومعركة «طرباي» بدلا من »تربة»، من حقك أن تتهمه في العلم بما يكتب وأن تشك في أنه يترجم عن لغة أخرى لا وجود لحرف العين فيها!!
2- ثم إن الروايات تأخذ من التاريخ لتبني قصة «لم تكتمل شروطها الفنية» وتأخذ من القصة الشكل لتنشئ تاريخا يغاير الواقع في كثير من الحقائق، فلا هو أدرك القصص ولا هو أدرك التاريخ، إنه استطاع ببراعة ناجحة أن يحول التاريخ الإسلامي إلى صورة ذات بعدين، وأن يمحو الحياة فيه ليجعله منطقة سكون ميتة.
3- والروايات بعد هذا كلها متشابهة حتى الملل، كلها تدور حول قصة عشق مكروه دوما، «فقطام» في رواية 17 رمضان، «فتاة الكوفة الفاتنة التي ذاع صيتها في الآفاق وسمع بجمالها القاصي والداني»، أخت «سلمى» في رواية غادة كربلاء التي «لم ير مثل جمالها» في فتاة قبلها وأخت جلنار في رواية أبي مسلم الخرساني «مضرب الأمثال بالجمال والتعقل»، وكلما أزيح لثام عن فارس مجهول أطل وراءه وجه كالبدر يدير الأحداث.. فجرجي زيدان يسير في موكب من الغواني الفاتنات الممشوقات القوام الممتلئات الأجسام، على وجوه كالبدور أو أزهى، ويتنقل بهن كما يتنقلن هن أنفسهن بين بلد إسلامي وآخر وبين حدث وآخر ليجعل كل أحداث التاريخ الإسلامي من صنعهن؟ يتلثمن ويبارزن بالسيوف والخيل تهدر من حولهن مع صليل الخلاخيل! وإذا تركت جانبا ما تدغدغه الروايات في صدور المراهقين من لواعج الغريزة وارتعاش القلوب في السر ولذعة الكهرباء عند تلامس الأيدي..
وإذا أهملت إلى هذا أنه كان يجعل مسرح الأحداث في الأديرة والكنائس ويعطي الرهبان دور التوجيه والأمانة والرأي السديد، كما يعطي زيت مصباح الدير الصفة العجائبية والبركة، ونسيت إلى هذا وذاك ما دأب عليه من جعل الظاهرة الجزئية أو الحادث الفردي حدثا كليا وقاعدة دائمة، وإذا تجاوزت كل ذلك لم تستطع أن تحتمل الدسائس كوخز الإبر يوزعها الرجل هنا وهناك، ولعله كان يؤمن بما سطر وكتب ولكن.. هل حقا لم يكن على الساحة عند فتوح العراق والشام مسلم واحد كما تحكي رواية فتاة غسان؟ وهل حقا كان سبب نصر المسلمين في فتوح الشام ضعف أعدائهم حين جاءوا وقد أنهكت الحروب هرقل فحصونه مهدمة وجيوشه مبعثرة وسائر قواته مضعضعة؟ وهل حقا بسط الرسول [ سطوته على الجزيرة العربية؟ وقبل ذلك هل كان منقطعا في الجبال ويأوي إلى الكهوف؟! وهل حقا لم يترك الرسول [ قافلة تمر بالمدينة إلا غزاها وفرق أسلابها بين رجاله؟ وهل حقا كانت فتوح الشام للاقتصاص من الغساسنة وإبادتهم عن آخرهم؟ بل هل حقا كانت الفتوح الإسلامية للنهب والسلب والفتك والقهر؟ وهل حقا ذبح الخليفة أهل الكرخ بسبب جارية؟ وهل حقا كان لعبد الرحمن الداخل خباء من النساء؟ هذه الأشواك التي تنتثر نثرا على الأسطر هي أخطر ما في هذه الروايات «الأدبية»؛ لأنها تلبس الباطل لباس الحق وتعتمد على سمعة زيدان العلمية في تقبلها وهضمها وتسريبها وكأنها حقيقة في الثوب الأدبي غير الأنيق هناك، في مثل هذه الروايات ينتهي الفن وتنتهي الرواية التاريخية وينتهي الأدب وينتهي التاريخ ويبدأ شيء آخر.. ليس لي أن أسميه باسمه! أليس من الحق أن تغمض عينيك وتراجع ذاتك بعد كل رواية تقرأ لزيدان؟!
أخيرا: أخي القارئ احذر من كتب هذا الدخيل على العرب والمسلمين وأمثاله كثيرون.. وقد يكونون مسلمين!! احذر سموهم؛ خوفا على عقائد أبنائنا.. فلقد تكالب عالم النصارى والمجوس على الأمة الإسلامية من القرن الهجري الأول.
لاتوجد تعليقات