مجالات الدعوة في الإعلام الجديد.. واسعة ونافعة!
سطع خلال السنوات القليلة الماضية نجم «الإعلام الجديد» الذي يعنى باستخدام أدوات ووسائل الاتصال الحديثة المرتبطة بالإنترنت كالمدونات، والشبكات الاجتماعية مثل الفيسبوك والتويتر واليوتيوب.
ومع بروز هذا النوع من الإعلام انتشر إنشاء الصفحات الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي كالفيسبوك والتويتر، وهي مواقع لم تكن تحظى من قبل بالاهتمام أو التسجيل فيها، ولم يكتف بذلك بل أصبح لكل شخص مدونة خاصة به يعبر فيها عن اتجاهاته وآرائه.
وتوصف موجة الإعلام الجديد بأنها الأكثر نمواً وإقبالاً في الوقت الراهن مما يفتح آفاقاً واسعة أمام الدعاة تجاوزاً للوسيلة الدعوية التقليدية، لهذا وجدنا حضوراً لافتاً لعدد كبير من الدعاة والمشايخ في مواقع التواصل الاجتماعي وموقع اليوتيوب مما يطرح تساؤلاً عن حجم ومدى الفرص التي يمنحها الإعلام الجديد أمام الدعاة. في هذا التحقيق نرصد كيف استطاع الإعلام الجديد أن يتخطى الحواجز والحدود، ونحاول معرفة مستقبل هذا النوع من الإعلام، ونستعرض في هذا الشأن رأي المتخصصين والإعلاميين والمهتمين بهذا المجال:
تخطي الحواجز
يؤكد أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود الدكتور علي بن شويل القرني أن الإعلام الجديد استطاع توظيف التقنية الحديثة وحقق الاستفادة القصوى من الشبكات الاجتماعية، وهو عكس ما كان سائداً في الإعلام التقليدي والنمطي، فالإذاعة مثلاً احتاجت إلى 38 عاماً حتى تصل إلى 50 مليون مستمع، بينما احتاج التلفاز إلى 13 عاماً حتى يصل إلى 50 مليون مشاهد، في المقابل احتاج الإنترنت 4 سنوات فقط حتى يصل إلى 50 مليون مستخدم.
وأشار د. القرني إلى أن المدونات ومواقع الإعلام الجديد أصبحت منافساً للإعلام التقليدي؛ حيث أصبح المتلقي في الإعلام الجديد هو المرسل فلم يعد هو المستقبل فقط ولم يعد مسؤولو الإعلام وقيادة الرأي العام هم الذين يفرضون رأيهم ومنهجهم ولكن الإعلام الجديد قلب المعادلة، معتبراً أن الإعلام الجديد تطور طبيعي للإعلام التقليدي الذي كانت بدايته بالصحافة ثم الإذاعة والتلفاز ثم القنوات الفضائية ثم الشبكة العنكبوتية، وأصبح ما يميز هذا النوع من الإعلام أنه لم يعد يقتصر على المرسل فقط الذي يتحكم في العملية الإعلامية، بل أصبح المتلقي هو البطل وصاحب القرار يحدد ما يريد مشاهدته ويعد رسائل إعلامية، وأضاف أن الإعلام الجديد يتميز بشبكة إعلامية متكاملة، وإعلام متفاعل، وحرية في القرار، واندماجات بين الوسائل الإعلامية، ونهايات الاحتكار والمنع، واستثمارات ضخمة ووضع حدا للتعريفات الهلامية التي كان يسوقها الإعلام القديم، وشكل تغييرات في الفكر والتواصل.
وأشار إلى أن الإعلام الجديد غيّر المنظومة الفكرية للناس وكسر الحواجز الهلامية بين العالم فمثلاً الآن لا تجد في المطار من يقول لك: ماذا معك في الفلاش ميموري أو السي دي؟ وهو عكس ما كان يقال قبل قرابة عشر سنوات مضت، وعن جمهور المستخدمين ذكر د. القرني أرقاماً تعبر عن انطلاقة هذا النوع من الإعلام؛ حيث يستخدم اليوتيوب شهرياً 100 مليون شخص، وشاهد قناة VEVO أكثر من 13 مليار شخص حتى الآن على موقع اليوتيوب، وبلغ عدد مستخدمي الإنترنت في العالم مليار شخص.
واقع لا مناص من التعامل معه
أما الباحثة في الإعلام الجديد الأستاذة إيمان بخوش فتؤكد أن الثورة المعلوماتية بكل أجهزتها وتقنياتها ومكوناتها أسهمت إسهاماً كبيراً جداً في اختصار طرق وأشكال الحصول على المعلومات وحتى مصادرها، فبعد أن كان الإعلام في القديم هو القنوات الفضائية والإخبارية المتخصصة، وهي محتكر المعلومة، من خلال المراسلين ووكالات الأنباء، أصبحت اليوم المعلومات تنتشر بطرائق جديدة تماماً غيرت عناصر العملية الاتصالية كلية، من خلال وسائل الإعلام الجديد من مدونات، وشبكات اجتماعية، ومواقع تدوين مصغر، ويوتيوب، وصحافة إلكترونية.
وتضيف: إن الإعلام الجديد أصبح اليوم واقعاً لا مناص من التعامل معه، شئنا أم أبينا، وإن كانت هذه الأدوات في السابق قوبلت بالرفض بوصفها مصدراً إخبارياً وبقيت فقط مجرد قنوات اتصال تعبيرية لأفراد منعزلين، إلا أنها اليوم باتت تفرض نفسها على أرض الواقع بشكل يجعلنا نحاول تكييفها لا رفضها، والتعامل معها لا إقصاءها، وتشير إلى أن أكثر الأسباب التي جعلت الإعلام الجديد غير موثوق به مصدراً للخبر، هو كون المستخدمين الذين ينشرون الأخبار عبر هذه الوسائل غير متخصصين في المجال الإعلامي، وليست لديهم دراية بأبجديات الكتابة الصحافية، لكن سرعان ما تم تقبل هذه النقطة ما دام الإعلام الجديد يوفر الفرصة للحصول على أخبار قد لا نتمكن من الحصول عليها من خلال المصادر التقليدية.
إشكال آخر تتحدث عنه الأستاذة إيمان بخوش – ولعله الأهم – وهو مدى إسهام وسائل الإعلام الجديد في نشر الشائعات، في ظل سهولة إعادة نشر المحتوى ومشاركته من طرف آلاف المستخدمين، خصوصاً إذا ما تعلق الأمر بقضايا إنسانية تغلب فيها العاطفة أحياناً، لكن هذا لم يمنع من اعتماد أدوات الإعلام الجديد مصدراً للخبر، حيث تعتمد كبريات الفضائيات الإخبارية على ما ينشر من خلال هذه المواقع، في حال تعذر الحصول على المعلومة من المصادر التقليدية، كما أن وكالة الأنباء رويترز قدمت لصحافييها بعض المبادئ والتوجيهات لاستخدام الإعلام الاجتماعي بشكل أمثل كمصدر إخباري، ولعل هذا في حد ذاته اعتراف بقوة الإعلام الاجتماعي.
وتلفت الأستاذة إيمان بخوش إلى أنه إذا كان عموم المستخدمين على غير دراية وإحاطة بأهمية ما ينشرونه، مما يسهم في نشر الإشاعات في حال عدم التثبت من صحة المعلومة، فإنه لا بد على الصحافيين الذين يعتمدون على الإعلام الجديد توخي الحذر، والتزام المهنية، مع الاستفادة من الفرص التي يحققها هذا الإعلام الذي قلب موازين العملية الإعلامية والاتصالية عموماً.
الإعلام الجديد والفرص الدعوية
ويشدد الدكتور سليمان العيد أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الملك سعود على ضرورة ترشيد استخدام الإنترنت حتى يتم تفادي أخطاره واقتناص الكم الهائل من النوافذ في طياته، موضحاً أن استخدام الإنترنت وسيلة إعلامية حديثة يتضمن تحقيق عدد من الأهداف أبرزها التواصل، وبحث المعلومات، والحصول على الأخبار، والتعليم، والبحث الأكاديمي، والأنشطة الدينية.
وحذّر الدكتور العيد من الجوانب السلبية للإنترنت عدّها وسيلة ذات حدين يمكن استخدامها للشر والخير على حد سواء، منبهاً إلى ضرورة الأخذ بالحيطة والحذر عند الخوض في هذا المحيط من المعرفة والمعلومات، وداعياً في الوقت ذاته «إلى أخذ الاعتبار بالكميات الهائلة من المحتويات الخطيرة وغير الأخلاقية وآثارها السلبية على شباب الجيل المسلم».
وطالب الدكتور العيد بالاستفادة من الفرص التي يمنحها الإعلام الجديد، فموقع «يوتيوب» على سبيل المثال من أشهر المنابر التي تستخدمها شريحة واسعة من الشباب في عرض لقطات من الفيديوهات المتنوعة سواء كانت شخصية أم عامة، وهو موقع له أهميته كذلك بين الدعاة، حيث بدؤوا يستخدمون هذا الموقع لنشر صحيح الدين والعقيدة بين الشباب.
ونوَّه الدكتور العيد بأهمية هذه الوسيلة في نشر الدعوة الإسلامية حيث إنها تتمتع بجمهور واسع، يشكل الشباب الغالبية العظمى منه، لافتاً النظر إلى «بروز عدد من الدعاة والمشايخ في هذا الموقع»؛ مما يبرز الحاجة إلى كتابة بحوث علمية حولها حتى يتم ترشيد الدعاة للاستخدام الأمثل لهذه الوسيلة، وهناك بالفعل عدد كبير من المواقع الشهيرة لبعض العلماء والتي يرتادها أعداد كبيرة من المسلمين معظمهم شباب في مقتبل العمر.
الكوادر الدعوية
وعمَّا يتيحه الإعلام الجديد من فرص حقيقية طالب الدكتور محمد جمال عرفة، في بحثه، «الإعلام الجديد وتقنية المعلومات.. التحديات والفرص» بالابتعاد بالجدل المذهبي وصراعات الاجتهادات الفقهية عن الإعلام الإسلامي الإلكتروني، خصوصاً الموجه إلى الدول الغربية أو الذي ينطلق من الغرب؛ لأنه لن يفيد الزائر الغربي متابعة جدل مذهبي حاد بين طرفين أو أكثر من المجتهدين أو التيارات الإسلامية المتصارعة أو المتنافسة على الساحة، ورأى أهمية التركيز على التدريب وإعداد الكوادر التقنية والفنية وضم أصحاب الاختصاص في الإعلام الإلكتروني والفنيين والخبراء والاستشاريين، وإعداد الدراسات الميدانية والبحوث المتخصصة، وتطوير الأداء، ورصد حجم التفاعل أو الإقبال الإلكتروني مع هذه المشاريع من خلال فتح التعليقات، بدلاً من الواقع الحالي للمشاريع الإعلامية الإلكترونية القائمة على العشوائية والاجتهاد دون بحث أو دراسة أو منهج حضاري إسلامي واضح ينطلق منه المشروع ويكون هو الهدف والرسالة.
وطالب عرفة بتجميع وتوحيد جهود أصحاب المشاريع الإعلامية الإسلامية الإلكترونية «صحف – مواقع إنترنت – مجموعات» بقدر الإمكان في أنشطة مكبرة مجمعة، بدلاً من تشتتها في أنشطة متشابهة ومكررة تضيع الجهد وتشتت الكفاءات ولا تجعل للأموال المنصرفة في هذه الأنشطة المتشابهة المتنافسة قيمة مضافة، بعكس ما يفعله أصحاب المشاريع الغربية حالياً حيث ينتشر في الدول المتقدمة فكرة تجميع الأنشطة والتحالف والدمج بين المشروعات المتشابهة للاستفادة من تجميع الاستثمارات والكفاءات والأموال في مشاريع ضخمة تسيطر على أكبر قدر من العقول في العالم.
وأوضح أهمية الفصل بين إدارة أو تمويل المشروع الإلكتروني وبين التحرير أو منهج فريق العمل في الأعمال الإعلامية، مع تأكيده على إنشاء مواقع إسلامية متخصصة في علوم العقيدة، وعلوم القرآن وتفاسيره، والسنَّة النبوية وعلومها، وأصول الفقه، والأخلاق والمعاملات، تحت إشراف أهل العلم المشهود لهم بالعلم والإخلاص، وأهل الخبرة التقنية القادرين على عرض هذه المواد بأفضل الوسائل التقنية الإلكترونية المبسطة والسهلة والشيقة كي يسهل نقل الرسالة، وإنشاء مواقع إسلامية دعوية باللغات الأجنبية المختلفة، كالإنجليزية والفرنسية، والروسية، والألمانية وغيرها بالشروط السابقة التي تجمع بين العلم وبين الخبرة الفنية في العرض والتشويق.
قنوات إسلامية موجهة
وبيَّن عرفة ضرورة الاستفادة من غرف المحادثة العالمية، سواء كانت ضمن مواقع معينة كالياهو والماسنجر، أم كانت شبكات مستقلة بذاتها مثل «البال توك» و«سكاي بي»، وغيرها وذلك بالتعاون بين الدعاة من أهل العلم والمختصين في الحاسب الآلي لإقامة الندوات وإلقاء المحاضرات الصوتية، والقيام بحملات الدعاية والإعلان لها، لاستقطاب أكبر عدد من المستمعين، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، والاستفادة من شبكات التواصل الاجتماعي «الفيسبوك وتويتر وماي سبيس» وغيرها، للاتصال المباشر مع الناس من كل مكان ودعوتهم إلى الإسلام ونشر حقيقته وما قدمه من حلول عصرية للمشكلات العالمية، مع دعم المجموعات الشبابية المتميزة أو التي تتبني المشروع الحضاري الإسلامي، أو الحرص على تنمية وتدريب مجموعات على هذا المنوال عبر مؤسسات خيرية أو وقفية ينطلق منها الشباب لخدمة الإعلام الإسلامي الإلكتروني بصورة فعالة للغاية، والاستفادة من تكنولوجيا الاتصال الحديثة في مجال الفضائيات والإنترنت بإنشاء قنوات إسلامية موجهة بلغات الدول الغربية على شبكة الإنترنت للتواصل المباشر مع المسلمين وغير المسلمين بما يضمن سهولة وسرعة نقل المعلومة والتفاعل المباشر الذي يؤدي لإثراء الخطاب الإعلامي الإسلامي الإلكتروني ويؤدي دوراً غير عادي في نشر الدعوة بين شعوب العالم أجمعين.
وطالب بالاهتمام بأقسام الاستشارات في مواقع الإعلام الإسلامي الإلكتروني لأنها أبرز أشكال التفاعل المباشر مع الجمهور، ومن خلالها يمكن تصحيح صور مشوهة عن الإسلام لدى بعض المسلمين أنفسهـم، وبالطبع غير المسلمين، عبر الإجابة المباشرة – عبر متخصصين يجمعون بين اللغة الأجنبية والرؤية الحضارية الإسلامية الشاملة والإقناع والإشارة بالرأي الرشيد، والفكر السديد عن طريق إجابات المتخصصين في شتَّى مناحي العلوم الإنسانية: نفسية، وتربوية، ودعوية، وإيمانية، وأسرية.
لاتوجد تعليقات