بعد خطب سلطاني ودهم -هل يتحول سلفيو الجزائر إلى فرس الرهان في الانتخابات القادمة
فجرت التصريحات التي أطلقها زعيم حركة مجتمع السلم الجزائرية وزعيم حركة الإخوان المسلمين بها حول تحول التيار السلفي في الجزائر لفرس الرهان خلال الانتخابات البرلمانية القادمة في الجزائر المقرر عقدها في ربيع العام المقبل موجة من الجدل في الساحة السياسية الجزائرية.
حيث تعددت رؤى الفرقاء السياسيين في الجزائر والمراقبين حول هدف سلطاني من وراء إطلاق هذه التصريحات، فهناك من عدّ الأمر مجرد محاولة لشراء ود التيار السلفي في المجتمع الجزائري وضمان تأييده لحركة مجتمع السلم التي خرجت لتوها من الائتلاف الحكومي في الجزائر التي تشكل جبهة التحرير الوطني حجر الزاوية به، فسلطاني يدرك بشدة صعوبة المعركة التي يخوضها خلال الانتخابات القادمة لاسيما أن حركته لم تحقق إنجازات كبيرة داخل المجتمع الجزائري بشكل يعزز من شعبيتها، بل على العكس تمامًا حيث ينظر إليها قطاع كبير من السلفيين لاسيما من أنصار جبهة الإنقاذ الإسلامية المحظورة منذ عام 1992م باعتبارها فصيلاً خائنًا للشعب حيث يأخذون عليها وضع يديها في يد الحكومات الجزائرية التالية لقيام الجيش بالانقلاب على نتائج الانتخابات التي أوشكت الجبهة الإسلامية للإنقاذ على الفوز بها؛ حيث وثقت حركة مجتمع السلم ولاسيما في عهد سلطاني من صلاتها مع حزب فرنسا في الجزائر وهو ما يأخذه عليها الجزائريون من جهة عملها كمحلل لكل الجرائم التي تشهدها الجزائر في العشرية السوداء؛ إذ ثارت تساؤلات عديدة حول ضلوع المؤسسة العسكرية الجزائرية المعروفة بصلاتها الوثيقة مع فرنسا خلال الفترة الأخيرة.
خطب ود
لذا فإطلاق سلطاني لمثل هذه التصريحات جاء في محاولة لكسب ود السلفيين الذين لم يعرف عنهم رغم كل هذا الاستجداء حرصهم على التصويت في أي انتخابات شهدتها البلاد منذ عام 1991م.
وبعيداً عن أهداف سلطاني من وراء مثل هذه التصريحات وتأكيده أن السلفيين سيحسمون المعركة لصالح من يختارون ورغبته في زيادة حصة حركته في التشكيلة الحكومية على 4 مقاعد فمن المهم إلقاء الضوء على خريطة السلفيين في المجتمع الجزائري بعد أن برزت أسهمهم في الفترة الأخيرة، وبنظرة دقيقة على هذه الخارطة نجد أن الجبهة الإسلامية للإنقاذ والتي تمثل الحركي السياسي العام غير معنية بمسألة الانتخابات في ظل الحظر المفروض عليها منذ عام 1992م واستمرار هذا الحظر يقطع الطريق على مشاركة أنصارها سواء بالتصويت أو بالترشيح حتى الآن على الأقل وهو أمر صعب أن يتراجع في ظل التركيبة السياسية الحاكمة في الجزائر حاليًا.
أما الفريق الآخر من التيار السلفي فيطلق عليه (المداخلة) وهؤلاء لم يعرف عنهم شغفهم بالعمل السياسي ولا حرصهم على المشاركة في الانتخابات بل يقع تركيزهم على الدور الدعوي.
ويعرف عن زعيم التيار السلفي في الجزائر عبد المولي فركوس اهتمامه بالمجال الدعوي وعدم الرغبة في الانخراط في عمل سياسي، بل إن الأمر قد يتجاوز كذلك إلى إمكانية إصدار فتاوى بحظر تصويت أتباعه في هذه الانتخابات.
توحيد الصفوف
ورغم وجود حالة إجماع على عزوف التيار السلفي عن المشاركة في الانتخابات القادمة إلا أن هناك وجهة نظر مضادة طرحها المتحدث باسم الصحة الحرة لمساجد العاصمة عبدالفتاح زيراوي حمداش بأن التيار السلفي قد يدخل على خط الانتخابات البرلمانية المقبلة، مشيرًا إلى أن التيار السلفي لن يبقى على الحياد في الاستحقاقات المقبلة اقتداء بنظيره المصري (حزب النور).
وكشف (حمداش) عن انخراطه في اتصالات مكثفة برموز التيار السلفي والإسلامي من أجل دفعهم للمشاركة في الانتخابات البرلمانية المقررة الربيع القادم إلى جانب توسيع قاعدة المشاورات نحو تيارات إسلامية أخرى بهدف توحيد الجهود وتقديم لوائح انتخابية مشتركة، وحول إمكانية وجود قائمة موحدة للإسلاميين في ظل الخلافات والانشقاقات داخل هذه الأحزاب ومنها حركة مجتمع السلم وانقسام حركة الإصلاح الوطني التي كان يقودها الشيخ عبدالله جاب الله، مشيرًا إلى أن هذه الاتصالات تراعي وجود هذه الانشقاقات بل إنه رجح تحقيق التيار الإسلامي نتائج قوية في حالة وجود قائمة موحدة له.
غير أن وجهة نظر (حمداش) المتفائلة بالقدرة على لملمة أشلاء التيار الإسلامي لا تقابل بتفاؤل مماثل في ظل إعراض التيار السلفي عن المشاركة في هذا الأمر سواء لدواع شرعية مثل تيار الشيخ فركوس أم لأسباب أخرى من جانب الجبهة الإسلامية للإنقاذ عن المشاركة في الانتخابات أو الترشيح كونهم غير مقتنعين بالعملية الانتخابية كسبيل للتغيير في ظل الحكم الحالي.
لذا فالرهان على أداء التيار السلفي دورًا مهمًا في حسم الصراع الانتخابي يبدو شديد الصعوبة، فالجناح الغالب داخل التيار السلفي لا يجيد مثل هذا الأمر، بل يحتاج لسنوات وليس لأشهر لتغيير هذه القناعات ناهيك عن أن شرعية الانتخابات القادمة قد تتعرض لتشكيك كبير في ظل رغبة العسكر والمؤسسة الرئاسية في استمرار هيمنة جبهة التحرير الوطني.
نتائج مسبقة
وليس أدل على ذلك من تأكيدات القيادي البارز في الحزب الحاكم ورئيس الوزراء السابق عبدالعزيز بلخادم بأن الإسلاميين لن يحصلوا على أكثر من 35% من الأصوات وكأنه يضع أمام الرأي العام النتائج المرسومة بحسب الصفقات بين العسكر وبوتفليقة والذين لن يقبلوا رغم الضغوط أو بالأحرى لن يتحملوا إجراء انتخابات حرة تأتي بحكومة قوية تستطيع محاكمتهم على جرائمهم في حق الشعب الجزائري في يوم من الأيام.
ومن جانبه يرى د. سيف الدين عبدالفتاح أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أن هناك شكوكًا قوية حول قدرة التيار الإسلامي على تحقيق نتائج مثلما حدث في كل من مصر وتونس باعتبار أن النظام الجزائري مازال باقيًا ولم يسقط مثلما حدث مع نظم بن علي ومبارك والقذافي.
ويرى أن الخلافات والانشقاقات داخل التيار الإسلامي في الجزائر ستؤدي دورًا في تقليل حصة الإسلاميين مرجحًا ألا يخوض التيار السلفي الجزائري الانتخابات بشكل قوي بل قد يكتفي تيار ضيق داخله بالتصويت فقط.
وأشار إلى أن تأكيدات سلطاني لا تتجاوز كونها مسعى لحث الخلايا السلفية النائمة في الجزائر على التصويت لحزبه وهو أمر شديد الصعوبة في ظل ارتباط حزب سلطاني بالسلطة في الجزائر لفترة طويلة مما يجعل تصويت السلفيين لصالحه مستبعدًا بشدة.
وأشار إلى أن الانتخابات الجزائرية القادمة قد لا توفر فرصة لخروج الجزائر من حالة الاحتقان السياسي التي تعاني منه الجزائر من 1992م، فدون إصلاحات سياسية حقيقية وتقليص سلطات الرئاسة المطلقة وهيمنة العسكر على المشهد السياسي فإن حالة الاحتقان مرشحة للتصاعد.
لاتوجد تعليقات