بعد مرور عام على الثورة الـمصرية- مصر تحت قيادة الإسلاميين
احتفاليات عدة شهدتها الساحة السياسية المصرية الأسبوع الماضي أقل ما توصف به أنها ميلاد جديد للثورة، وتجديد لدمائها، وبداية حقيقية لها؛ حالة شديدة من الترقب سبقت هذا الأسبوع في ظل عدد من التهديدات التي أطلقتها القوى الثورية والاشتراكية ألمحت فيها إلى أنها ستحرق البلد وستبدأ ثورة جديدة على أنقاض مؤسسات الدولة وعلى رأسها المجلس العسكري، لدرجة دفعت السفارة الأمريكية إلى تحذير رعاياها من أعمال عنف قد تقع في ذكرى الاحتفال بالثورة، إلا أن كل هذه التهديدات والتخوفات لم تكن إلا فقاقيع فارغة ذهبت أدراج الرياح مع انعقاد أول جلسة من جلسات البرلمان ليصبغ المجلس بصبغة جديدة لم يعهدها من قبل، ثم اكتملت هذه الاحتفالية بتجمع هائل في ميدان التحرير يوم الأربعاء الماضي احتفالاً بمرور عام على الثورة، ثم اختتمت الاحتفالات باعتصام رمزي يوم الجمعة شاركت فيه جميع القوى السياسية بما فيهم الإسلاميون.
مبادرات حسن النوايا
ما زال المجلس العسكري يثبت يومًا بعد يوم حسن نواياه وحرصه على نجاح الثورة، برغم تعرضه للطعن والتشويه من قبل كثير من القوى السياسية وعلى رأسهم من يسمون أنفسهم بالثوريين والاشتراكيين، الذين جعلوا تفكيك مؤسسة الجيش على رأس مخططاتهم، ففي مطلع هذا الأسبوع أعلن المجلس العسكري قرارات عدة أهمها: تسليم السلطة التشريعية لمجلس الشعب مع انعقاد أولى جلساته، ثم إلغاء قانون الطوارئ، وبرغم أن قرار إلغاء قانون الطوارئ جاء باستثناء واحد هو (عمليات البلطجة)، وقد أثار هذا الاستثناء حفيظة عدد من القوى السياسية، إلا أنه في النهاية لاقى قبولاً لدى كثير من القوى السياسية ويعد خطوة على طريق إثبات حسن النوايا للمؤسسة العسكرية.
مجلس الشعب تحت قيادة إسلامية
منظر مهيب لم يكن أحد يتخيله قبل عام واحد، حينما تجمع مئات من أنصار الإسلاميين أمام مجلس الشعب لتحية النواب أثناء دخولهم البرلمان في أولى جلساته لهذا الانعقاد، وتابع ملايين المصريين هذا الحدث بشوق شديد وكأنهم أمام فيلم من أفلام الخيال العلمي، ولأول مرة في تاريخ هذا المجلس ترفع إحدى جلساته لأداء صلاة الظهر، ولم يملك الناس في هذا الموقف إلا أن يرددوا قول المولى عز وجل: {قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء، وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير}.
وفي أول خطوة لهم، بدأ النواب في مجلس الشعب التصويت لاختيار رئيس للمجلس، وقد حدث توافق بين السلفيين والإخوان على اختيار الدكتور محمد سعد الكتاتني لرئاسة المجلس، وهو ما تم بالفعل حيث فاز بأغلبية الأصوات، فيما فاز الدكتور أشرف ثابت من حزب النور السلفي بمنصب وكيل المجلس عن الفئات.
وترأس الجلسة الأولى د.محمود السقا أكبر الأعضاء سناً ورئيس الجلسة الإجرائية بمجلس الشعب وهو من حزب الوفد.
وأدى النواب اليمين الدستورية واحدًا تلو الآخر وتعهدوا بالحفاظ على سلامة الوطن ورعاية مصالح الشعب واحترام القانون والدستور.
مفارقات في أداء القسم
كانت هناك مفارقات عدة أثناء تأدية القسم للنواب منها: عندما أضاف المحامي ممدوح إسماعيل على القسم عبارة «فيما لا يخالف شرع الله»، قال له السقا: «الرجاء الالتزام بالنص»، وطلب منه إعادة أداء القسم مرات عدة، ولما لم يجد السقا استجابة قال له متوددًا: «الأستاذ ممدوح إسماعيل يا صديقي، الرجاء قف واتل ما هو مكتوب».
وحاول آخرون من الليبراليين إضافة عبارة :«أقسم بالله العظيم أن أحافظ على أهداف الثورة» رد السقا أيضًا عليهم بمثل ما رد به على ممدوح إسماعيل، كما ارتدى العديد من النواب أوشحة صفراء اعتراضاً على المحاكمات العسكرية للمدنيين.
مظاهرات ومطالب شعبية للنواب الجدد
توجهت عدة مجموعات من المتظاهرين نحو البرلمان من جميع أنحاء القاهرة لمطالبة النواب بتبني مبادئ الثورة ومن بينها إنهاء المحاكمات العسكرية للمدنيين وتحقيق العدالة الاجتماعية ومحاكمة المسؤولين المدانين بسوء استغلال السلطة.
وانطلقت أربع مسيرات من مناطق عدة مختلفة في القاهرة باتجاه مجلس الشعب لتقديم مطالب إلى أعضاء البرلمان الجديد، ضمت المسيرة الأولى عائلات ضحايا الثورة الذين يطالبون بتحقيق الأهداف التي ضحى من أجلها أبناؤهم، بينما ضمت المسيرة الثانية نشطاء يطالبون بوقف المحاكمات العسكرية. أما الثالثة فضمت فنانين ومثقفين ودعت لحماية المجال الفني والأدبي وعدم فرض قيود عليه وبخاصة بعد صعود التيار الإسلامي، أما المسيرة الرابعة فضمت أعضاء النقابات العمالية.
أول بيان للمجلس
وشدد المجلس في أول بيان له على أن نواب الشعب يضعون في مقدمة أولوياتهم الحقوق الكاملة لأسر الشهداء والمصابين بدءًا بمحاكمات عادلة تقتص لدماء الشهداء، وتحدد كل الأطراف المتورطة في جرائم القتل والعدوان.
احتفالية الثورة
كان الحدث الثاني الأهم الذي شغل المصريين هذا الأسبوع وانتظره كثير منهم وهم يسترجعون ذكرياته الأليمة هو يوم الخامس والعشرون من يناير، ذكرى الثورة المصرية، وقد ألقى فيه المشير محمد حسين طنطاوي كلمة شدد فيها على حرص مصر على حماية مصالحها دون أي إملاءات، والالتزام بجميع المعاهدات، قائلاً: «أؤكد لكم قدرة مصر على مُواجهة هذه التحديات والصعاب والمخاطر بجيش يحميها وشعب عريق قادر على صُنع التاريخ، لا تُفرِّط في سيادتِها واستقلالِ إرادتها ولا تقبل شروطاً أو إملاءاتٍ تنال من كرامتِها وحُريتِها. تحمي أمنَها القومي وأبعادَه المُتعددة، ولا تتَهاون مع من يحاول زعزعة أمنِها واستقرارِها أو يَمسُ وحدةَ شعبِها ويحاولُ الوقيعة بين أبناءِ الشعب».
بيان عن تحالف القوى الإسلامية
وفي خطوة استباقية من التيارات الإسلامية للحفاظ على أمن البلاد من عبث المخربين الذين هددوا بإحداث فوضى عارمة في هذا اليوم، أصدر عدد من هذه التيارات وعلى رأسها الدعوة السلفية بيانًا مشتركًا أكدوا فيه على وجود جماهير المصريين في هذا اليوم بميدان التحرير، والميادين العامة بالمحافظات؛ حرصًا على مكاسب الثورة وسلميتها، ومطالبها العادلة بتحقيق العدالة الاجتماعية الحالية والمستقبلية في المجتمع، ومحاربة الفساد، والإسراع بمحاكمات المفسدين، ثم لحماية المنشآت والممتلكات العامة والخاصة، ومنع التخريب والتدمير والفوضى والبلطجة، وتأمين استمرار المسيرة باستكمال بناء مؤسسات الدولة من ممارسة مجلس الشعب لصلاحيته وسلطاته، واستكمال انتخابات مجلس الشورى وكتابة الدستور، وإتمام انتخابات رئاسة الجمهورية في موعدها، وتولي إدارة البلاد حكومة وطنية تُعبِّر عن إرادة الشعب, وننبه إلى أن الأمة ستكون يدًا واحدة في مواجهة المفسدين الداعين للفوضى إذ لا تحتمل بلادنا مزيدًا من عدم الاستقرار.
نسأل الله أن يحفظ بلادنا آمنة مطمئنة، وسائر بلاد المسلمين.
وقد وقـَّع على هذا البيان: «الدعوة السلفية - الإخوان المسلمون - الجماعة الإسلامية - الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح».
موقف الدعوة السلفية
وقد أكد الدكتور ياسر برهامي على أن الدعوة السلفية ستقف بالمرصاد لأي محاولة للذهاب بالبلد إلى حالة فوضى أو تخريب أي من منشآت الدولة أو الممتلكات الخاصة والعامة لتعطيل عمل النواب الذين اختارهم الشعب ليقوموا باستكمال مسيرة تحقيق مطالب الثورة عبر البرلمان.
الإسلاميون يعلنون اعتصامًا رمزيًا بالتحرير
وبعد انتهاء الاحتفالات يوم الأربعاء 25 يناير، أعلنت القوي الإسلامية مشاركتها في اعتصام رمزي يوم الجمعة 27 يناير بمناسبة ذكرى جمعة الغضب، واشترطت أنها لن تطالب برحيل المجلس العسكري عن السلطة قبل انتهاء الفترة الانتقالية.
وأكد محمد نور المتحدث الإعلامي لحزب النور السلفي أن مشاركة الحزب بالاعتصام جاءت للحفاظ على سلميته والتركيز على مكتسبات الثورة وعدم إرباك المشهد السياسي بمطالب أخرى غير المطالب المتفق عليها داخل خارطة الطريق على حد قوله.
وقال أحمد سبيع المنسق الإعلامي لحزب «الحرية والعدالة»: إن شباب الحزب مستمرون في التظاهر بالميدان للاحتفال بثورة 25، ولن ينسحبوا منه إلا إذا صدرت قرارات من الحزب تطالبهم بالانسحاب.
وأكد المهندس عاصم عبدالماجد، المتحدث الرسمي باسم الجماعة الإسلامية، أن الجماعة أبقت على بعض كوادرها في الميدان كرسالة للسلطة بضرورة الإسراع في تنفيذ أهداف الثورة، وكذلك ضرورة تسوية عدد من الملفات ومنها أوضاع 46 من معتقلي الجماعة والجهاد بسجن العقرب.
من جانبه أشار الدكتور حسام البخاري المتحدث باسم ائتلاف دعم المسلمين الجدد إلى استمرارهم في الوجود في ميدان التحرير، مضيفًا أنهم سيشاركون اليوم في مسيرات متجهة من أكثر من منطقة أبرزها مسجد «الاستقامة»، ومسجد مصطفى محمود.
وقد زحف إلى الميدان في هذا اليوم تسع مسيرات سلمية تحمل لافتات بأسماء شهداء يوم 28 من يناير الماضي، للمشاركة في جمعة العزة والكرامة أو جمعة الغضب الثانية كما سماها البعض للتأكيد على مطالب الثورة وتسلم السلطة من المجلس العسكري والقصاص من قتلة الشهداء. وبعد انتهاء فعاليات هذا اليوم بدأ الإسلاميون في الانسحاب من الميدان بعد أن أزالوا منصتهم من أمام مسجد عمر مكرم، وأنهت جميع المنصات الموجودة في الميدان فعالياتها.
في حين أعلنت نحو 50 من الائتلافات الثورية استمرار اعتصامها في الميدان، ومن بينها حركة شباب 6 أبريل وحركة شباب من أجل العدالة والحرية والجبهة الحرة للتغيير السلمي، إلى حين تسليم السلطة من المجلس العسكري إلى سلطة مدنية منتخبة.
وبدت مداخل الميدان خالية من تأمين اللجان الشعبية التي نظمها الإسلاميون، ولجأ المعتصمون إلى الخيام، فيما تجمع العشرات في حلقات نقاشية، وقام عدد من المعتصمين بترديد هتافات ضد الإسلاميين أثناء إزالة خيامهم من الميدان.
موقف السياسة الأمريكية والرضوخ للأمر الواقع
في إطار السياسة الأمريكية التي تجيد لعبة الكر والفر دعا تشارلز بستاني النائب الجمهوري في الكونجرس الأمريكي، يوم الأربعاء الماضي إلى ضرورة التواصل مع القيادة المصرية الجديدة، مشيرًا إلى أن نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة في مصر لم تكن مفاجئة -على حد زعمه-.
وقال: «علينا أن نتواصل مع القيادة المصرية الجديدة ونتفهمها ونأخذ بعين الاعتبار إطار العلاقات معها، يجب علينا أن نثمن ما أنجزه الشعب المصري خلال العام الماضي، فقد توصلوا إلى تداول سلمي للسلطة حتى الآن، وبكوننا صناع القرار في الولايات المتحدة فإننا في حاجة إلى تطوير هذه العلاقات والتعاون مع القيادة المصرية الجديدة».
وفي السياق نفسه، أكد (راس كارنهان) النائب في الكونجرس الأمريكي: «إن بلاده تراقب التحول الديمقراطي في مصر عن كثب، وأن الشعب المصري قال كلمته الأخيرة من خلال انتخاب ممثليه»، وقال: «نراقب عن كثب التحول في مصر بشيء من القلق؛ إنه تحول كبير وتحد صعب فالشعب المصري قال كلمته وانتخب ممثليه وقد حان الوقت ليتوحدوا جميعا لإدارة البلاد، فهناك برلمان حديث منتخب برئيس جديد، وهذا الشعب أصبح له تأثير في إدارة البلاد بعد عقود من التهميش، وآمل أن يتكلل هذا التحول بالنجاح فمصر بلد مهم وحليف مهم».
لاتوجد تعليقات