كيف نساعد أبناءنا على التركيز في المذاكرة?
أحيانًا يجلس الطالب وينتهي من الواجبات المنزلية في فترة وجيزة، وأحيانا تجده يبحث عن أي شيء يلهيه عن المذاكرة، ينظر هنا وهناك، ويعبث بالقلم، وينظر إلى الجوال، وتمر الدقائق، بل الساعات وهو لم يبدأ بعد، فما السبب في ذلك؟ وكيف يمكن تغيير ذلك السلوك؟ وكيف يمكن مساعدته على التركيز في عمله؟
يقول علماء المخ والأعصاب: إن التركيز يقتضي التفرغ التام والاهتمام الكامل بعمل معين دون سواه، ويشبهون ذلك بشعاع الضوء المسلط على شيء بعينه؛ لأن معالجة الانفعالات والأفكار المتعلقة بأمر ما في المخ، تقتضي إلغاء الاهتمام ببقية الأمور قدر الإمكان.
وقد لاحظ العلماء أن المخ يتلقى 400 ألف انفعال حسي كل ثانية، ولا توجد منطقة محددة في المخ خاصة بالقدرة على التركيز، بل تعتمد على شبكة عصبية معقدة، موزعة على كل مناطق المخ، لكن انتقال هذه الانفعالات إلى الوعي ومعالجتها لغويًا، يتم في الفص الجبهي في المخ، وهذه المنطقة تبدأ نموها لدى الأطفال في الفترة بين سن الثالثة والسادسة من العمر، ويكتمل نضجها مع نهاية مرحلة المراهقة.
ويوضح العلماء أن القدرة على التركيز دون فترات استراحة تزداد مع تقدم العمر، فالأطفال من سن 6 - 7 سنوات، يستطيعون التركيز بصورة متواصلة لمدة 15 دقيقة، وفي المرحلة العمرية من 8 - 10 سنوات، لمدة 20 دقيقة، وفي المرحلة من 11 - 14 سنة، لمدة 20 - 30 دقيقة، ومن سن 15 - 19 سنة، لمدة 30 - 40 دقيقة، وفي سن 25 سنة تصل مدة التركيز المتواصلة إلى 45 دقيقة.
ويضيفون أن عملية معالجة المعلومات في المخ، تتم طوال الوقت، لكنها معرضة للاضطراب، والانشغال عن المذاكرة مثلاً بشيء آخر، إذا لم يكن الهدف واضحا أمام العين؛ لذلك ينصح العلماء بأن يهتم المعلمون وأولياء الأمور، بتوضيح الهدف من التدريب المطلوب حله، أو الواجب الذي ينبغي القيام به، وإلا أصبح الطالب غير متحمس وبالتالي غير قادر على التركيز.
كما يؤكد العلماء أهمية ذكر المطلوب من التدريب بأكثر من طريقة، بحيث لا يكون هناك شك في فهم التلميذ للمطلوب منه، فلا ينشغل بأمور غير مهمة، وقد يكون العمل المطلوب واضحًا للطالب، لكنه لا يشعر برغبة في حل التدريب، ويسوّغ العلماء ذلك بأن الطالب يحتاج إلى الشعور بالقدرة على الحل، وأن لديه من المعلومات ما يساعده على ذلك؛ ولذلك فإن المعلم الجيد يراعي دومًا ربط المعلومات الجديدة بما تعلمه الطلاب من قبل، وما ترسخ في أذهانهم، ويكون هذا المعلم قادرًا على تقسيم التدريب إلى مراحل، يشعر الطالب على الأقل بالقدرة على حل بعض هذه المراحل.
ومن أهم العوامل الضرورية للحصول على التركيز إدراك أن القيام بمهام عديدة في الوقت نفسه لا يساعد أبدًا على ذلك، فمن يحاول أثناء حل تمرين رياضيات معقد، أن يواصل النظر إلى الكمبيوتر والبحث في الإنترنت عن شرح لمفردات قصيدة، ويرد على الهاتف، ويتبادل الشات مع أصدقائه على الفيسبوك، فإنه لن يقدر على التركيز بالطبع.
وينبه علماء المخ والأعصاب إلى أن الطالب الذي يقوم أثناء حل تمرين رياضيات صعب بقطع حبل أفكاره في أمر آخر، يحتاج من 12 إلى 15 دقيقة حتى يعود إلى مرحلة التركيز من جديد، مما يجعله يشعر بالإحباط والملل؛ لأن التمرين يستغرق أضعاف الوقت العادي، كلما زاد الانشغال بأمور أخرى.
وقد توصلت الأبحاث الحديثة إلى أن الرياضة التي تقتضي التنسيق بين حركات العديد من أجزاء الجسم، مثل تسلق الجبال أو لعب كرة السلة أو الطائرة، تؤدي إلى تنشيط الفص الجبهي في المخ الذي سبق الإشارة إلى دوره في التركيز، كما أن مجرد المشي في الهواء الطلق يؤدي إلى تحسين سريان الدم في خلايا المخ، وهو الأمر الذي يستمر حتى بعد انتهاء ممارسة الرياضة أو المشي.
كما أثبتت الأبحاث التي أجريت على تلاميذ المرحلة الابتدائية، أن التلاميذ الذين يحصلون على حصة تربية رياضية كل يوم على حساب الوقت المخصص للمواد العلمية، يحققون نتائج أفضل ولاسيما في مادة الحساب، مقارنة بزملائهم الذين يحصلون على وقت دراسي أطول في المواد العلمية، ولا يحصلون على حصص تربية رياضية؛ ولذلك لخص العلماء نتائج أبحاثهم في شعار «الحركة تساعدك في الحساب».
كذلك أوضح علماء المخ والأعصاب أن قراءة الروايات الطويلة تساعد بصورة كبيرة على الحصول على ذاكرة قوية؛ لأن الطفل الذي يقرأ كتابًا من 500 صفحة، يكون عليه أن يحتفظ طوال الوقت في ذاكرته بالأحداث وتسلسلها وصفات الشخصيات التي مرت عليه من أول الكتاب، بحيث يكون قادرًا على فهم نهاية الرواية، وهو الأمر الذي يعد تدريبًا جيدًا للذاكرة.
وأخيرًا يحذر العلماء من أن العوامل الآتية تضعف قدرة الطالب على التركيز:
- الشعور بالمرض.
- عدم القدرة على السمع أو الرؤية بصورة جيدة.
- المعاناة من الضغط العصبي في البيت، ولاسيما بسبب شجار الوالدين المستمر.
- العمل لفترات طويلة دون استراحة بهدف قراءة كل الكتاب قبل الاختبار.
- الشعور بأن العمل يفوق طاقته أو دونها بكثير.
- انشغال البال بأشياء أشد إثارة يريد الطالب القيام بها بعد الواجبات.
- توتر في العلاقات في الصف أو مع الأصدقاء.
- الشعور بالإهمال من جانب الأهل أو بالاهتمام الزائد عن الحد.
- قلة النوم.
- الاستعجال الشديد للانتهاء من موضوعات معقدة في فترة وجيزة.
- البقاء لفترات طويلة أمام شاشة التلفزيون أو الكمبيوتر أو الجوال.
- العطش أو الجوع.
- تناول أطعمة غير صحية كثيرة السكر أو الملح أو الدهون.
المصدر: مجلة المعرفة
لاتوجد تعليقات