رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: forqan 26 سبتمبر، 2011 0 تعليق

التصرفات المالية للمرأة في الفقه الإسلامي

 

 

 

أجاز جمهور الفقهاء هبة المرأة كما أجازوا تصرفاتها المالية إذا بلغت رشيدة، إلا أن المشهور عند المالكية أنهم اشترطوا بعض القيود التي تحد من إطلاق المرأة في التصرف في مالها.

قال ابن حزم: «وهبة المرأة ذات الزوج، والبكر ذات الأب، واليتيمة، والعبد، والمخدوع في البيوع، والمريض مرض موته، أو مرض غير موته، وصدقاتهم، كهبات الأحرار، واللواتي لا أزواج لهن، ولا آباء كهبات الصحيح».

 

      وهبة المرأة - شأنها شأن الرجل - مندوبة إذا كانت بطيب نفس منها؛ لأن كل ما من شأنه أن يقرب بين قلوب الناس ويؤلف بينهم ويوطد عرى الإخوة مطلوب في الإسلام.

      وهبة المرأة لذوي قرابتها قد تأخذ حكم الصدقة التي تمكنها من الحصول على أجرين: أجر القرابة، وأجر الصدقة؛ فقد سألت زينب امرأة عبدالله بن مسعود الرسول صلى الله عليه وسلم  إن كان يجزئها أن تنفق على زوجها وأيتام في حجرها بعدما أمر النساء بالصدقة؟ فأجاب الرسول «بأن لها أجرين: أجر القرابة وأجر الصدقة».

فضلاً عن ما يؤدي إليه ذلك من تقوية صلتها بقرابتها، ونشر المودة والأخوة بين أفراد الأسرة.

      وقد وردت آيات قرآنية عدة تحض على الهبة والصدقة وهي تخاطب النساء والرجال، كما حثت الأحاديث النبوية الشريفة على التبرع، وبعضها خص النساء بالذكر.

فمن الآيات الكريمة الدالة على ذلك:

1- {ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل} (البقرة: 177).

2- {إن تبدو الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم} (البقرة: 271).

3- {فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا} (النساء: 4).

4- {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس} (النساء: 114).

5- {والمتصدقين والمتصدقات} (الأحزاب: 35).

6- {وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه} (الحديد: 7).

ومن الأحاديث الدالة على جواز هبات النساء المسلمات:

1- عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله، إن لي جارين، فإلى أيهما أهدي؟ قال: «إلى أقربهما منك بابا» أخرجه البخاري.

2- وعن أبي هريرة ] قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «يا نساء المسلمات، لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة» أخرجه البخاري.

      قال ابن حجر: «أي لا تحقرن أن تهدي إلى جارتها شيئا ولو أنها تهدي لها ما لا ينتفع به في الغالب.. وهو كناية عن التحابب والتوادد فكأنه قال: لتوادد الجارة جارتها بهدية ولو حقرت، فيتساوى في ذلك الغني والفقير» فتح الباري.

      وقال ابن عبدالبر: «في هذا الحديث: الحض على الصدقة بكل ما أمكن من قليل الأشياء وكثيرها وفي قوله الله عز وجل: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره} أوضح الدلائل في هذا الباب.

رجوع المرأة فيما وهبته لقرابتها

      ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا يجوز لأحد الرجوع في الهبة إذا وهب لذي رحم محرم عن طيب نفس غير الأب أو الأم، منهم أبوحنيفة ومالك والشافعي والحنابلة وابن حزم.

أدلتهم:

1- عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «العائد في هبته كالعائد في قيئه» أخرجه البخاري.

2- عن عمر بن الخطاب ] قال: حملت على فرس في سبيل الله فأضاعه الذي كان عنده، فأردت أن أشتريه منه وظننت أنه بائعه برخص، فسألت عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم  فقال: «لا تشتره وإن أعطاكه بدرهم واحد؛ فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه» أخرجه البخاري.

وهذا هو الراجح، وأما إذا كانت مكرهة فلها الرجوع فيها على الراجح.

كفالة المرأة

القول الأول: ذهب جمهور العلماء الذين رأوا أن للمرأة الرشيدة الحق في التبرع بمالها من غير حجر عليها من أحد، إلى جواز كفالتها بمالها كله.

قال النووي: «ضمان المرأة صحيح مزوجة كانت أو غيرها ولا حاجة إلى إذن كسائر تصرفاتها».

وقال ابن قدامة: «يصح ضمان كل جائز التصرف في ماله سواء كان رجلا أو امرأة لأنه يقصد به المال فصح من المرأة كالبيع».

القول الثاني: يحجر مطلقا على البكر، وعندما تتزوج يكون لها الحق في الكفالة بالثلث من مالها فما دونه، حتى إذا تأيمت أصبح لها الحق في الكفالة بمالها كله. وهذا مذهب الإمام مالك.

الترجيح: قول الجمهور راجح في هذه المسألة لعموم الأدلة الدالة على جواز تصرفها في مالها إذا بلغت رشيدة، والله أعلم.

      وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن المرأة إذا بلغت رشيدة فلها أهلية التصرف في مالها وليس لأحد الحجر عليها وهذا هو الراجح.

      ومذهب المالكية أن البكر غير المتزوجة ذات الأب أو الوصي ليس لها التصرف في مالها، وأن الأيم الرشيدة التي فارقت زوجها بطلاق بائن أو موت، جميع تصرفاتها صحيحة وجائزة.

      ومذهب المالكية أيضا أن البالغة الرشيدة المتزوجة تصح تصرفاتها المالية التي تكون في مقابل عوض كالبيع والشراء ولو كره الزوج ذلك وكذلك تبرعاتها المالية إذا كانت في حدود الثلث فأقل، وبعد مرور مدة معينة على الزواج.

      وأجاز الفقهاء قيام المرأة بالبيع والشراء إذا كانت رشيدة سواء كانت متزوجة أم لا، إلا أن الإمام مالك اشترط عدم محاباتها بالزائد عن الثلث إذا كانت متزوجة.

      وذهب جمهور العلماء إلى أنه يجوز للزوجة التبرع بمالها مطلقا من غير إذن من الزوج إذا بلغت رشيدة، وهذا هو الراجح.

ومنع المالكية المرأة من التبرع بالزائد عن الثلث من مالها.

والمرأة إذا أكرهها الزوج على الهبة فلها الرجوع فيها، وإذا لم يكرهها فلا رجوع لها.

      ويجوز للمرأة أن تتبرع من مال زوجها بما أذن فيه صريحا، وبما لم يأذن فيه، ولم ينه عنه إذا علمت رضاه به، بشرط ألا تكون مفسدة.

ويجب على من وهب شيئا لأولاده أن يسوي بينهم إلا أن تستدعي الضرورة.

وذهب الجمهور إلى أن التسوية بين الابن والبنت أن تعطي البنت مثلما يعطى الابن وهذا هو الراجح.

ويجوز للأم الرجوع فيما وهبته لأولادها مطلقا كما يجوز ذلك للوالد.

وأجاز جمهور الفقهاء هبة المرأة كما أجازوا تصرفاتها المالية إذا بلغت رشيدة.

وذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا يجوز لأحد الرجوع في الهبة إذا وهب لذي رحم محرم عن طيب نفس غير الأب أو الأم.

والراجح في حكم تبرع الحامل أن عطية الحامل كعطية سائر الناس إلى أن يضربها الطلق.

      وذهب جمهور العلماء الذين رأوا أن للمرأة الرشيدة الحق في التبرع بمالها من غير حجر عليها من أحد، إلى جواز كفالتها بمالها كله. وهذا هو الصحيح.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

والصلاة والسلام على خاتم النبيين وإمام المرسلين.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك