رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ محمد صفوت نور الدين رحمه الله 11 أغسطس، 2011 0 تعليق

رمضان شهر التقوى

 

يقول الله سبحانه وتعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ‏الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة: 183).

فالصيام من أكبر أسباب التقوى؛ لأن فيه امتثال أمر الله تعالى واجتناب نهيه، ‏فمما اشتمل عليه من التقوى أن الصائم يترك ما حرم الله عليه من الأكل والشرب ‏والجماع ونحوها التي تميل إليها نفسه متقربًا بذلك إلى الله راجيًا بتركها ثوابه، ‏فهذا من التقوى ومنها أن الصائم يدرب نفسه على مراقبة الله تعالى فيترك ما تهوى نفسه مع قدرته ‏عليه لعلمه باطلاع الله عليه‏.

ومنها أن الصيام يضيق مجاري الشيطان؛ فإنه يجري من ابن آدم مجرى الدم، ‏فبالصيام يضعف نفوذه وتقل منه المعاصي.‏

ومنها أن الصائم - في الغالب - تكثر طاعته، والطاعات من خصال التقوى.

      ومنها أن الغني إذا ذاق ألم الجوع أوجب له ذلك مواساة الفقير المعدم، وهذا من ‏خصال التقوى.‏ فإذاكان الأمر بالصوم خاصًّا بالمؤمنين مقارنًا ذلك بأن الله افترضه على الذين من ‏قبلهم حتى ينافسوهم في الخيرات، فإن الله سبحانه يأمر الناس جميعًا بالأمر ‏العام مكلفًا إياهم بالعبادة التي هي امتثال لأوامر الله سبحانه، واجتناب لنواهيه، وتصديق لخبر رسوله الذي بعثه، ويقول سبحانه: {يَأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا ‏رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم ْوَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} (البقرة : 21)، ولذلك خلقهم {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات : 56).

وهو ربهم الذي ‏رباهم بأنواع النعم، فخلقهم بعد عدم، وأنعم عليهم بالنعم الظاهرة والباطنة، ‏فجعل لهم الأرض فراشًا يستقرون عليها ويبنون ويزرعون، وخلق لهم كل شيء، ‏ثم علل ذلك بقوله: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.

‏وقد وردت التقوى بمادتها في القرآن الكريم في قرابة ثلاثمائة موضع من الكتاب ‏الكريم، حتى يمكن أن يقال: إن الغاية من رسالة الإسلام، بل ومن جميع ‏الأديان هي تحصيل التقوى؛ ‏حيث يقول القرآن الكريم على لسان نوح وهود ولوط وشعيب، كل نبي يخاطب ‏قومه بقوله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} (آل عمران : 50).

ولقد بينت آيات القرآن ‏الكريم أثر التقوى؛ فمنها آثار يجعلها الله للعبد في الدنيا منها: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ ‏يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} (الطلاق : 4).

وقوله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ ‏مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} (الطلاق : 2، 3).

‏ومنها قوله عز وجل: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} (البقرة : 282).

وقوله ‏سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُون} (النحل:128).

‏ومنها ما يجعله الله للعبد في الآخرة، فبها تفتح أبواب الجنة: {وَسِيقَ الَّذِينَ ‏اتَّقَوْارَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا ‏سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِين} (الزمر : 73)

‏والتقوى تزيل الخوف وتجلب الأُنس في الآخرة: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ‏عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ يَاعِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ. الَّذِينَ آمَنُوا ‏بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ} (الزخرف : ‏‏67 – 70).

‏ويقول سبحانه : {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ. فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} (القمر : 54، 55)

‏وتقوى الله عز وجل دافع للعبد أن يعمل الخير وأن يجتنب الشر ؛ لذا كان النبي ‏صلى الله عليه وسلم يفتتح خطبه بالحث على التقوى بقوله تعالى : {يَأَيُّهَا الَّذِينَ ‏آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران : 102).

{‏يَأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ ‏مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ ‏رَقِيبًا} (النساء : 1).

{يَاَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا ‏سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ ‏فَوْزًا عَظِيمًا} (الأحزاب : 70، 71).

‏فكانت تقدم هذه الآيات بين يدي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الخطب، ‏فتحث السامع على سرعة الإقدام على العمل بالصالحات واجتناب السيئات، وكذلك ‏يذكر المولى سبحانه في اجتناب الشرور أن الدافع لذلك تقوى الله سبحانه، كقوله ‏تعالى: {وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا} (البقرة : ‏‏282)، وكقوله سبحانه: {قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا} (مريم : 18) ‏وقوله سبحانه: {فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ} (البقرة : 283).

‏فإن التقوى مانع من بخس الحق أو إضاعة الأمانة أو التعدي على حرمات النساء، ‏بل إن الله سبحانه ليقول ذلك في قوله تعالى:  {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ ‏تَقْوَى الْقُلُوبِ} (الحج : 32).

‏وفي حديث الثلاثة الذين مالت صخرة فسدت عليهم فوهة الغار، تقول المرأة لابن ‏عمها الذي تمكن منها : اتق الله، ولا تفض الخاتم إلا بحقه؛ فقام عنها وتركها.‏

ولذا كانت الوصية بها من الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه لما قالوا : يا رسول ‏الله، كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة».

.‏هذا، وإن مفهوم التقوى في مفتتح سورة (البقرة )، يقول سبحانه:

{الم ذَلِكَ ‏الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا ‏رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ ‏يُوقِنُونَ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون} (البقرة : 1 – 5).

وبينها ربنا سبحانه وتعالى في قوله:

{وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ‏وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ ‏وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا ‏عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ ‏الْمُتَّقُون} (البقرة : 177).

‏فهذا شهر رمضان الذي قال عنه سبحانه وتعالى:  {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ ‏الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (البقرة : 185).

وظهر أثر الصوم عليه في إخلاصه لربه ؛ لذا يقول ربنا في آيات ‏الصيام:

{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ‏فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُون} (البقرة : 186).

ويقول سبحانه بعد آيات الصيام معقبًا عليها، كأنها نتيجة لها: {وَلَا تَأْكُلُوا ‏أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ ‏وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (البقرة: 188)، فمن ترك الطعام الحلال لله في نهار رمضان، ‏تعلم التقوى، فلم يأكل أموال الناس بالباطل بالرشوة عطاءً أو أخذًا.‏

فهذا رمضان شهر معالجة أدواء النفوس وجمع القلوب ووحدة الصف وهجران ‏المعاصي ولزوم الطاعات، فليتق الله دعاة الباطل والشر، ولتنظر نفس ما قدمت لغد، فالنبي [ يقول حاكيًا عن جبريل قوله: «َعُد من أدرك ‏رمضان ولم يُغفر له».

ذلك لواسع فضل الله سبحانه وعظيم عطائه ومغفرته في هذا ‏الشهر الكريم, ‏فاللهم نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب ‏إليها من قول وعمل.‏

والله من وراء القصد

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك