فتور العلاقة بين الفتاة وأمها .. كيف ننعشها ؟
متوقع في فترة انتقال الفتاة من الصبا إلى الشبابية أن تصاب علاقتها بأمها بكثير من الفتور، تسبقه اختلافات وخلافات قوية بين الطرفين حتى تصل إلى فجوة كبرى بينهما؛ فالأم تريد ابنتها ولكن لا تعرف كيف تصل إليها، والفتاة في هذه المرحلة سهلة ممتنعة! وهي -أي الفتاة- أيضا تريد أمها ولكن لا تدرك كيف السبيل إلى التودد لها، الفتاة مصرة على قناعتها أنها قد كبرت ولزم الأمر أن تغير والدتها طرق التعامل معها وأن لها مطالب عديدة تريد من أمها أن تلبيها لها! والأم في المقابل ترى أن ابنتها ما زالت طفلة تحت سيطرتها (آنا أمشّيها بقناعتي وما أخلّيها تلعب عليّ على كيفها!!). صراع الأحبة يتصاعد بين الأم وابنتها حتى يصل إلى منعطف خطير تبحث بعده الفتاة عن شاب! عن بوية ! عن رجل يكبرها سنا!، وتبحث عن صديقة شقية مع والدتها لتتعلم منها تجربتها في مغالبة أمها!، وهكذا تزداد الفجوة ويزداد الصمت القهري بين الطرفين، فلغة العيون تعمل وبقوة، ولغة العواطف تبدأ تتقفر وتتصحر عند الفتاة، وعندها يبدأ القلق يدب في قلب الأم وفكرها (بنتي حدها متغيرة عليّ! الحاجز النفسي كبير بيني وبينها ! ما أدري شنو أسوي!) ترفع السماعة على أختها وهي الأخرى عندها عيال مراهقون وتبث شكواها ومخاوفها على ابنتها مع سيل من الدموع ، تلومها أختها (كل هذا منك! إنت صاكّة على البنت كثير! خفّفي عنها الأوامر والنواهي! البنت صارت تملّ منك وزهقت من أسلوبك معاها!) تغلق السمّاعة الأم محتارة غير مقتنعة بكلام أختها ، وتزداد الحيرة يوما بعد يوم والفتاة تعاقب أمها بالصمت والخرس باختيارها هذه المرة وليس قهرا وجبرا!! تريد أن توصل رسالة لأمها (إذا إنت ما تفهميني عدل أعاقبك بالصمت والتجاهل!!).
عزيزي القارئ، تنهار الأم أمام غريزتها الأمومية الفياضة التي لا تقدر أن تصدّها تجاه ابنتها، ولكن الفتاة لا تحمل في قلبها تجاه أمها أي مشاعر ودية !!.
إن حب العيال لنا مكتسب وليس غريزيا!! بحسب جهودنا وتعاملنا معهم يمكن أن يحبونا أشد الحب، ويمكن أن يكرهونا أشد الكره؛ لذا ربنا أوصى بالوالدين إحسانا؛ لأن كره الولد لوالديه أو فتور العلاقة بينهما أمر ممكن أن يقع وقد يحصل بل وبكثرة كاثرة، أما حب الوالدين وولعهما وتعلقهما بالعيال فهو شعور غريزي فطري لا يقاوم فلا يحتاج الوالدان إلى إرشاد أن أحبّوا أبناءكم، وإنما أكثر علينا ديننا بإرشادنا للاهتمام بتربيتهم فنحن في جعبتنا كثير من الجهل في كيفية تربيتهم.
عزيزي القارئ، يا ترى كيف السبيل الذي به تحفظ الأم وتحمي تواصلها مع ابنتها دونما فتور في العلاقة بينهما وفي الوقت نفسه تضمن انسياق ابنتها لأحكام الشرع والدين والانضباط بنظام الأسرة؟ أنا دائما أسأل الأمهات هذا السؤال: (هل إنت تسولفين مع ابنتك مثلما تسولفين مع صويحباتك وخواتج في الزوارة؟!!) تحرك الأم رأسها أنها غير متأكدة من ذلك وأخرى تجيب أن لا، وأخرى وأخرى!!
عزيزي القارئ، إذا كنا نريد انصياع العيال لنا فلابد ولابد من إمتاعهم بأحاديث سمر فيما بيننا، وأن نحاكي مستوى عقولهم إلى حيث يحبون ويستمتعون: نلاعبهم، ونسامرهم، ونخصّهم بأحاديثنا، ونتفقد مشاعرهم ، ونمدح كل تغير جسماني طرأ على بنيتهم، ونفتخر بأبسط الأشياء عندهم، ونتواصل معهم بأبصارنا، وبكلماتنا، وبأوقاتنا، ونرفع من قاموس حياتنا معهم التحدي في التعبير عن قناعاتنا ، الهوينى الهوينى، هي ابنتك أين ستفر منك؟! لماذا التحدي في الكلام؟! لماذا العاجيّة في التعامل؟! لماذا الحدة في النظر؟! لو ضمنت لنفسك «حبابة» واحتراما لعقل ابنتك فستضمين قبولها لتوجيهاتك لها، معها حق هي كبرت الآن وما عادت طفلة، أفهميها أنها قد كبرت نعم إلا أنها تحتاج منك المعونة لنضج عقل أكثر وبكمّ أكبر، أخبريها أن مداركها لن تكتمل نضجا إلا على مشارف العشرين من عمرها، خاطبيها بلطف وكرري على مسامعها أنها صحيح قد كبرت إلا أنها تفتقر إلى خبرة في الحياة لم تحظ بها بعد، وأبلغيها أنك تنتظرين اليوم الذي تستقل هي به عنك ولست راغبة في التحكم بها أبدا.
عزيزتي الأم، صدقيني لغة الحوار المجدي مفقودة مفقودة مع عيالنا فإلى متى؟ لا أدري، لنتوقف عن الشكوى من عيالنا، ولنبدأ بجدية قصوى فالتغيير للعيال محطته الأولى تغيير أنماط شخصياتنا وأساليبنا معهم مع الثبات على الصحيح الذي لا تصح حياتهم إلا به.
لاتوجد تعليقات