شـركـاء بإســلام ديمقراطي مدني!
النصارى بمصر يودون أن تلغى المادة الثانية من الدستور التي تنص على أن دين الدولة الإسلام، وكذلك ينادي بها العلمانيون والليبراليون الذين لا يفهمون.
نشرت مؤسسة (راند) الأمريكية تقريرا استراتيجيا بعنوان: (الإسلام المدني الديمقراطي) للباحثة في قسم الأمن القومي (شيرلي بينارد) في ربيع عام 2004م،وكان الفصل الثاني فيه يتحدث عن العثور على شركاء من أجل تطوير الإسلام الديمقراطي وتنميته واستبعاد التيارات الإسلامية المعادية للدولة المدنية والمطالبة بإعادة صياغة الأفكار الإسلامية لتشجيع القيم الديمقراطية على الطريقة الغربية.
- أركان الدولة ثلاثة: جغرافي يطلق عليه لفظ إقليم، وهو متمثل في قطعة محددة من الأرض، والثاني يطلق عليه شعب وهو متمثل في مجموعة من الناس تعيش في هذا الإقليم، ومعنوي يطلق عليه السلطة العامة المستقلة ذات السيادة والمتمثلة في حكومة تملي إرادتها على هذا الإقليم وما حواه من مخلوقات وموجودات.
- فالدولة عندهم مقسمة إلى ثلاثة اتجاهات: دولة قائمة على حمل الناس على اتجاه واحد قائم على هدف مخالف للفطرة العلمية في غالبيته فيطلق عليها دولة مستبدة أو ديكتاتورية، ودولة قائمة على حمل الناس على مقتضى النظر العقلي في جلب المصالح الدنيوية ورفع المضار وهي دولة مدنية، ودولة قائمة على حمل الناس على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها وهي دولة إسلامية أو شرعية.
فكرة الدولة المدنية صادرة عن الغرب عندما طالب باستقلال الدولة عن هيمنة وتدخل الكنيسة ورفض تدخل النصرانية (كرجال وتشريعات) في السياسة.. والذي يقوم على تنظيم المجتمع وحكمة التوافق بين أبنائه بعيدا عن أي سلطة أخرى.
فكرة الدولة المدنية عند العرب تقوم على المواطنة وتعدد الأديان والمذاهب وسيادة القانون. قال تعالى: {الذين جعلوا القرآن عضين} قال ابن عباس رضي الله عنهما: هم أهل الكتاب جزؤوه أجزاء فآمنوا ببعض وكفروا ببعض.. وكأن كل طائفة أو مجموعة تطالب بدولة داخل دولة وتلغي كلمة إنكار المنكر والأمر بالمعروف وإلغاء المناهج الدينية؛ لأنها تنكر على المشرك شركه والمخطئ خطأه وهكذا.. وصنفوا الدولة إما أن تكون مدنية تتوافق مع أهوائهم أو دولة بوليسية تستعدي الآخرين المخالفين لها.
فالدولة المدنية لفظ مطاطي ينكمش في أحسن حالاته ليحاكي الغرب في كثير من مفاهيمه السياسية في الحكم مع الحفاظ على بعض الخصوصيات، ويتمدد حتى يصل إلى أصل استعماله دولة علمانية صرفة تنكر حق الله عز وجل في التشريع وتجعله حقا مختصا بالناس واختزال الخبرة السياسية في العالم كله لتكون للتبعية الغربية من خلال ما أفرزته حركة التنوير في الغرب المناهضة لسلطة الكنيسة المطلقة، فهذا منتهى احتقار الذات وإلغاء الإسلام من حياتنا ليصبح شعائر تؤدى في المسجد وينتهي عند أقرب باب: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله}.
وهذا طعن في الإسلام كأنه لا يحكم بالحق والعدل، وكأنه دين ظلم وقهر واستبداد، وكأنه لا يعرف مصالح البشر ومصدر سعادتهم: {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير}، فاعطى الإسلام كل فرد واجباته وعرفه حقوقه وبين علاقة الحاكم والمحكوم والمسلم وغيره والذكر والأنثى والصغير والكبير؛ فهو دين صالح لكل زمان ومكان: {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا}.
ما الدولة النموذجية في نظر دعاة المدنية؟ ألم يروا أن القانون الدولي فوض الأمم المتحدة لتقوم على أساس غير عادل، حيث هناك خمس دول كل دولة منها تملك تعطيل أي قانون أو مشروع حتى لو وافقت عليه دول العالم كلها! فاحتكرت القرار الدولي، فلو وضع صوت دولة من هذه الدول في كفة وبقية العالم في كفة لرجحت كفة هذه الدولة، فما أشد هذا الظلم وأخشاه على النفوس الأبية، وهاهم أولاء اليهود يعتدون على الفلسطينيين ويقتلونهم ويستولون على أراضيهم ويقولون: إن ما يقوم به اليهودي للدفاع عن نفسه من إبادة جماعية! بل الدول الدائمة العضوية كم قتلت وعذبت وتجاوزت القانون نفسه فلم يعاقبها أحد! وهاهو بابا الفاتيكان يطالب بتغيير القانون الأوروبي حتى لا تتحول دولهم إلى دولة إسلامية، وأميركا لا تسمح لمسلم أن يصل إلى سدة الحكم، بل الشعب عندما يختار حكاما إسلاميين لا يقبلون التعامل معهم مع أنها إرادة شعبية!
ولا يعترفون بحقوق الإنسان فأميركا هي التي تضع الدول على لائحة منتهكي حقوق الإنسان وتزيلها حسب مصلحتها، وهي لم توقع مع منظمات حقوقية حتى لا تدين جنودها وتريد التدخل السافر في شؤون دول المنطقة لتمكين فئات الأقلية من التحكم في الأكثرية تحت ضغط دولي والتأثير على متخذي القرارات.
الإسلام دين ودولة وحياة والله عز وجل لم يخلق الخلق ثم يتركهم، بل سلك لهم طريقا رشدا يحمل عنوانا ومعنى ومنهجا ربح من سلكه وخاب وخسر من تركه واتبع هواه: {أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون}.
أستغرب من بعض الجماعات السياسية الدينية التي تنادي بدولة مدنية، والمعروف أنها تنظيم المجتمع وحكمه بالتوافق بين أبنائه بعيدا عن أي سلطة أخرى دينية أو غيرها، هكذا يعرفها الغرب، وهي خداع ومراوغة لإبعاد الإسلام عن التشريعات والتنظيمات الإسلامية، وفصل واضح بين الدين والسياسية، وبدؤوا يذكرون شبهات خطيرة جدا منها:
- أن الغالبية تحدد على الأقلية القوانين ويمكن تغييرها أو تبديلها حسب من يصل والحاجة إلى التغيير أو التعديل، وهذا خطأ؛ فالله سبحانه وتعالى جعل الإنسان خليفة ليعمل بمقتضى شؤون الحياة من منطلق السيادة على الأرض في إطار العبودية لله عز وجل، وقبول دين الإسلام ليكون الحكم والفيصل.
- إن الإنسان يريد الحرية المطلقة، وهذا خطأ، فالحرية لها ضوابطها في كل الدول؛ لأنها عندما تزيد عن ضوابطها تتعدى بالحاق الأذى الآخرين وعلى النفس والعقل والدين والعرض: {تلك حدود الله فلا تعتدوها}.
- إن الإسلام لم يعارض الديمقراطية، والحق أن الإسلام له نظام سياسي عظيم وخصص مبدأ الشورى الذين يختار أهلَها الحاكمُ من الخبراء والمختصين والمصلحين الذين يكونون بطانة وأمناء وصادقين معه، ويتعاونون في كل شؤون الحياة، أمرهم شورى بينهم، وليس كل أفراد الشعب يختار من يشاء؛ لأن الكثرة لا تدل على الصحة أبداً: {وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله} وغيرها من الآيات التي تذم مبدأ الكثرة.
- يقولون: إن الإسلام لا يمنع الدولة المدنية وهي دولة مؤسسات.. الدولة المدنية التي تعزل الدين وتفصلة تماما من حياتها تختلف وتعارض تماما الدين، لأن الله عز وجل أمرنا بالتحاكم إليه من خلال الوحيين (القرآن والسنة).
والإسلام يصون حقوق المسلم وغيره ويكفل الضعيف والمرأة ويؤكد على ضرورة العدل بين الخلائق وعدم التضييق على العلماء كل في إبداعه وفنه.
نسأل الله أن يفقهنا وإياكم في أمور الدين ويصلح الراعي والراعية ويجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر.
لاتوجد تعليقات