رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.عادل المطيرات 3 أغسطس، 2015 0 تعليق

5 وقفات لما بعد رمضان

ها هي ذي أيام رمضان قد انقضت ، ولياليه قد تولت . انقضى رمضان و ذهب ليعود في عام قادم ، انقضى رمضان شهر الصيام و القيام ، شهر المغفرة و الرحمة. انقضى رمضان وكأنه ما كان. رحل رمضان ولم يمض على رحيله إلا القليل. ها هو ذا  شهر رمضان شهر العبادة والصبر قد انقضى .. يحمل معه دموع التائبين، وبكاء المحبين ، يبكون على فراقه الذي سيستمر عاما كاملاً ، فيا له من شهر عظيم،  سكبت فيه العبرات، ورجع فيه العصاة .. وقام ليله العباد، وظمأ في نهاره الصوام . لقد كان سلفنا الصالح يرفعون أيديهم إلى الله قبل رمضان بستة أشهر ويسألونه أن يبلغهم رمضان ، فإذا جاء رمضان اجتهدوا بالعبادة وقاموا الليل ، حتى إذا انقضى رمضان أخذوا يدعون الله ستة أشهر أن يتقبل منهم هذا العمل ، وهم بين الخوف والرجاء.

تعالوا إخواني.. أخواتي- وفقكم الله- نقف هذه الوقفات التي نسأل الله أن ينفعنا بها:

1- ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها

 لو أن امرأة غزلت غزلاً فصفت بهذا الغزل قميصاً أو ثوباً، فلما نظرت إليه وأعجبها.. جعلت تقطع الخيوط وتنقضها خيطاً دون سبب.. فماذا يقول الناس عنها؟

ذلك هو حال من يرجع إلى المعاصي والفسق بعد انتهاء رمضان، فبئس القوم الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان.. ومن مظاهر ذلك:

1 - ما نراه من تضييع بعض الناس للصلاة في الجماعة في أول يوم من أيام العيد، بخلاف حالهم في رمضان.

2- الاحتفال بالعيد بسماع الأغاني، ومشاهدة الأفلام، والتبرج والسفور، والاختلاط بين الرجال والنساء.

3- السفر إلى الخارج في إجازة العيد للمعصية، وما هكذا تُشكر النعم، وما هكذا يُختتم الشهر الكريم.

2- عليك بالاستغفار والشكر

 ينبغي علينا أن نكثر من الاستغفار ... فإنه ختام الأعمال الصالحة, «كالصلاة, والحج, والمجالس», وكذلك يُختم الصيامُ بكثرة الاستغفار. كتب عمر بن عبد العزيز إلى الأمصار: يأمرهم بختم شهر رمضان بالاستغفار والصدقة فقال:

قولوا كما قال أبوكم آدم: {ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين} (الأعراف: 23). وكما قال ابراهيم: {والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين}(الشعراء: 82). وكما قال موسى: {ربي إني ظلمت نفسي فاغفر لي} (القصص: 16).

وكما قال ذو النون: {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} (الأنبياء: 82).

فنكثر من شكر الله تعالى أن وفقنا لصيامه, وقيامه، فإن الله -عز وجل- قال في آخر آية الصيام: {وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}(البقرة 185). والشكر ليس باللسان فقط، وإنما بالقلب والأقوال والأعمال وعدم الإدبار بعد الإقبال.

3- واعبد ربك حتى يأتيك اليقين

     هكذا يجب أن يكون العبد.. مستمرًّا على طاعة الله , ثابتا على شرعه, مستقيما على دينه, لا يراوغ روغان الثعالب, لا يعبد الله في شهر دون شهر, أو في مكان دون آخر!! بل يعلم أن ربّ رمضان هو ربّ بقية الشهور والأيام؛ قال تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَك..} (هود: 112), وقال: {فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ}(فصلت: 6).

     إخواني .. أخواتي .. إنه وإن انْقَضَى شهرُ رمضانَ فإن عمل المؤمنِ لا ينقضِي قبْلَ الموت. قال الله عزَّ وجلَّ: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} (الحجر: 99)، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}(آل عمران: 102)، وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : «إذا مات العبدُ انقطعَ عملُه»، فلم يَجْعلْ لانقطاع العملِ نهايةً إلاّ الموتَ، فلئِن انقضى صيامُ شهرِ رمضانَ فإن المؤمنَ لن ينقطعَ من عبادةِ الصيام بذلك، فالصيام لا يزالُ مشروعاً - ولله الحمد - في العام كلِّه.

     ففي صحيح مسلمٍ من حديثِ أبي أيوبَ الأنصاريِّ -رضي الله عنه- أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «من صامَ رمضانَ ثم أتْبَعه ستاً من شوالٍ كان كصيام الدهرِ». وصيامُ ثلاثةِ أيام من كلِّ شهرٍ قال فيها النبيُّ صلى الله عليه وسلم : «ثلاث من كل شهر ورمضان إلى رمضان فهذا صيام الدهر كله» رواه مسلم ، وفي صحيح مسلم أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عن صومِ يومِ عرفة فقال: «يُكَفِّرُ السنةَ الماضيةَ والباقيةَ».

     وسُئِلَ عن صيامِ عاشُورَاءَ فقال: «يُكَفِّر السنةَ الماضيةَ». وسُئِلَ عن صومِ يوم الاثنين فقال: «ذَاكَ يومٌ وُلِدتُ فيه ويومٌ بُعِثْتُ فيه أوْ أُنزِلَ عَلَيَّ فيه». وفي صحيح مسلم أيضاً عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ: أيُّ الصيامِ أفضلُ بَعْد شهرِ رمضانَ؟ قال: «أفضلُ الصيامِ بعد شهرِ رمضانَ صيامُ شهر الله المحَرَّمِ».

     ولئِن انقَضَى قيامُ شهرِ رمضانَ فإنَّ القيامَ لا يزالُ مشروعَاً - ولله الحمدُ - في كلِّ ليلةٍ من ليالِي السَّنَةِ ،  ثابتاً من فعلِ رسولِ اللهصلى الله عليه وسلم وقولِه، ففي صحيح البخاري عن المغيرةِ بن شعبةَ -رضي الله عنه- قال: إن كانَ النبيُ صلى الله عليه وسلملَيَقُومُ أو لَيُصَلِّي حَتَّى تَرِمَ قَدمَاه، فيقالُ لَهُ فيقولُ: «أفَلاَ أكونُ عبداً شكوراً؟»، وعن عبدِالله بن سَلاَم -رضي الله عنه- أنَّ النبيَّ[ قال: «أيُّها الناسُ أفْشُوا السَّلامَ وأطِعموا الطعامَ وصِلُوا الأرحامَ وصَلُّوا بالليل والناسُ نيامٌ تَدْخلوا الجنةَ بسَلامِ»، رواه الترمذيُّ.

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلمقال: «أفضلُ الصلاةِ بعد الفريضة صلاة الليل».

4- استمر على ما كنت عليه

     من الأشياء التي تسر النظر، وتفرح القلب، وتشرح الصدر في رمضان منظر المسجد وهو مملوءًا بالمصلين في الخمس صلوات ، فعينك تقع على راكع أو ساجد أو مبتهل بالدعاء أو قارئ للقرآن. تجد الكل مملوء بالطاقة والحيوية والعزيمة والنشاط، ومع أول أيام العيد يحدث الفتور والكسل والخمول، فمنا من يؤخر الصلاة، ومنا من يقوم بوضع المصحف في المكتبة لرمضان القادم، ومنا من يترك الدعاء، ومن من يترك قيام الليل!!
ولكي نحافظ على عزيمتنا في الطاعة لابد من الحرص على أمور خمس:

1-  المحافظة على الصلوات الخمس جماعة ولاسيما صلاة الفجر.

فنحن في رمضان - ولله الحمد - استطعنا - بعون الله - أداء صلاة الجماعة في المسجد ، وكنا نصلي صلاة الفجر يوميا في المسجد ، فلنحافظ بعد رمضان على الصلوات في المسجد قدر استطاعنا،  ولنروض أنفسنا على التزام صلاة الجماعة.

     في صحيح مسلم يقول عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود -رضي الله عنه-: مَنْ سَرَّهُ اَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلاَءِ الصَّلَوَاتِ؛ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ فَاِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم سُنَنَ الْهُدَى وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، وَلَوْ أنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ ثُمَّ يَعْمِدُ اِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ اِلاَّ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً، وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً، وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلاَّ مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاق،ِ وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ‏.

‏ 2- قراءة القرآن: لا تكن ممن يقرؤون القرآن في رمضان فقط؛ فالقرآن أنزل لنتلوه في رمضان وغير رمضان، كنا نقرأ كل يوم جزءا أو اثنين أو أكثر،  وكنا نخصص وقتا لذلك من يومنا،  فلنحاول أن نجعل لأنفسنا وردا يوميا ثابتا لقراءة القرآن ولو وجها واحدة، فإن القرآن هداية وبشرى بالأجر العظيم: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا} (الإسراء: 9).

3-  ذكر الله : اجتهد بعد رمضان على أن تحافظ على أذكار الصباح والمساء والنوم ، وغيرها من الأذكار، استغل وقت فراعك في العمل أو ذهابك إليه بذكر الله، اجعل لسانك رطبا بذكر الله، ترتاح نفسك ويطمأن قلبك {ألا بذكر الله تطمئن القلوب}(الرعد: 28).

4-  الصحبه الصالحة: اختر من يعينك على طاعة الله؛ فالمرء على دين خليله، والأخلاء بعضهم يومئذ لبعض عدو إلا المتقين، والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ، فاختر صاحبا إذا رأى منك معصية حذرك، وإذا رأى منك خيرا أعانك ، في الصحيحين عَنْ أَبِى مُوسَى عَنِ النَّبِىِّ[ قَالَ: «إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَة».

5-  الدعاء:  احرص بعد رمضان على الدعاء ؛ فكلنا فقراء إلى الله، وهو سبحانه الغني الحميد، خصص وقتا للدعاء يوميا ولو لدقيقتين: بين الأذان والإقامة، وعند السجود، وفي الثلث الأخير من الليل، واعلم بأن الله قريب ممن دعاه {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان} (البقرة: 186)، وأنه سبحانه يغضب منك إذا لم تدعه، في سنن الترمذي قال النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم: «من لم يسأل الله يغضب عليه».

ادع ربك بصدق ، واسأله من خيري الدنيا والآخرة، ستجد ربا غفورا رحيما، كريما ، سميعا مجيبا ، سبحانه وتعالى.

5- نصيحة من القلب

 يا عبد الله، يا من عدت إلى ذنبوك ومعاصيك وغفلتك:

تمهل قليلا، تفكر قليلا! كيف تعود إلى السيئات، وربما قد طهرك الله منها؟ كيف تعود إلى المعاصي وربما محاها الله من صحيفتك؟
يا عبد الله، أيعتقك الله من النار فتعود إليها؟ أيبيض الله صحيفتك من الأوزار و أنت تسودها مرة أخرى؟
يا عبد الله ،  آه لو تدري أي مصيبة وقعت فيها، آه لو تدري أي بلاء نزل بك، لقد استبدلت بالقرب بعدا، و بالحب بغضا.

 يا عبد الله، إياك أن تكون كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا.

لا تهدم ما بنيت ، لا تسود ما بيضت، لا ترجع إلى الغفلة و المعصية فو الله إنك لا تضر إلا نفسك.

يا عبد الله، إنك لا تدري متى تموت، ولا تدري متى تغادر الدنيا.

 فاحذر أن تأتيك منيتك وأنت أسير الذنوب و المعاصي. وتذكر {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}(الرعد:11).

فغير من حالك، اترك ذنوبك، أقبل على ربك حتى يقبل الله عليك.

 يا عبد الله، جاهد نفسك، وألزمها كتاب ربك - تعالى - وسنة رسولك صلى الله عليه وسلم، ولا تعط نفسك ما تشتهي؛ فإنها لا تشتهي إلا المعصية.

يا عبد الله، أحسن الظن بربك، واعلم بأنه سيوفقك لطاعته والاستمرار عليها، والبعد عن المعصية، لكن هذا يحتاج منك إلى مجاهدة وحرص، وصبر واصطبار على الطاعة والعبادة، وأنت أهل لذلك بقوتك وعزيمتك بعد قوة الله وحوله وتوفيقه.

أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يوفقنا لطاعته، وأن يثبتنا على الدين، وأن يميتنا على الإسلام، إنه سميع مجيب.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك