رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: القاهرة - الفرقان: أحمد عبد الرحمن 21 يوليو، 2010 0 تعليق

400 منظمة تنصيرية تجوب مدن البلاد لتجريف هويتهم- مسلمو بوركيـــــنا فاســـــو بين ضغوط التنصير ومغريات المد الفارسي

 

تعد بوركينا فاسو من دول غرب أفريقيا وتحيط بها 6 دول: مالي في الشمال، والنيجر في الشرق، وبنين من الجنوب الشرقي، وساحل العاج من الجنوب الغربي، وغانا من الجنوب، وكانت تعرف لسنوات طويلة بـ«فولتا العليا»، إلى أن قام الرئيس السابق توماس سانكارا بتغيير اسمها إلى «بوركينا فاسو» بمعنى «أرض الناس الطيبين» بحسب اللغة الأم.

وقد دخل الإسلام بوركينا فاسو في مراحل متقدمة بالمقارنة بعديد من البلدان الأفريقية، وفي القرون الأولى للهجرة الشريفة عبرت قوافل التجار القادمة من جمهوريتي غينيا ومالي المجاورتين، وتعزز وضع الإسلام في البلاد وتحول المسلمون لأغلبية كبيرة إلا أن هذه الأغلبية لم تستطع أن تثبت أقدامها أو تؤدي دورًا مهمًا داخل البلاد بفعل مؤامرات الاستعمار الذي عمل على تشريد المسلمين المطالبين بحقوقهم، وبعثرتهم في البلدان المجاورة وعلى رأسها ساحل العاج.

وأسهم تهجير المسلمين للبلدان المجاورة إلى تراجع نسبتهم لسكان البلاد؛ حيث لم تكن تتجاوز هذه النسبة 50% من سكان البلاد خلال العشرينيات من القرن الماضي نتيجة مكانة الاستعمار الذي بذل كل ما في وسعه لتذويب هوية الأغلبية المسلمة في البلاد.

ولكن وبعد حصول البلاد على استقلالها في بداية الستينيات من القرن الماضي بدأ المسلمون في بوركينا فاسو يتنفسون الصعداء، وعاد مئات الآلاف لبلدانهم من دول الجوار؛ مما خلق نوعًا من التوازن إلا أنه لم يفلح في إيصال المسلمين إلى قيادة المجتمع أو تبوؤ مناصب تليق بأغلبيتهم داخل البلاد.

 

هيمنة علمانية

 

نجح الاستعمار في تكريس همينة طغمة علمانية موالية له في الحكم والعمل على نشر ثقافته في المجتمع وتهميش الأغلبية المسلمة، وتعمد افتقادها لأي مشاريع تنموية وإبقاءها أسيرة الفقر والتخلف والمرض، بل عمل على ربط مؤسسات التعليم بالمنظمات التنصيرية والكاثوليكية المنتشرة في طول البلاد وعرضها.

غير أن أوضاع المسلمين في (بوركينا فاسو) قد بدأت في التحسن في بداية السبعينيات وما شهدته من طفرة ويقظة من العديد من الدول العربية التي بدأت في إرسال منظمات إغاثية إسلامية بدأت تعمل في تنشيط الدعوة الإسلامية وإنشاء مدارس إسلامية وكتاتيب ومستشفيات تستطيع كسر الاحتكار الكاثوليكي لهذه المؤسسات على مدار سنوات طويلة.

وتصاعدت نسبة المسلمين إلى عدد السكان حيث تجاوزت 80% من عدد سكان البلاد البالغة حوالي 14 مليون، ووصل عدد كبير من المسلمين لمناصب كبيرة، وتجاوز عدد الوزراء المسلمين 12 وزيرا من مجمل عدد الوزراء البالغ 24 وزيرًا في حكومة الرئيس الحالي (بليركو ميري).

وتحسنت أوضاع المسلمين الاقتصادية بالمقارنة بالحقب السابقة؛ حيث انخفضت نسبة البطالة في صفوفهم التي كانت تتجاوز 50% لافتقادهم المؤهلات التعليمية التي تجعلهم قادرين على الحصول على الوظائف في دوائر الدولة والقطاع العام.

 

مخاوف الفاتيكان

 

وتوسعت حركة إنشاء المدارس الإسلامية وكذلك مراكز تعليم اللغة العربية التي حققت نتائج ممتازة رغم أن الدولة لا تعترف بشهادات هذه المدارس حتى الآن، بل إنها تشن عليها من آن لآخر حملات إعلامية تتهمها بالتخلف والرجعية وقيادة بوركينا إلى الوراء، بدعم من مسؤولين حكوميين مرتبطين بصلة قوية بمنظمات التنصير وبعثات الفاتيكان المتخوفة بشدة من خطورة هذا المد الإسلامي على مخططاتها المشبوهة.

وتصاعدت حدة الإقبال على المساجد ولاسيما في المدن الكبرى مثل العاصمة السياسية و(اجادجو) والعاصمة الاقتصادية (بوبوجولاسو) ومدن (دندوفو) و(جادو) و(تيفودا) و(زينباره).

وارتفعت أعداد السيدات والفتيات اللاتي يرتدين الحجاب والحافظات للقرآن الكريم رغم أن نسبتهن إلى عدد نساء البلاد مازالت قليلة بفعل الأمية والجهل بأبجديات الدين الإسلامي، وتعرضهن لمحاولات غسيل مخ لعقود طويلة لإبعادهن عن الإسلام.

ومن الجدير بالذكر في هذا المقام أنه رغم جحافل المد التنصيري وتحكم طغم علمانية في حكم البلاد ووجود عشرات من الفرق المشبوهة والضالة التي لا تألو جهدًا في الكيد للإسلام، إلا أن هناك إقبالا واضحًا على اعتناق الدين الحنيف، ففي شهر فبراير الماضي اعتنق الإسلام حسب أرقام المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ما يقرب من 2471 بوركينيا بفضل الجهود الدعوية الكبيرة التي تقوم بها المؤسسات الإسلامية في بوركينا فاسو مدعومة بنظيراتها العربية والإسلامية، وكان قد سبق ذلك إعلان شقيق رئيس الجمهورية اعتناقه الإسلام في مدينة زينباره مسقط رأس الرئيس الحالي كومبري، وهو ما يقدم دليلاً على أن الإسلام والمسلمين قد بدؤوا الانقضاض على عقود الظلم والتهميش التي عانوا منها لمدد طويلة.

 

أفكار مشبوهة

 

ورغم تحقيق مسلمي بوركينا فاسو لبعض النجاحات وظهور دلائل على تصاعد المد الإسلامي هناك، فإن هناك تحديات شرسة تواجه مسلمي بوركينا فاسو، وعلى رأسها تنامي نفوذ ما يطلق عليه الجماعات الصوفية والفرق المشبوهة المنتشرة في جميع أنحاء البلاد ولاسيما في العاصمة الاقتصادية (بوبوجولاسو)، وعلى رأسها التيجانية والأحمدية وجماعة الشيخ جعفر؛ حيث دائمًا ما تثير هذه الجماعات الشبهات حول الرسول[ من خلال وسائل الإعلام المتعددة والتابعة لها؛ حيث دأبت الأحمدية والشيخ جعفر على إنكار السنة النبوية وتفضيل التوراة والإنجيل عليها، بل يزعمون أن النصارى واليهود يدخلون الجنة؛ لأنهم آمنوا بالتوراة والإنجيل، بل إن زعيمهم قد ردد ترهات عديدة مفادها أن البابا يوحنا بولس الثاني بابا الفاتيكان سيدخل الجنة؛ لأنه آمن بالإنجيل واحترم تعليماته، مستغلين حالة الجهل وانتشار البدع في جانب كبير من المجتمع الإسلامي هناك بفعل عقود التهميش والظلم مما نتج عنها الجهل والابتعاد عن الإسلام.

 

جامعة التنصير

 

ولا تتوقف المصاعب عند هذا الحد، بل إن منظمات التنصير تعبث أيضًا في الجسد الإسلامي في بوركينا فاسو مستغلة عوامل الفقر والجهل والأمية والمرض التي تضرب المجتمع الفقير فيها، وينتشر في البلاد ما يقرب من 400 منظمة تنصيرية على رأسها مجلس الكنائس العالمي ومنظمات أوكسفام والكنيسة الإصلاحية الأمريكية وجنود يسوع والحملة العالمية للتنصير، وتمارس هذه المنظمات أنشطتها بشكل مكثف في جميع أنحاء البلاد لدرجة أن الفاتيكان قد دشن خلال العام الماضي جامعة عالمية في مدينة (بوبوجولاسو) لتخريج القادة وصناع القرار في البلاد، بل إنه اختار هذه المدينة للوجود الإسلامي الكاسح بها، ومحاولة اختراق صفوف المسلمين، بل إن الفاتيكان قد رعى مشروع بناء أكبر كنيسة في أفريقيا في البلاد بعد كنيسة (أبيدجان) في جمهورية ساحل العاج المجاورة لتعزيز وجوده.

وتستغل هذه المنظمات المؤسسات الإعلامية لترديد أكاذيب وخرافات ضد الإسلام ومزاعم بأن الدين النصراني هو الدين المعترف به من الله.

وتقوم هذه المنظمات بدور كبير في كبح جماح أي جهود دعوية لدرجة أنهم يرسلون وفودًا تنصيرية كبيرة إذا نمى إلى مسامعهم أن هناك داعية إسلاميا ينشط في هذه المنطقة فضلاً عن عدم التورع عن إنشاء كنيسة إذا أخبروا ببناء المسلمين مسجدًا رغم تراجع أعداد النصارى في البلاد لدرجة أنهم مع الوثنيين لا يشكلون إلا 20% من مجمل سكان البلاد.

مد فارسي

أما أكبر التحديات التي تواجه مسلمي بوركينا فاسو فيتمثل في المد الشعوبي الفارسي الجارف الذي يجتاح البلاد حاليًا المتمثل في النشاط الذي تقوم به السفارة الإيرانية في واجادجو ومركز الوحدة الإسلامية التابع لها؛ حيث تقوم هاتان المؤسستان بجهد كبير لاختراق المجتمع السني البوركيني عبر نشر الكتيبات للترويج لهذا المذهب وإنشاء حسينيات تتولى تقديم معونات مالية وغذائية ومنح دراسية داخل البلاد وخارجها مقابل اعتناق هذا المذهب وتبديل هويتهم السنية.

وأبرمت السفارة الإيرانية عبر مركز الوحدة الإسلامية تحالفًا مع الطريقة التيجانية بوصفه ستاراً لأنشطة نشر مذهبهم وتمويل حملات الإساءة لبعض الصحابة وأمهات المؤمنين وترويج الكتب الداعية لهذا المذهب لدرجة أن كتبهم أصبحت تنافس منشورات منظمات التنصير في كافة أنحاء المجتمع البوركيني.

وقد أشعل هذا المد الفارسي الجارف غضب التجمعات الإسلامية في بوركينا فاسو؛ حيث أبدوا استياءً رهيبًا من محاولات نشر الفكر الإيراني والإساءة للصحابة وأمهات المؤمنين لدرجة أن مظاهرات عديدة قد اندلعت أمام مقر مركز الوحدة الإسلامية تطالب بإغلاقه، ورفعت شكاوى لوزير الخارجية تطالبه بالتدخل لمنع توسع نفوذ هذا المركز المشبوه.

 

تحالف شيطاني

 

من جانبه يرى الشيخ محمود باندا رئيس معهد إعداد الدعاة في (واجادجوا) أن هناك تحديات ضخمة تواجه مسلمي بوركينا فاسو تتمثل في التحالف القذر بين منظمات التنصير ومؤسسات المد الفارسي؛ حيث تسعيان بكل ما أوتيتا من جهد وإمكانيات لتذويب هوية مسلمي بوركينا فاسو، مشددًا على أن هناك جهدًا موازيا ومضادا لهذا الجهد يتمثل في فضح هذه المخططات وعلى رأسها المد الفارسي الذي أصبح خطره يفوق حد الخطر التنصيري.

وتابع الشيخ باندا: لقد انتفضنا ضد المد الشيعي الإيراني بطرق شرسة ونجحنا في تطويق مخاطره بشكل كبير، لدرجة أن العديد من عرّابي التشيع الإيراني يفكرون بجدية في مغادرة البلاد بعد المواجهة الجادة لمخططاتهم المشبوهة.

واعتبر أن عودة منظمات الإغاثة الإسلامية للبلاد، ستخفف كثيرًا من التحديات التي تواجه المسلمين، وستفرغ المد الطائفي والتنصيري من مضمونه.

وأوضح رئيس معهد إعداد الدعاة أن السعودية رعت جهدًا متميزًا خلال الفترة الأخيرة؛ حيث ضاعفت من المنح المقدمة لطلاب بوركينيين للدراسة في الجامعات الإسلامية، كما دعم ولي العهد السعودي الأمير سلطان بن عبدالعزيز إنشاء مستشفى للغسيل الكلوي في العاصمة، وهو ما كانت له آثار إيجابية على مسلمي البلاد.

وأشار الشيخ باندا إلى أن الأوضاع الاقتصادية لمسلمي البلاد قد تحسنت في الفترة الأخيرة؛ حيث تصاعد نفوذ عديد من رجال أعمال المسلمين وفي مقدمتهم الحاج عمر كنانزي والذي يلعب دورًا عبر مشاريعه في التصدي لغول البطالة ويدعم تأهيل الكوادر المسلمة لتؤدي دورًا مهمًا في الساحة، مشددًا على أن المسلمين حاليًا في بوركينا فاسو يعيشون في مرحلة انتقالية بين عقود من التهميش ومساعي للصعود وتبوؤ مواقع سياسية واقتصادية تليق بكونهم الغالبية الكاسحة في البلاد.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك