رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: محمد أحمد العباد 3 أغسطس، 2015 0 تعليق

4 مسائل فقهية – المجموعة البهية من ألقاب المسائل الفقهية (9)

فهذه المقالة الخامسة ضمن سلسلة مقالات تدور حول بعض المسائل المنصوصة في كتب الفقهاء بألقابٍ وتسمياتٍ مخصوصة، إما تمييزاً لها عن غيرها من المسائل، أو لخروجها عن القواعد المطَّردة والأصول المقررة لدى بعض الأئمة، أو نسبةً للمفتي في تلك المسألة أو للمستفتي أو لعبارةٍ وردت ضمن الفتوى، أو لغير ذلك من الأسباب، وقد أعرضتُ عن المسائل المتعلقة بأحكام المواريث؛ حيث أفردها بعض أهل العلم، فاكتفيت بالمسائل الفقهية في الأبواب الأخرى، واجتهدتُ في إيضاحها وإيجازها بغير إطالةٍ تؤدي إلى الملالة، ورتبتها على حروف المعجم، فإلى المادة:

1- مسألة (كراء العُقَب)

     معنى الكِراء أي: الإجارة، والعُقَب جمع عُقْبَة أي: النوبة(1)، وصورة هذه المسألة هي أن يؤَجِّر الشخص دابته إما لرجل يتناوب هو وإياه، وإما لرجلين يكونان هما اللذان يتناوبان؛ بحيث يركب الأول أوقاتاً محددةً ومعلومة ويركب الآخر أوقاتاً أخرى محددة ومعلومة كذلك، أو ليركب أحدهما مسافة محددةً ومعلومة كنصف الطريق أو ربعه مثلا، ويركب الآخر مسافة أخرى محددة ومعلومة كذلك، قال أبو القاسم الرافعي في (فتح العزيز) (12/261): «وهذه المسألة تشهر بـ (كِراء العقب)». اهـ ومذهب جمهور الفقهاء هو جواز هذه الصورة من الإجارة(2)، والله أعلم.

 2- مسألة (لبن الفحل)

     من المعلوم أن المرأة التي ترضع طفلاً تكون أمّاً له من الرضاعة؛ لقوله تعالى {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم} وهذا مما لاخلاف فيه، ولكن هل زوج المرضعة -التي نزل لها منه لبن- يكون بمنزلة الأب؟ يقول الكاساني في (بدائع الصنائع) (4/3): «وهي المسألة الملقبة عند الفقهاء بـ(لبن الفحل) أنه هل يُحرِّم أو لا؟». اهـ. والذي عليه جمهور الصحابة والتابعين ومَن بعدَهم من الفقهاء، بل قال ابن رشد في (البيان والتحصيل) (4/352): «لا اختلاف فيه بين أحد من فقهاء الأمصار»، أنه يُحَرِّم، ويكون زوجُ المرضعةِ أباً من الرضاعة؛ بحيث لو كان للرجل زوجتان مثلاً وأرضعت كل واحدةٍ منهما صغيراً أجنبياً فقد صارا أخوينِ لأب من الرضاعة(3)، والله أعلم.

3-  مسألة (المخمسة)

     هي مسألة تُذكر في أحكام القضاء وأبواب الدعاوى، وصورتها: أن يدَّعي الطرف الأول مُلكِية العين التي في يد الطرف الثاني، فيدفع الطرف الثاني هذه الدعوى بأن يذكر أن العين ليست له هو ولا للطرف الأول وإنما هي لطرفٍ ثالث غائب، فتُسمَّى هذه المسألة بـ(مخمسة كتاب الدعوى) إذا ادَّعى الطرف الثاني أن هذه العين لها حالة من بين الحالات الخمس الآتية:

1 – أن يقول: هي (وديعة) للطرف الثالث وضعها عندي.

2 – أو يقول: هي (عاريَّة) استعرتها من الطرف الثالث.

3 – أو يقول: هي (رهنٌ) عندي على الطرف الثالث.

4 – أو يقول: هذه العين (مستأجرة) قد استأجرتها من الطرف الثالث.

5 – أو يقول: هذه العين (مغصوبة) وأنا من اغتصبها من الطرف الثالث.

فهذا وجه تسميتها بـ(المخمسة) وأكَّد هذه التسمية أيضاً أن الفقهاء قد اختلفوا في حكم هذه المسألة على خمسة أقوال أيضاً:

1 - الذي عليه جماهير أهل العلم أن الطرف الثاني إذا أقام بيِّنةً تُثبِتُ أن العين المدعاة هي ملكٌ للطرف الثالث المُقَرِّ له الغائب عن البلد قُبِلَت دعواه ودُفِعَت دعوى الطرف الأول.

2 – قول ابن شبرمة: أن الدعوى لا تندفع عن الطرف الثاني بمثل ذلك مطلقاً.

3 – قول القاضي محمد ابن أبي ليلى: إن الدعوى تندفع عن الطرف الثاني مطلقاً.

4 - قول أبي يوسف القاضي: إنها تندفع بعد تقديم البيِّنة بشرط أن يكون الطرف الثاني من أهل الصلاح لا الحيل والمخادعات.

5 – قول محمد بن الحسن الشيباني: إنها تندفع بعد تقديم البيِّنة بشرط أن يُعرف اسم الغائب الذي أقر له ونسبه.(4)

فسبب التسمية لا يخرج عن هذين الأمرين، والله أعلم.

4-  مسألة (مُد عجوة ودرهم)

     أما (الـمُـد) فمعروف وأصل الكلمة هو أن يمد الرجل يديه فيملأ كفيه طعاما(5)، وهو مكيال من المكاييل التي تُقَدَّر بها الأشياء، وقد اتفق اللغويون والفقهاء على أنه يساوي ربع صاع(6)، إلا أنه وقع خلاف فيما يعادله المد بالرطل وبالدرهم(7)، وأما (العَـجْـوَة) فهو نوعٌ من أجود التمر بالمدينة النبوية، ونخلتها تسمى لينة(8)، وقد دَرَجَ عددٌ من الفقهاء على إطلاق (مد عجوة ودرهم) لقباً على مسألةٍ في باب الرّبا والصّرف، وهي كما عرّفها شيخ الإسلام ابن تيمية: «بيعُ ربويٍّ بجنسِهِ، ومعهما - أو مع أحدهما - صنفٌ آخر مِن غير جنسه»(9)، وذلك كبيع درهمين أو درهم وثوب مقابل درهم ومُدٍّ من تمر عجوة، أو كبيع شيء محلّى بذهب أو فضّة (كسيف، أو مصحف) بجنس حليته.(10)

الهوامش

1- فيتعاقب الرجلان أي: يتناوبان، فيركب هذا نوبة وهذا نوبة، كما أن الليل والنهار يتعاقبان، أي: يجيىء أحدهما بعقب الآخر. انظر: النظم المستعذب لابن بطّال الركبي (2/42).

2- انظر: نهاية المطلب للجويني (8/98)، روضة الطالبين وعمدة المفتين (5/183)، المغني لابن قدامة (5/384)، المبدع لأبي إسحاق ابن مفلح (4/437)، الموسوعة الفقهية الكويتية (34/214).

3 - انظر: المحلى لابن حزم (10/2)، الإشراف لابن المنذر (5/120)، نهاية المطلب للجويني (15/342)، المغني لابن قدامة (7/113)، الإرشاد لابن أبي موسى الهاشمي (ص 315)، الموسوعة الفقهية الكويتية (22/248).

4- انظر للأقوال السابقة: بدائع الصنائع للكاساني (6/231)، البناية شرح الهداية للعيني (9/379)، تبصرة الحكام لابن فرحون (1/141- 142)، الطريقة المرضية للشيخ محمد جعيط (ص39)، أدب القضاء لابن أبي الدم الحموي (ص271- 272)، نهاية المحتاج (8/350)، المغني لابن قدامة (14/310 وما بعدها)، كشاف القناع للبهوتي (6/342).

5- انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (4/308)، المصباح المنير (ص216).

6- انظر: المقادير الشرعية والأحكام الفقهية المتعلقة بها (ص162).

7- وينبني على هذا الخلاف خلافٌ بين الفقهاء المتأخرين في مقدار المد حسب المقاييس والأوزان المعاصرة، وللتوسع والاستزادة حول المسألة. انظر المصدر السابق (ص161)، مجلة البحوث مجلة الإسلامية (عدد 39 ص 286).

8- الصحاح (6/2419).

9- مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (29/457).

10- انظر: المصباح المنير (2/688)، بداية المجتهد (2/197)، مغني المحتاج (2/28 – 29)، المبسوط (5/14)، معجم المصطلحات المالية والاقتصادية في لغة الفقهاء (ص 408).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك