رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: إعداد: قسم التحرير 2 يناير، 2023 0 تعليق

4 أصول مهمة لطالب العلم في النوازل والحوادث المدلهمة

العصيمي: العبد مأمورٌ بأنْ يرُدَّ الحوادث إلى أولي الأمر مِن الحُكّام الذين بأيديهم تدبير السلطة والحكم والعلماء الذين بأيديهم تدبير الفتيا والعِلم

 

في محاضرة له بعنوان (واجب طلاب العلم في النوازل والحوادث المدلهمة)، بين الشيخ صالح بن عبدالله العصيمي أنَّ بلاد المسلمين تتابع عليها الفتنُ، وإنَّ ذِمم الخَلق مشغولةٌ فيها بأنواع من الأحكام، وإنَّ مِن جملة هؤلاء طُلاب العِلْمِ؛ فتتعلَّق بذممهم أحكام ترجع إلى جملة من الأصول ينبغي أن يراعوها في أنفسهم، وأن يُقيموها في جميع أحوالهم؛ ليطلبوا النَّجاة لأنفسهم والفكاك من سؤال اللهِ -سُبْحَانَهُ وَتعالى- لهم فيما يقولون أو يفعلون أو يأتون أو يذرون مما يتعلق بهذه الحوادث، فمن جملة تلك الأصول التي يُشاركهم فيها غيرُهم رَدُّ الْأَمْرِ إِلَى أَهْلِهِ وَالاِسْتِغْنَاءُ بِهِمْ عَنْ غَيْرِهِمْ، قال الله -تعالى-: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} (النساء: ٨٣).

     فالعبد مأمورٌ بأنْ يرُدَّ هذه الحوادث إلى أولي الأمر فيها، وأولو الأمر فيها هم القادرون على تدبير شأنها مِن الحُكّام الذين بأيديهم تدبير السلطة والحكم، والعلماء الذين بأيديهم تدبير الفتيا والعِلم. والله -سُبْحَانَهُ وَتعالى-:قال: {فَسَتَلُوا أَهْلَ الذكر إن كُنتُم لَا تَعْلَمُونَ} (النحل: ٤٣)، وأهل الذكر وإن كان المراد بهم في هذه الآية: العلماء الذين يُسألون فيما يحتاج العبد إلى معرفته من أحكام الشرع، إلا أنَّ علة الحكم واحدةً مع غيرهم؛ فإنَّ المرء في أمر دينه أو دنياه إنَّما يتوجّه بالسؤال إلى من له معرفةٌ به وإحاطة بعلمه، فإن لم تكن له قدرة عليه فإنه لا يكون ممدوحًا في نقل ولا عقل أن يتوجه إلى مَن ليست له قدرةٌ ولا معرفة ولا قبيل ولا دبير بهذا الشأن.

من تمام ردَّ الأمر إلى أهله

     ومِن تمام ردَّ الأمر إلى أهله: الاستغناء بهم عن غيرهم فلا يُحتاجُ معهم إلى غيرهم؛ فإذا ردَّك الله -سُبْحَانَهُ وَتعالى- إلى هؤلاء فلا ينبغي أن تطلب غيرهم، ويتأكَّد هذا في حق مَن لا يطلب العلم من آحاد النَّاسِ؛ فإِنَّ غُنيتَهُم في مثل هذه الأمور هي بردهم إلى أولئك الذين بيدهم الأمر، دون دخول في شيء من فروع التفاصيل التي قد تأتي على دينهم وتُفسد دنياهم.

الأصل الأول: اِشْتِغَالُ طَالِبِ العِلْمِ بِوَظِيفَتِهِ

     ومِن جملة تلك الأصول اِشْتِغَالُ طَالِبِ العِلْمِ بِوَظِيفَتِهِ المُرَادَةِ مِنْهُ؛ فَإِنَّ مِن فلاح العبد أنْ يُفقهه الله -تعالى- في وظائف عُمُرِه؛ فإنَّ العبد في عمره عليه وظائف، فكلُّ عمر له وظيفة، وكلُّ حالٍ لها وظيفة؛ فأنت حين كنت ابن سبع سنين لك وظيفة شرعيّة، وعندما بلغت لك وظيفة شرعية، وعندما ترعرعت وارتفعت في سن الفتوة والشَّباب صارت لك وظيفة شرعية. وتلك الوظيفة الشَّرعيَّة تارةً يرجع تقديرها إلى عُمُر، وتارةً يرجع تقديرها إلى حالٍ، ووظيفة طالب العلم هو إقباله على طلب العلم؛ فإنَّ الله -سُبْحَانَهُ وَتعالى- أخبرنا في آيات كثيرة أنَّ وظائف الأمة في تحقيق مصالحها العاجلة والآجلة مقسومة بين أهلها، قال الله -سُبْحَانَهُ وَتعالى-: {وَلَتَكُن مِنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} (آل عمران: ١٤)، وقال -تعالى-: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ} (التوبة: ١٢٢)، وقال -تعالى- في الآية المُتقدّمة: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِي وَإِلَى أُولى الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} (النساء:٨٣).

تحقيق مصالح الأمة

     فوظائف تحقيق مصالح الأمة مقسومة بين أهلها، وطلاب العلم لهم وظيفة ينبغي أنْ يُقبلوا عليها وأن يشتغلوا بها، وهي طلب العلم، حتّى إذا احتيج إليهم وقد أَوْعبُوا مِن زادِهم وعلت مرابحهم وعظمت غنائمهم، كان لهم من القوة والقدرة على نفع النَّاس ما لم يكن لهم من قبل؛ فينبغي أن يشتغل طالب العلم بوظيفته - وهي طلب العلم وتحصيله، وذلك لا يُمكن بشغل نفسه مع شيء ليس من وظيفتها؛ فإنَّ هذا يُضعف سيره ويقطعها عن بلوغ مراده منه.

الأصل الثاني: الرِّفْقُ وَالتَّأني

     ومن جملة تلك الأصول الرفْقُ وَالتَّأني؛ فإنَّ الشَّرع جاء بمدح الرفق وحمده في كلِّ شيء، وفي الصحيحين من حديث ابن شهاب عن عروة عن عائشة -رضي الله عنهما-، أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ»، فينبغي أن يأخذ الأمور برفق وتأن؛ فإنَّه أدعى للتوفيق؛ فإنَّ الرَّفيق قريبٌ مِن الرَّحمن، وإنَّ المُتعجِّل قريب من الشَّيطان؛ فعند الترمذي من حديث عبد المهيمن بن عباس عن سهل بن سعد عن أبيه عن جده سهل بن سعد - رضي الله عنه -، أنَّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «الأَناةُ مِنَ اللهِ، وَالعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ»، فالمرء إذا كان مُتأنيا رفيقًا مُسترشدًا في فهمه وسيره وحاله وقاله وفعاله فإنَّه يَقرُب مِن توفيق الله -عز وجل-، وإذا كان مُتعجِّلًا طائشًا يقرب مِن الشَّيطان، فربَّما أزلَّه الشَّيطان فأوقعه في مورد من موارد الهلاك والعطب؛ فينبغي أن يتأنَّى طالب العلم في موارد الفتن ويرفق بنفسه ويرفق بالمسلمين.

الأصل الثالث: التَّثبتُ وَعَدَمُ التَّسَرعِ

     ومِن جملة تلك الأصول أيضًا التَّثبتُ وَعَدَمُ التَّسَارُعِ إِلَى نَقْلِ الشَّائِعَاتِ وَالأَرَاجِيفِ، قال الله -تعالى-: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَلَةِ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَدِمِينَ} (الحجرات:٦)، وإذا كانت هذه الآية في الفاسق؛ فكيف بحال مَن لا تُعلم حاله ولا عَينُهُ ممَّن يتسارع ويتقاطر بعض المنتسبين إلى العلم بنقل كلام عنه وهو مجهولٌ لا يُعرَف، وإنَّما غاية أمره أن يجد مُعرَّفًا في هذه الأجهزة الَّتي شُهِرَت بين النَّاس في وسائل التواصل الاجتماعي، ثمَّ يتلقَّف ما يقول دون تمييز صواب هذا القول من خطئه، وصدقه من كذبه، وصحته من بطلانه!

     والَّذي أوقعه في ذلك: عدم اعتداده بالقاعدة الشَّرعيّة بالتثبُّتِ في الأخبار وعدم نقل الشائعات، والعبد منهي أشدَّ النهي عن أنْ يصدر منه نسبة قولٍ إلى أحدٍ وهو منه بريء؛ فعند أحمد أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ؛ سَقَاهُ اللهُ مِنْ رَدْغَةَ الخَبَالِ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ» (و رَدْغَةَ الخَبَالِ: يعني طينة الخبال، وهي عُصارةُ أهل النَّار)؛ فإذا تكلَّم الإنسان فقال: إنَّ فلانًا يقول، وإنَّ فلانًا يقول، وإنَّ فلانا يقول، وهؤلاء لم يقولوا هذا ويكون في هذا القول جَوْرٌ وتعد ونسبة كذب إليهم وإغارٌ للصُّدور وإفساد للقلوب، فإنَّه مُتَوعَدٌ بهذا الوعيد الشديد، أنَّ الله -سُبْحَانَهُ وَتعالى- يجعل من عذابه أنْ يسقيه مِن عُصارة أهل النَّار؛ لأنَّ مَن نشر النتن كان من جزائه أن يتجرع النّتن، فالذي يُفشِي في المسلمين مقالة السُّوء ويقويها فيهم يعاقبه الله -عز وجل- بهذا العقاب الأليم. فينبغي أن يحذر طالب العلم خصوصا والنَّاس عموما من نقل الأراجيف والشَّائعات والأقاويل التي تُوهِن القلوب، وتُضعف الإيمان، وتجعل العبد ينظر إلى نفسه وإلى الخلق بعين الازدراء والعيب، وربَّما أضعف ذلك دينه ودين النَّاس.

الأصل الرابع: تَقْوِيَةُ النَّفْسِ بِالإِيمَانِ وَالاِعْتِزَازِ بِهِ

     ومن جملة تلك الأصول أيضًا تَقْوِيَةُ النَّفْسِ بِالإِيمَانِ وَالاِعْتِزَاز بِهِ وَتَقْوِيَة مَنْ يَلُونَهُمْ وَيَتَوَلَّوْنَهُمْ من إخوانهم وأصحابهم وأبنائهم وأهل بيوتهم وسائر المسلمين، بأن يعلموا بأنَّ الدِّينَ دين الله، والأمر أمر الله، والحكم حكم الله، وأنَّ الله تكفّل بحفظ دينه، قال -تعالى-: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَفِظُونَ} (الحجر:9)، وقال -تعالى-: {وَجَعَلَهَا} يعني كلمة التوحيد {وَجَعَلَهَا كَلِمَةٌ بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ، لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (الزخرف: ٢٨)، وفي الصحيحين من حديث معاوية - رضي الله عنه -، أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الحَقِّ مَنْصُورِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلَا مَنْ نَاوَأَهُمْ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ»؛ فالعبد يجب أن يكون مُصدِّقًا بوعد الله مؤمنًا به مقبلا عليه، وأن يثبت قلوب المؤمنين بذلك، وأن يصبرهم على ما يلقى الإنسان من عَنت أو تغير في هذه الأحوال أو وجودِ فتن متجددة عليهم؛ فإنَّها لا تكون نهاية التاريخ، بل ينبغي أن تكون حاملة للعبد من الازدياد من نشر الخير، وإقامة الحُجَّة، ونُصح النَّاس وهدايتهم، وبذل ما يستطيع في ذلك فإنَّه أعظمُ لِأَجْرِه؛ فإنَّه إذا قل القائمون بالحقِّ كان العامل منهم بالحقِّ نفسه له أجورُ جماعةٍ مِن الخَلق، ولذلك ضُعِّف أجرُ مَن يعمل الصَّالحاتِ في آخر الزمان حتّى يكون العامل منهم له أجر خمسين من الصَّحابة -رضي الله عنهم-، وإذا كان هذا في سائر الأعمال فإنَّه في الجهاد وفي حفظ الدين وصيانته أكثر وأكثر.

 

الحق منصور ودين الله محفوظ

     وفي صحيح مسلم من حديث محمد بن يحيى بن حبّان عن الأعرج عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، أنَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «المُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلِّ خَيْرٌ»؛ فمِن قوة الإيمان امتلاء القلب ثقة بوعد الله، ونصر الله، وتأييد الله، أنَّ الله -سُبْحَانَهُ وَتعالى- ينصر مَن ينصُرُه. قال -تعالى-: {وَالْعَقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (الأعراف:128)، وقال -تعالى-: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ} (الحج:٤٠)، وقال -تعالى-: {إن تَنصُرُوا الله ينصركم وَيُثبتْ أَقْدَامَكُم} (محمد:7)، فينبغي أن يعلم المرء أنَّ الحقِّ منصور وأنَّ دين الله محفوظ، ولكنَّ الخوف عليك أنتَ أنْ يُسلَب هذا العلم والدين والإيمان منك؛ فينبغي أن تجتهد في حفظه بنفسك وفي حفظه في بلادك بأن تنشر العلم وتبثه، وتنصح الناس، وتهديهم، وتُرشدهم، وتصبر على ذلك حتّى تلقى الله -سُبْحَانَهُ وَتعالى.

     فهذه جُملةً مِن الأصول الشَّرعيَّة والمقامات المرعيَّة التي دلت عليها الأدلة النقليَّة من القرآن أو السُّنَّة النَّبويّة، والتي ينبغي أن تمتلئ بها قلوب طلاب العلم، وأن يسيروا بها، ويستضيؤوا بنورها، ويهتدوا بمشكاتها، وأنْ يُعرِضوا عن كلِّ مَن كان خارجًا عن هذه الحقائق فلا يملؤوا قلوبهم وصدورهم بما ليس من كلام الله ولا من كلام الرسول - صلى الله عليه وسلم .

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك