10 قَوَاعِد فِي تَزْكِيَة النَّفْس
كلُّنا يعلم خطورة النفس وعظمَ شأنها، ويكفي إدراكًا لعظم هذا الأمر ما جاء في سورة الشمس؛ حيث أقسم الله -جل وعلا- بآياتٍ عظيمات، ومخلوقاتٍ متنوعات، أقسامًا متعددات على النفس، مفلِحها وغير مفلحها: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}(الشمس:9-10)، يكفي هذا إدراكًا لعظم هذا الأمر، وأن الواجب على كل إنسان أن تعظم عنايته بنفسه تزكيةً لها ومباعدةً لها عن التدسية، وقد ذكرنا في المقالين السابقين، ثماني قواعد من القواعد العشر في تزكية النفس، واليوم نكمل ما بدأناه.
الحذر من تزكية النفس
وتأمّل في هذا الباب قول الله -سبحانه وتعالى-: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}(البقرة:127)، نقل ابن كثير عند هذه الآية عن وهيْب بن الورد: «أنه قرأ هذه الآية وبكى قال: خليل الرحمن ويبني بيت الرحمن بأمر الرحمن وهو خائف ألا يُقبل!!»، صدّيق الأمة رضي الله عنه كما في الصحيحين قال للنبي صلى الله عليه وسلم : «عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي وفي رواية وبيتي»؛ فماذا علمه؟ قَالَ: «قُل: اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ؛ فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي إِنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ»، وليُعلم أن أبا بكر رضي الله عنه هو أفضل الناس بعد النبيين في كل الأمم، ليس فقط هو أفضل أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، بل هو أفضل الناس بعد النبيين في كل الأمم -رضي الله عنه وأرضاه .
تكميل العمل ورعايته
فالعبد في هذا الباب -باب التزكية للنفس- يجتهد مع نفسه في تكميل العمل ورعايته لنفسه، والعمل على إصلاحها، لكن لا يزكي نفسه، بل في كل مرة يرى أنه لا يزال مقصرًا، لا يزال مفرطًا، إن لم يكن كذلك أصابه -والعياذ بالله- داء العُجب، ودخل في الرياء، وأعمال من الأعمال التي هي من خوارم النية، وموجبات فساد العمل؛ فالعبد في هذا المقام يعمل على إصلاح نفسه، لكن لا يزكي نفسه، يقول الحسن البصري: «المؤمن جمَع بين إحسانٍ ومخافة، والمنافق جمع بين إساءةٍ وأمْن» .
معرفة النفس وصفاتها
النفس المطمئنة
فذكر -سبحانه وتعالى- النفس المطمئنة {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً}(الفجر:27-28)، نسأل الله لنا أجمعين من واسع فضله، قال -تعالى-: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}(الرعد:28)، النفس المطمئنة: هي التي اطمأنت وسكنت بطاعتها لله، وذلها بين يديه، وخضوعها له -سبحانه وتعالى- وامتثالها لأوامره .
النفس اللوامة
وذكر - سبحانه وتعالى- النفس اللوامة {وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ}(القيامة:2)، والنفس اللوامة: هي التي تلوم صاحبها على تقصيره في واجب أو ارتكابه لمحرم، وهذا من علامات الخير في النفس، لكن إذا تمادى في عصيانه وآثامه تعطل هذا المعنى، ولم تصبح حينئذ نفسه لوامةً، كما مر معنا في الحديث المتقدم قال: «ذلك وَاعِظُ اللهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ».
النفس الأمارة بالسوء
والصفة الثالثة من صفات النفس: النفس الأمارة بالسوء {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي}(يوسف:53)، والنفس الأمارة بالسوء: هي التي تأمر صاحبها بالشر والفساد وتستحثه على المعاصي والآثام وتورده المهالك .
هذه صفات للنفس بحسب أحوالها؛ ولهذا في اليوم الواحد، قد تكون النفس لوامة، ثم تصبح مطمئنة، والعكس كذلك، كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : «يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِى كَافِرًا أَوْ يُمْسِى مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا»، هذه أحوال للنفس في تقلباتها؛ فإذا عرف المرء صفات النفس، يتفقد نفسه، ويتأمل في أحوالها وصفاتها، هل هي أمارة بالسوء؟ فإن كانت كذلك؛ فليعلم أن في طاعته لها هلاكه وعطبه في الدنيا والآخرة، وإن كانت نفسًا اطمأنت بطاعة الله يحمد الله على هذا الفضل العظيم، ويسأل الله الثبات على ذلك، ويحذر من المنعطف والانحراف، سائلا ربه -سبحانه وتعالى- أن يثبته على الحق والهدى.
1 - توحيد الله أصل التزكية
2 - الدعاء مفتاح التزكية
3 - القرآن الكريم منبع التزكية
4 - اتخاذ الأسرة والقدوة
5 - التزكية تحلية وتحلية
6 - إغلاق موانع التزكية
7 - تذكر الموت وما بعده
8 - تخير الجلساء والرفقاء
9 الحذر من تزكية النفس
10 معرفة النفس وصفاتها
لاتوجد تعليقات