(10) أسباب لمحاربة نهج الخوارج والغلاة والتطرف (1)
من صفة الخوارج أنهم أصحاب غلو ومبالغة في العبادة حتى أنهم أكثر عبادة من الصحابة
صفة الخوارج اللازمة الجهل وعدم فهم الدين ولاسيما القرآن الكريم رغم كثرة قراءتهم له
الخوارج والغلاة وأهل التطرف بجهلهم وقلة عقلهم بيئة خصبة للاختراق من أعداء الإسلام قديماً وحديثاً
تكفير عموم المسلمين هو قمة الغلو الذي وصلت إليه جماعات الخوارج والتطرف في عصرنا الحالي
في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ أمتنا، التي تشهد أحداثاً جساما وتحديات ضخمة، فإن تصحيح المسيرة ودراسة التجارب والاستفادة منها، وتجنب أخطائها وممارسة النقد الذاتي العلني، والمراجعة لمواضع الزلل والتقصير والخطأ، هو المنهج القرآني السليم لتحقيق النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة، مِن هنا كان من الضرورة ترسيخ النقد العلني لنهج الغلاة والخوارج، الذين أضروا بالإسلام بتشويه صورته عند المسلمين وغيرهم، وأضروا بالمسلمين وغيرهم بما ارتكبوه من جرائم إرهابية كثيرة في بلاد عديدة، كما يلزم النقد العلني أيضاً لمسار التيارات الإسلامية الأخرى وممارساتها وسلوكياتها على تنوع مناهجها.
سنتناول في هذا المقال والذي يليه - بإذن الله- 10 أسباب تدفعنا لمحاربة نهج الخوارج والغلاة والتطرف الذي تمثله العديد من الجماعات المسلحة في أرجاء العالم، وعلى رأسها تنظيما داعش والقاعدة؛ لكون انتشارهما وشرهما واسعًا، ولا يقتصر على بلد بعينه، وبسبب أنهما في مركز الصدارة في تبني هذا المنهج والسلوك المنحرف.
تبرؤ النبي صلى الله عليه وسلم من منهج الخوارج
1- إن نهج الخوارج والغلو والتطرف تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم بوضوح وصراحة في أحاديث عديدة، منها قوله صلى الله عليه وسلم لمن غلا في الصلاة والصيام وترك الزواج فقال: «من رغب عن سنتي فليس مني». متفق عليه، فكيف سيكون موقفه[ فيمن يخالف سنته فيكفر الناس ويقتلهم دون وجه حق؟
وقال صلى الله عليه وسلم : «رجلان ما تنالهما شفاعتي: إمام ظلوم غشوم، وآخر غالٍ في الدين مارقٌ منه». رواه ابن أبي عاصم وصححه الألباني.
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من صفة الخوارج أنهم أصحاب غلو ومبالغة في العبادة، حتى إنهم أكثر عبادة من الصحابة، قال صلى الله عليه وسلم : «ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء، ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء، ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء». رواه الإمام أحمد وصححه الألباني.
وذلك أن هذا الغلو والمبالغة في العبادة يرتبطان بالجهل بالدين واتباع الهوى والبحث عن متاع الدنيا رغم رفعهم شعار: (إن الحكم إلا لله)، إلا أن كل مطالباتهم كانت في الحقيقة طلبا لمكاسب الدنيا منذ أن اعترض حرقوص ذو الخويصرة التميمي على قسمة النبي صلى الله عليه وسلم للغنائم طمعاً بنصيب أكبر! فضلاً عن أن الطمع بالدنيا والرئاسة كان دافعاً لكثير من الهمج الثائرين على عثمان ذي النورين الخليفة الراشد الثالث!
المروق من الدين
2- ومنهج الخوارج والغلو والتطرف يصل بصاحبه للمروق والخروج من الدين، كما حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: «يخرج منه قومٌ يقرؤون القرآن، لا يجاوز تَراقيهم، يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية». متفق عليه، وقد شبه الرسول هذا المروق من الدين بالسهم أو الطلقة حين تصيب الهدف وتخترقه بسرعة بالغة، لدرجة أن السهم أو الطلقة تخرج نظيفة لا أثر للدم عليها، وهذا حال كثير من الخوارج والغلاة قديماً وحديثاً؛ حيث يدخلون الإسلام، ولكنهم يغلون ويتطرفون بسرعة بالغة؛ بحيث لا يعلق فيهم أي قيمة من قيم الإسلام من العلم والدعوة والرحمة والرأفة والأخلاق الفاضلة، لذلك لم يكن في الخوارج صحابي أو عالم فاضل، وفي واقعنا اليوم رأينا جميعاً كيف أن كثيرا من أتباع داعش ممن قاموا بعمليات إرهابية هم من مدمني ومروجي المخدرات ورواد الحانات وملاهي الشواذ؛ فهؤلاء مرقوا من جانب إلى جانب، ولم تعلق بهم قيم الإسلام وأصوله كما بيّن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
الجهل وعدم الفهم
3- إن صفة الخوارج اللازمة الجهل وعدم فهم الدين ولاسيما القرآن الكريم رغم كثرة قراءتهم له؛ حيث وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم». وفي رواية «حلوقهم» أو «حناجرهم». متفق عليه، أي ليس لهم من القرآن إلا القراءة باللسان، أما الفهم والتدبر بالعقل والقلب فلا! وقال صلى الله عليه وسلم : «يأتي في آخر الزمان قومٌ حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام». متفق عليه، وهذا تأكيد من النبي صلى الله عليه وسلم على جهلهم، من جهة أخرى بأنهم صغار في السن لا يمتلكون علماً متكاملاً، وأيضاً تفكيرهم ساذج وأحمق (سفهاء الأحلام)، ومن قرأ سيرة الخوارج الأولين وتابع مصائب جماعات الخوارج والغلو والتطرف، سيجد هذا الحمق والسفه والجهل وقلة العلم بالقرآن واضحاً في أفكارهم وخطاباتهم.
ومن تأمل في أعمار منظري فكر الخوارج مثل ابن لادن والظواهري والمقدسي وأشباههم، سيجد أنهم تبنوا هذا الفكر وهم صغار السن من جهة، وسيجد أن أفكارهم حمقاء بمحاربة العدو القريب أولاً، ثم انتقلوا لحرب العدو البعيد، ثم اقتنعوا أن يجلبوا العدو البعيد ليخرب البلاد حتى يناصرهم الناس، وكانت النتيجة تدمير بلاد المسلمين وتخريبها فقط!
ومن يتابع بعضاً من خطب العدناني الناطق باسم الدواعش أو بعض خطبائهم، يشاهد مقدار الجهل بالقرآن الكريم قراءة وحفظاً وفهماً.
ومن مظاهر جهل الخوارج في عصرنا تناقضاتهم فيما بينهم تجاه الموقف من الأشخاص والهيئات والمواقف والأقوال نفسها، وهذا يتبين بوضوح في ردودهم على بعضهم، ومن أمثلة ذلك ردود فضل سيد إمام والظواهري على بعضهما، واعتراضات أبي بصير الطرطوسي على المقدسي، وآخرها أنه سرق كتاب: (ملة إبراهيم) من جهيمان العتيبي، وكتاب: (مختصر شهادتي على الجزائر) لأبي مصعب السوري ضد أبي قتادة الفلسطيني، وغيرها كثير.
بيئة خصبة للاختراق
4- إن الخوارج والغلاة وأهل التطرف -بجهلهم وقلة عقلهم- بيئة خصبة للاختراق من أعداء الإسلام قديماً وحديثاً، فرأينا كيف ساق ابنُ سبأ الجهلة الرعاع على الخليفة الراشد عثمان بن عفان الذي شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، الذي من أجله بايع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بيعة الرضوان تحت الشجرة على قتال قريش، وعدم الفرار حين أشيع أن قريشا قتلته، بعد أن بعثه النبي صلى الله عليه وسلم سفيراً عنه لدخول مكة لأداء العمرة، ونزلت فيها آية رضى الله -عز وجل- عن أصحاب البيعة من الصحابة -رضوان الله عليهم- {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا}(الفتح: 18).
وقد رسخ ابن سبأ مبدأ عمل الخوارج منذ تلك اللحظة إلى اليوم وهو التشغيب على الحكام والسلطات؛ لأن هذا يعجب العامة ويستثير العواطف، فإذا كان ابن سبأ قد استطاع أن يثير البسطاء ضد الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه صهر النبي صلى الله عليه وسلم وأحد المبشرين بالجنة، فإن هذا في حق غيره أسهل وأيسر.
التكفير ظلمًا وعدوانًا
5- تكفير المسلمين ظلماً وعدواناً برغم التحذير الشديد من النبي صلى الله عليه وسلم من التساهل في تكفير الناس، قال صلى الله عليه وسلم : «إذا قال الرجل لأخيه: يا كافرُ، فقد باء به أحدهما». رواه البخاري، وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم : «لا يرمي رجلٌ رجلًا بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلا ارتدَّتْ عليه، إن لم يكُنْ صاحبه كذلك». رواه البخاري.
لكن الخوارج الأولين والمعاصرين والمستقبليين يتوسعون في تكفير المسلمين، فقد كفّر الخوارج السابقين عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب -رضي الله عنهما- وهما من المبشرين بالجنة، وكفّروا عدداً كبيراً من الصحابة والمسلمين أيضاً ظلماً وعدواناً بجهلهم وحمقهم.
والخوارج اليوم أيضاً يتوسعون ويتساهلون بالتكفير حتى لا يكاد يبقى مسلم عندهم سواهم، وبتأثير الجهل والحمق والاختراق الاستخباراتي، فإن كثيرا من جماعات الخوارج المعاصرة تكفر غالب العلماء المعاصرين؛ لأنهم لم يتبعوهم ويلتحقوا بهم، وردوا عليهم باطلهم؛ ولأن العلماء هم حائط الصد لضلالهم وكشف عوارهم، فبدؤوا بتكفيرهم لتخلو لهم الساحة.
وتكفير عموم المسلمين هو قمة الغلو الذي تصل إليه جماعات الخوارج والغلو والتطرف في عصرنا الحالي، وقال تنظيم داعش في إصداره بعنوان: (رسالة إلى تركيا) مكفراً أهل تركيا ومحرضاً لهم على حكومتهم: «ولكن قبل ذلك لابد أن تتوبوا، حتى يكون قتالكم ضد هؤلاء الصليبيين والملحدين والطواغيت الخائنين جهاداً مباركاً في سبيل الله، وقتلاكم شهداء عند الله، وحتى لا يكون قتالكم قتال جاهلية ملعوناً، وقتلاكم في النار مع قتلى الملحدين والصليبيين»!
فماذا يبقى للإسلام إذا كانت كل الشعوب المسلمة مرتدة وكافرة! وعلماء الإسلام كفارا! والثوار والمجاهدون من غير الخوارج والغلاة كفارا؟! هل يحلم الشيطان وأعداء الإسلام بشيء أكثر من هذا في تحطيم أمة الإسلام؟ وللحديث بقية.
لاتوجد تعليقات