رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 11 مايو، 2015 0 تعليق

يهـــود الفـلاشــا والغضب الدفين!!

سعى الكيان الصهيوني جاهدا لاستقدامهم ولكنه أهمل استيعابهم؛ حيث عدوهم يهوداً، لكن في حقيقة الأمر هم ليسوا يهوداً عند المؤسسات الحاخامية والدينية

 الفلاشا فقدوا هويتهم الأفريقية ولم يكتسبوا هوية جديدة؛ لأن المجتمع ينظر إليهم بعين الشك بسبب لون جلدهم وتوجههم الثقافي

 حلموا بالكثير وانتظروا الكثير لتحقيق آمالهم في كيان وعدهم بحياة كريمة ورفاه لم ينالوه إلا (بالجنة)، فنقلوا من أثيوبيا إلى أرض فلسطين، ولكن لم يعاملوا كمعاملة بقية اليهود!! فقد عوملوا على أنهم أداة لتكثير عدد اليهود، ليعالج بأمثالهم التفوق الديمغرافي الفلسطيني على اليهود في دولة الاحتلال، فأضحوا مهمشين يعانون التميز العنصري، ويعيشون على حواف المجتمع.

 فهؤلاء الذين يبلغ عددهم نحو 140 ألف موزعين على 19 بلدة ويعيشون في أحياء فقيرة ومهملة ومدن صفيح على أطراف المدن القائمة، وبسبب فقرهم وتهميشهم تتزايد جرائمهم ومخالفاتهم لتصل نسبة المعتقلين الجنائيين بينهم نحو 40% ولاسيما من الشباب الذين يعانون الفقر والبطالة.

     كبار السن منهم يعانون الإهمال والخدمات الصحية والنفسية، وطلابهم في المدارس يعاملون باستعلاء وفوقية من زملائهم اليهود، وشبابهم عاطلون عن العمل وفاقدون لمصادر معيشتهم، ووصل الأمر من قبل اليهود رفض مجاورتهم وتأجيرهم شققا، هذا فضلا عن عدم تشغيلهم؛ لذا فهم لا يشعرون بالانتماء والولاء لتلك الأرض، بل بعضهم يحن للعودة إلى موطنه الأصلى - أثيوبيا - رغم الفقر وقلة الإمكانات هناك.

لقد سعى الكيان الصهيوني جاهدا لاستقدامهم ولكنه أهمل استيعابهم؛ حيث عدوهم يهوداً، لكن في حقيقة الأمر هم ليسوا يهوداً عند المؤسسات الحاخامية والدينية؛ وكذلك غالب المؤسسات السياسية.

ما حقيقة الدين عن يهود الفلاشا؟

     (الفلاشا) كلمة أمهرية تعني (المنفيين)، كما أنها تعني أيضاً (غريب الأطوار)، وأصل الكلمة يعود إلى الجذر (فلاشا) في اللغة الجعزية ويعني (يهاجر) أو (يهيم على وجهه)، ويستخدم أهل إثيوبيا الكلمة للإشارة إلى جماعة أفريقية تدين بشكل من أشكال اليهودية، وهي لا تنتمي إلى أي من الكتل اليهودية الكبرى الثلاث: الأشكناز والسفارد ويهود العالم الإسلامي.

وتعرف الموسوعة اليهودية الفلاشا: الفلاشا جماعة إثنية في إثيوبيا تزعم أنها من أصل يهودي ومرتبطة بنوع من أنواع الديانة اليهودية يستند إلى العهد القديم والكتب الخارجية - أي الكتب غير المعتمدة والكتب الدينية الأخرى التي ظهرت بعد الانتهاء من تدوين العهد القديم -.

ومن هذا التعريف يرى أنهم من أصول إثنية ليست بالضرورة يهودية، وأنهم ليسوا يهوداً وإن كانوا يزعمون أنهم من أصول يهودية، كما أن ما يعرفونه عن اليهودية يختلف عن اليهودية التي يتبعها معظم يهود العالم والسائدة في الكيان اليهودي.

ويتركز الفلاشا أساساً في شمال إثيوبيا في المنطقة الواقعة بين نهر نازي في الشمال والشرق وبحيرة تانا والنيل الأزرق في الجنوب، والحدود السودانية في الغرب، وهم يعيشون في قرى صغيرة مقصورة عليهم تضم كل قرية نحو خمسين أو ستين عائلة.

     ولا تختلف ملامح الفلاشا كثيراً عن ملامح غيرهم من الإثيوبيين، كما لا يمكن الحديث عن نمط فلاشي متميز؛ ولذا لا توجد اختلافات في لون الجلد وملامح الوجه ولا يختلف أسلوب حياتهم معظم الوجوه عن أسلوب حياة جيرانهم. كما إنهم يرتدون نمط الثياب نفسه ويأتزرون بالعباءة المسماة (الشامة)، وهم يعملون أساساً بالزراعة عمال أجراء، كما يعملون في بعض الحرف الأخرى مثل صناعة الفخار والغزل والنسيج وصنع السلاسل، كما يعملون حدادين وحائكي ملابس، ويعمل كثير منهم الآن بحرفة البناء في المدن.

     والفلاشا يجهلون العبرية تماماً، فمعرفتهم بها مقصورة على بضع كلمات لا يدركون هم أنفسهم أنها من هذه اللغة، ويضم أدب الفلاشا كتباً عدة موجودة على هيئة مخطوطات، ومن الطريف أن بعض هذه الكتب متداول بين اليهود والنصارى في آن واحد، بل إن بعض الكتب اليهودية تضم أشعاراً من العهد الجديد.

ويمارس الفلاشا عادة الزار لطرد الأرواح ويقال إن هذه الطقوس بدأت في إثيوبيا وانتشرت منها إلى بعض بلاد المشرق العربي، كما أنهم يقومون بصنع الأحجبة والتعاويذ اتقاء للعيون الشريرة وبسبب اشتغالهم حدادين يعدهم أهل القرى من السحرة.

الحاخامية وموقفها من الفلاشا

     لعل السؤال الذي يطرح نفسه: في أي شيء تختلف يهودية الفلاشا عن اليهودية الحاخامية؟ عبادة الفلاشا تستند إلى العهد القديم الذي لا يعرفونه إلا باللغة الجعزية – لغة الكنيسة الإثيوبية - ويضم العهد القديم الذي يعرفونه كل الكتب المعتمدة وبعض كتب (الأبوكريفا) غير المعتمدة مثل: كتاب (يهوديت)، و(حكمة سليمان)، و(حكمة بن صيرا)، وكتاب (المكابيين) الأول والثاني، وكتاب باروخ، ولم يصل التلمود إلى الفلاشا، وغني عن الذكر أن التلمود هو عمود اليهودية الحاخامية الفقري وعصبها، وعدم الاعتراف به ينطوي على عدم اعتراف بها.

والفلاشا ليس لديهم حاخامات وإنما قساوسة يطلق على واحدهم لفظة (قس)، كما أنهم ينتسبون، مثل الكهنة القدامى في يهودية ما قبل التهجير، إلى هارون، وينتخب الكهنة في كل منطقة كاهناً أعظم لهم لكي يصبح زعيماً دينياً للجماعة ويصبح من صلاحياته ترسيم الكهنة.

ومن الطريف أن عادة الاعتراف النصرانية موجودة عند الفلاشا؛ فهم يدلون باعترافاتهم إلى الكاهن من آونة إلى أخرى وعند نهاية اليوم، وإلى جانب الرهبان والكهنة، يوجد علماء يستخدمون صحن المعبد لتعليم الدين.

ويقيم الفلاشا شعائر يوم السبت بصرامة غير عادية، فيمتنعون عن الجماع في ذلك اليوم، ويقضي الرجال يومهم في الصلاة، لكن التحريمات الخاصة به مختلفة من بعض الوجوه عن تحريمات اليهود الأرثوذكس.

     وتتبدى مغالاة الفلاشا في قوانين الطهارة في تعاملهم مع النساء، فبعد أن تلد المرأة ولداً، فإنها تعد غير طاهرة مدة أربعين يوماً، وإن وضعت بنتاً، فإن المدة تتضاعف، وبعد نهاية المدة تحلق المرأة شعر رأسها وتغطس في الماء وتغسل ملابسها قبل أن تعود إلى منزلها وأحياناً يحرق الكوخ الذي قضت فيه فترة النفاس.

     ويؤمن الفلاشا بإله واحد ويؤمنون بالبعث واليوم الآخر والثواب والعقاب، كما يؤمنون بعقائد اليهود الأخرى كإيمانهم بأنهم من الشعب المختار وأنه سيظهر بينهم المسيح، وقد حدث عام 1862 م أثناء حكم الإمبراطور (تيودور الثاني) أن ظهر رجل دجال ادعى أنه المسيح، وأقنع الفلاشا بالعودة إلى أرض الميعاد سيراً على الأقدام، ولكن معظمهم مات في الطريق.

     ويبدو أن بعض الفلاشا ممن تقع قراهم قريبة من القرى المسلمة قد تأثروا بعقيدة المسلمين، وربما كان بعضهم مسلما بالفعل؛ إذ ذكرت الصحف اليهودية أن بعضهم قد اعتنق الإسلام في الكيان اليهودي، كما أوردت أن بعضهم أثناء زيارة حائط البراق – الذي يطلق عليه اليهود حائط المبكى - سمع صوت الأذان فاتجه إلى المسجد لإقامة الصلاة، وذكرت إحدى الصحف في الكيان اليهودي أن بعضهم أقام الصلاة على طريقة المسلمين في المطار فور وصوله إلى الكيان اليهودي وقد وصفتهم الصحيفة بأنهم (فلاشا سنيون)!!.

وقد تكون هذه الطبيعة المختلطة لهوية الفلاشا هي ما حدا بأحد المسؤولين في الوكالة اليهودية في أوائل الخمسينيات إلى أن ينصح الذين فكروا منهم في الهجرة بالتنصر وحل مشكلتهم بهذه الطريقة بدلاً من الهجرة إلى الكيان اليهودي.

ومع هذا فقد تم تهجيرهم باسم الهوية اليهودية العالمية وبذلك فقدوا هويتهم الأفريقية ولم يكتسبوا هوية جديدة؛ لأن المجتمع ينظر إليهم بعين الشك بسبب لون جلدهم وتوجههم الثقافي بل ومعتقداتهم الدينية؛ حيث شككت دار الحاخامية في يهوديتهم.

     والحاخامية في الكيان اليهودي اعترفت بالفلاشا بوصفهم يهودا تمهيداً لعملية التهجير، ومع هذا، لم يكن الاعتراف بهم كاملاً، فيهوديتهم حسب التصور الديني ناقصة؛ ولذا طلب منهم عند وصولهم أن يعاد تختينهم، وأن يأخذوا حماماً طقوسياً لتطهيرهم ولوحظ أنه لا تصدر لهم بطاقة هوية إلا بعد هذه الطقوس، بل ويتسلمها بعضهم دون تحديد الديانة حتى بعد الختان والاستحمام الطقوسي، ومن الطريف أن هؤلاء الفلاشا المشكوك في يهوديتهم ذهلوا من علمانية المجتمع الصهيوني وعدم حرصه على الشعائر اليهودية إذ لاحظوا أن يهود الكيان اليهودي لا يلتزمون بشعائر السبت.

ولم يحل المعضلة ذلك القانون الموضوع من الحاخامية والذي يرعي مسألة الهجرة، علي أن كل إنسان مولود من أم يهودية هو يهودي.

استيعاب لم يتحقق:

     فشلت عملية استيعاب الفلاشا فشلاً ذريعاً، فحوادث الانتحار الفعلية تنشرها الصحف تباعاً، مسلطة الضوء على محاولات الانتحار العديدة التي قام بها يهود الفلاشا، وعن تهديدهم بالانتحار الجماعي، وقد أنشأ بعض اليهود منظمة مهاجري إثيوبيا لا لتسهيل استيعابهم وتوطينهم بل للعمل على تهجير جزء منهم إلى كندا.

ويشكل الجيش عاملا جيدا للاستيعاب واستقطاب الفالاشا؛ حيث إن 97% من الأثويبيين الشباب يقومون بالخدمة العسكرية، ويضم الجيش 55 ضابطا من اصل أثيوبي.

     وقال (شلومو مولا) المسؤول عن الأثيوبيين في وزارة الهجرة والاستيعاب: «لا يوجد اندماج سياسي أو مهني»، رغم أن اليهود الأثيوبيين قد وعدوا بأرض الميعاد، وبحياة خالية من الفقر، يرى هؤلاء، عبر التظاهرات الكثيرة التي نظموها، أنهم خسروا بيئة اجتماعية عاشوا فيها مئات السنين واندمجوا فيها، وتمتعوا باحترام لم يتمتعوا فيه في… ارض الميعاد الصهيونية.

 ومع ذلك سيبقى يهود الفالاشا موضع جدل في الكيان اليهودي من حيث حقيقة يهوديتهم، واندماجهم مع مجتمع شتات اليهود على أرض فلسطين، وارتباطهم في الأرض التي هُجروا إليها.

 

العنصرية اليهود ية ضد الفلاشا

 العنصرية بين اليهود لا تقتصر على مجموع اليهود الذين تجمعوا من شتات الأرض وبين الفلاشا، بل إن العنصرية بين اليهود رافقتهم منذ بداية الهجرة إلى أرض فلسطين وتجلت في أبهى مظاهرها بين اليهود الشرقيين واليهود الغربيين.

فاليهود (السفارديم) وصلوا أولا إلى الكيان الغاصب، وكونهم غير متعلمين عملوا بـ(الزراعة), وبعدها قدم اليهود الغربيون (متعلمون) وقاموا بالعمل على بناء المؤسسات لإقامة الدولة اليهودية، وتبوؤا مناصب إدارية وسيادية, الأمر الذي ولًد حالة من الحقد والعنصرية بين اليهود في ذلك المجتمع الهجين.

فالمجتمع الذي عمل قادة اليهود وساستهم على تشكيله والإيحاء بأنه شعب واحد لم يتحقق، في ظل اليهود الروس الذين يميزون أنفسم عن كافة يهود المجتمع اليهودي ويتحدثون الروسية أكثر من العبرية ويمتلكون مدارس خاصة وصحف وإعلام روسي خاص بهم.

ومن مظاهر العنصرية ضد الفلاشا، رفض مدينة إيلات (عدد سكانها عشرون ألفاً) تزويد المستوطنين الفلاشا بالماء والكهرباء، كما رفض المجلس المحلي لمستوطنة (يروحام) إدخال الفلاشا إليها.

 

    وفي صفد تظاهر السكان ضد إعطاء المهاجرين من إثيوبيا بيوتاً، كما هدد أولياء أمور الطلاب في المدارس الدينية بالامتناع عن إرسال أطفالهم إليها إذا استمر أطفال الفلاشا معهم، وشكا رئيسا بلدية عكا ونهاريا من توطين الفلاشا في بلدتيهما بحجة أن هذه مدن اصطياف سياحية ووجود الفلاشا لا يساعد كثيراً على اجتذاب السياح، فهو يخلق التوتر ويزيد تفاقم ظاهرة العنصرية في المدينة.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك