رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي 29 يونيو، 2015 0 تعليق

ينهى صاحبه عن المعاصي وهو سبيل إلى شكر الله (1-2) ما الذي نرجوه من قيامنا ؟

 قيام الليل دأب الصالحين، وشرف المؤمنين، وتجارة المتقين، وعمل المفلحين؛ ففي الليل يخلو المؤمنون بربهم عز وجل، ويقومون بين يدي خالقهم سبحانه وتعالى، ويتوجهون إليه، فيستغفرونه ويتوبون إليه، ويسألونه من فضله ورحمته، ويتضرّعون له، ويَشكون إليه أحوالهم، وضعفهم وعجزهم وفقرهم، ويعكفون على مناجاته، ويرغبون إلى عظيم عطاياه، وكريم هباته، وجزيل نواله، ولا يحافظُ عليه إلا الموفقون , ولا ينافسُ فيها إلا السابقون.

ولقيام الليل فضائل كثيرة، وثمرات جليلة، تعود على صاحبها في الدنيا والآخرة، مذكورة في كتاب الله العظيم، وسُنة نبينا الكريم صلوات الله عليه وسلامه الثابتة، نسوق منها ما تيسر، لعل الله تعالى أنْ ينفعنا بها وإخواننا القراء:

فأولاً - إن قيامُ الليل من العبادات الجليلة، والقُربات العظيمة، التي يتقرّب بها العباد إلى ربهم، وقد وصفهم الله بذلك في آيات كثيرة من كتابه الكريم، كما في قوله سبحانه عنهم: {تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} (السجدة:16).

قال مجاهد والحسن: يعني قيام الليل.

وقال عبد الحق الأشبيلي: أي تنبو جُنوبهم عن الفرش، فلا تستقر عليها، ولا تثبت فيها، لخوف الوعيد، ورجاء الموعود. انتهى.

وذكر الله عز وجل عباده المتهجّدين بالليل، فقال: {كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (الذاريات: 17-18).

قال الحسن: كابدوا الليل، ومدّوا الصلاة إلى السَّحَر، ثم جلسوا في الدعاء والاستكانة والاستغفار.

وقال تعالى في بيان درجتهم: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴿} (الزمر:9).

أي: هل يستوي مَنْ هذه صفته من القيام في الليل، والرجاء لرحمة الله والحذر من عذابه، مع من نام ليله وضيّع نفسه؟ غير عالمٍ بوعد ربّه ولا بوعيده؟! ولا مهتم له ولا به؟!

والآيات في فضله كثيرة.

ثانيا - أنه سببٌ لنيلِ الجنة ودخولها، وحسبك بها من فائدة، قال تعالى: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَٰلِكُمْ ۚ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} ثم بيّن أوصاف هؤلاء المتقين الذين دخلوا هذه الجنات، فقال : {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴿١٦﴾الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ ﴿١٧﴾} (آل عمران: 15-17). فذكر أنهم يستغفرون الله تعالى في وقت السَّحر، وهو وقت إجابة للدعاء، قال الحسن: مدُّوا الصلاة إلى السحر، ثم جلسوا يستغفرون الله ربهم.

وقال تعالى أيضا: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (السجدة:16-17).

وجاء ذلك في الحديث القدسي في قوله: «أعددتُ لعبادي الصالحين، ما لا عينٌ رأت، ولا أُذنٌ سمعت، ولا خَطَر على قلب بشر» رواه مسلم.

وقال صلى الله عليه وسلم : «أيها الناس، أفشُوا السلام، وأطْعموا الطعام، وصلُوا بالليل والناسُ نيام، تدخلوا الجنة بسلام». رواه الترمذي.

ثالثاً - أن قيامُ الليل ينهى صاحبَه عن ارتكاب الذُّنوب والمعاصي، وفعل المنكرات، ودليلُ ذلك قوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} (العنكبوت: 45).

وقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنَّ فلانًا يُصلِّي بالليل، فإذا أصبحَ سرق؟! قال: «سَيَنْهاه ما تقول». رواه أحمدُ وابن حبان وصحَّحه الألباني.

والصلاةُ مطلقًا تنهى عن الفحشاء؛ لكن قيامَ اللَّيْل له ميزةٌ خاصة في نهي صاحبه عن المعاصي، كما في الحديث أيضا: قال صلى الله عليه وسلم : «عليكم بقيام الليل، فإنه دأبُ الصالحين قبلكم، وقُربةٌ إلى الله تعالى، ومنهاةٌ عن الإثم...» أخرجه أحمد والتِّرمذيُّ والبيهقيُّ، وقال العراقي: إسنادُه حسنٌ، وحسَّنه الألبانيُّ أيضاً.

رابعاً - أنه من أسباب تكفير السيئات، ومغفرة الذنوب والخطيئات، كما في الحديث السابق، قال صلى الله عليه وسلم : «وتكفيرٌ للسيئات..».

والصلاة عموماً من أسباب تكفير السيئات كما هو معلوم، كما قال سبحانه وتعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} (هود: 114).

فالصلوات المفروضات، وما ألحق بها من التطوعات والنوافل، من أكبر الحسنات التي تذهبُ بالسيئات وتمحوها، وهي الصغائر، كما دلت عليه الأدلة، أما الكبائر فلا تكفر إلا مع التوبة والندم والاستغفار.

     وفي الحديث: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنتُ عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاءه رجلٌ فقال: يا رسول الله، إني أصبت حداً فأقمه علي، قال: ولم يسأله عنه. قال: وحضرت الصلاة فصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة، قام إليه الرجل، فقال: يا رسول الله، إني أصبت حدَّاً فأقم فيّ كتاب الله. قال: «أليس قد صليتَ معنا؟» قال: نعم، قال: «فإنّ اللهَ غَفر لك ذنبك، أو قال: حدّك» رواه البخاري (6823).

خامسا - أنه سبيلٌ إلى القيام بشكر نعم الله الكثيرة على العبد، والشاكرون قد وعدهم الله تعالى بالزيادة، كما قال تعالى: {وإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} (إبراهيم:7).

وقالت عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم من الليل، حتى تتفطر قدماه، فقلت له: لِمَ تصنع هذا يا رسول الله، وقد غُفر لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخر؟ قال: «أفلا أكون عبداً شكوراً؟!».متفق عليه.

وعن ابنِ عمرَ قَال: قَال النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم : «نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ، لَوْ كَانَ يُصَلِّى مِنَ اللَّيْلِ». قال سالمٌ: فَكان عبدُ اللَّهِ بعدَ ذلك، لا يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلاَّ قَلِيلاً. رواه البخاري (1121، 3738) ومسلم (2479).

سادساً - أنَّه يَطرد الداءَ والأمراض عن الجسد، ويدفع الأسقام، وأولُ داءٍ يطرده: داءُ العجز والكسل؛ والهم والحزن، وغيرها من أمراض القلوب والأبدان، قال صلى الله عليه وسلم : «عليكم بقيام الليل.. إلى قوله: ومطردةٌ للداء عن الجسد» الحديث، وقد صحح هذه الزيادة بعض أهل العلم.

سابعاً - في قيام اللَّيل يَحْصُلُ للعبدُ كلِّ خيرٍ لدنياه وأُخراه؛ فإنَّ في الليل ساعةً، لا يوافقها عبدٌ يسأل الله تعالى خيراً من أمر دنياه وآخرته، إلَّا أعطاه إيَّاه؛ كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح: فعن جابر رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ من اللَّيلِ ساعةً، لا يُوافقها عبدٌ مسلم، يَسأل الله خيرًا إلا أعطاه إياه، وذلك كلَّ ليلة» أخرجه مسلم.

     وإذا كان قيامه في الثلث الأخير من الليل، كان ذلك أيضا في وقت استجابة الدعاء، والتعرض للنفحات الإلهية، ويكون سببا لإجابة دعائه، وإعطائه سؤله، وقت نزول الرب عز وجل إلى سماء الدنيا، كما في الحديث الصحيح، الذي رواه الشيخان وغيرهما: من حديث أبي هريرة صلى الله عليه وسلم أن النبي صَلَّى اللَّهُ علَيه وسلَّم قال: «ينزلُ ربنا تبارك وتعالى كل ليلةٍ إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقولُ: مَنْ يدعُوني فأستجيب له، مَنْ يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له». هذا لفظ البخاري في باب الدعاء والصلاة من آخر الليل.

وفيه: الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل، وحصول الإجابة فيه.

فأصحابُ القيام مجابو الدعوة؛ إذا استنصروا الله نصرهم، وإذا استعاذوه أعاذهم؛ وإذا سألوه أعطاهم، وإذا استغفروه غفر لهم.

     فلو سألتَ الله تعالى في ساعة الاستجابة، التوفيقَ في أمورك كلِّها، وقمتَ بين يدي ربِّك مستغفراً تائبا، سائلا إياه أن يوفِّقَك لما يحبه ويرضاه، لما ندمتَ أبدًا؛ فإنَّ الله تعالى مالكَ الدُّنيا والآخرة، المُعطي الباسط، وهو وليُّك وكافيك وحسبُك؛ فكيف تحزنُ أو كيف تقلق وإيَّاه قد دعوتَ؟ وعليه توكلتَ وأنبت؟! فهو مُجري السَّحاب، وهازم الأحزاب، ومذلِّل الصِّعاب، ومدبِّر الكون، ومقسِّم الأرزاق، سبحانه من إلهٍ عظيم قادر قوي كريم وهاب.

وأيضا: قال صَلَّى اللَّهُ علَيه وسلَّم: «أقربُ ما يكون الربُ من العبد، في جَوف الليل الآخر، فإنْ استطعت أنْ تكون ممن يذكر اللهَ في تلك الساعة، فكن» رواه الترمذي وابن خزيمة وصححه، من حديث عمرو بن عنبسة رضي الله عنه .

ثامنا - صاحب قيام الليل يصبح طيبَ النفس نشيطًا، يُعان على عمله سائر يومه؛ قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : «يَعقدُ الشيطانُ على قَافية رأسِ أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضربُ مكان كل عُقدةٍ: عليك ليلٌ طويل فارقد، فإنْ استيقظ فذكر الله انحلتْ عُقدة، فإن توضأ انحلتْ عقدة، فإن صلَّى انحلت عقدة، فأصبحَ نشيطًا طيبَ النَّفْس، وإلَّا أصبح خبيثَ النفس كسلان» متفق عليه.

     وصدق الصادقُ المصدوقُ، فترى أصحابَ القيام لا يبدو عليهم الكسلُ ولا الخمول؛ بل هم ذو نشاطٍ وهمةٍ وعمل؛ بينما ترى أصحابَ النوم إلى الصباح، لا يكادون يمدُّون أيديهم أو يثنون أرجلهم أو يقومون من مكانهم، لفتورهم وكسلهم، وما ذاك النشاط لصاحب قيام الليل والصلاة، إلا عونٌ من الله تعالى للعبد، لصلاته ومناجاته وتقرُّبه إليه، حتى أصبح بصره وسمعه ويده ورجله.

تاسعا - ومن فضل القيام في الليل للصلاة والذِّكر، ما روى عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ تعارَّ من الليل فقال: لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، له الملكُ وله الحمدُ، وهو على كل شيء قدير، الحمدُ لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله ُ أكبرُ، ولا حولَ ولا قوة إلا بالله , ثم قال: اللهم اغفر لي , أو دعا، اسْتجيبَ له، فإنّ توضَّأ وصلى، قُبلت صلاته» رواه البخاريُّ.

فأصحابُ القيام؛ فازوا بهذا الفضل الوارد بهذا الحديث، إذا قالوا هذا الذكر الوارد.

عاشرا - أنه يُحصّل لصاحبه الثواب المضاعف من الحسنات، فقليل القيام من الليل يُزيلُ عنه اسم الغفلة، ووسطه يكسوه اسمَ القنوت والطاعة، وكثيره يجلبُ له قناطير الأجر، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ قامَ بعشرِ آياتٍ لم يُكتب من الغافلين، ومنْ قام بمائة آيةٍ كُتب من القانتين، ومنْ قام بألف آية كتب من المُقَنْطرين». رواه أبو داود (1398).

الحادي عشر - القيامُ بالليل بالقرآن، معينٌ على تثبيت القرآن في الصّدر؛ وعدم نسيانه، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : «وإذا قام صاحبُ القرآن، فقرأه باللَّيل والنهار ذكَره، وإذا لم يَقُم به نَسيه» رواه مسلم.

ويقول الله تعالى: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا * إِنَّ نَاشِئَةَ الليْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} (المزمل: 5-6).

عن مجاهد: (أشد وطئًا) قال: مواطأة للقول، وأفرغ للقلب.

قال الحسنُ: أثبتُ في القراءة، وأقوى على القراءة. مختصر قيام الليل للمروزي.

الثاني عشر - أنه سبب في زيادة الرزق للعبد ودوامه بأنواعه، قال تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} طه: 132.

قال الإمام الطبري: (وأمُرْ) يا محمد (أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) يقول: واصطبر على القيام بها، وأدائها بحدودها أنت (لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا) يقول: لا نسألك مالاً، بل نكلفك عملاً ببدنك، نؤتيك عليه أجراً عظيما وثوابا جزيلا، يقول (نَحْنُ نَرْزُقُكَ) نحن نُعطيك المال ونُكسبكه، ولا نَسألكه. انتهى

وهذا الخطاب وإنْ كان للنبي صلى الله عليه وسلم ، إلا أنه يدخل في عمومه جميع أمته.

وقال ابن كثير: {نحن نرزقُك} يعني إذا أقمت الصلاة، أتاك الرزق من حيث لا تحتسب، كما قال تعالى: {ومَنْ يتَّق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيثُ لا يحتسب} (الطلاق: 2-3).

وقال تعالى: {وما خلقتُ الجنَّ والإنسَ إلا ليعبدون} إلى قوله {إنّ اللهَ هو الرزاقُ ذو القُوة المَتين} الذاريات: 56- 58. ولهذا قال: {لا نسألك رزقاً نحنُ نرزقك} انتهى.

وقد روى الترمذي وابن ماجة: من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يقول الله تعالى: يا ابن آدم، تفرّغ لعبادتي أملأ صَدرك غِنى، وأسدّ فقرك، وإنْ لم تفعل ملأتُ صدرك شُغلاً، ولم أسدّ فقرك».

وروى ابن ماجة: عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ جَعلَ الهمومَ همّاً واحداً همّ المَعاد، كفاه اللهُ همّ دنياه، ومنْ تشعبت به الهموم في أحوال الدنيا، لم يُبال الله في أي أوديته هلك».

وروى أيضا: عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم  يقول: «مَنْ كانت الدنيا همّه، فرّق اللهُ عليه أمره، وجعلَ فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له، ومَن كانت الآخرةُ نيته، جمعَ له أمره، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدُّنيا وهي رَاغمة».

الثالث عشر - أنه يَكسو وجه صاحبه نُوراً، فإنّ الجزاءَ من جنس العمل، فإنهم لما قاموا في ظُلمة الليل يصلون ويتعبدون، جازاهم الله بأنْ نوّر وجوههم، قد قال سعيد بن المسيب رحمه الله: إنّ الرجل ليُصلي بالليل، فيجعل الله في وجهه نوراً يحبه عليه كل مسلم، فيراه من لم يره قط فيقول: إني لأحبُ هذا الرجل.

وقيل للحسن البصري رحمه الله: ما بالُ المتهجدين بالليل، من أحسنِ الناس وجوهاً؟ فقال: لأنهم خَلوا بالرحمن فألبسهم من نوره.

فالفوائد والثمرات المترتبة على قيام الليل كثيرة، مباركة عظيمة، قد ذكرنا منها ما تيسر، نسأل الله تعالى أنْ يجعلنا من الصائمين القائمين، القانتين الصالحين، إنه سميع قريبٌ مجيب الدعاء.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك