يا ابنتي كوني من الصادقات
الفتاة الصغيرة اليوم هي صانعة الرجال ومربية الأجيال غداً إن شاء الله؛ لذلك يتأكد الاهتمام بتربية البنات، فعن أنسرضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين وضم أصابعه»، وقد بيّن لنا النبي -صلى الله عليه وسلم - معنى (الإعالة) وأنها تعني الرعاية والتربية على قيم الإسلام وفضائله، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «مَن كان له ثلاثُ بناتٍ أو ثلاثُ أخَوات، أو ابنتان أو أُختان، فأحسَن صُحبتَهنَّ، واتَّقى اللهَ فيهنَّ؛ فلهُ الجنَّةَ» - رواه الترمذي-.
ويأتي الصدق في مقدمة الأخلاق الإسلامية التي يغرسها الوالدان في نفس الفتاة، وهما يدركان أنهما بذلك يؤسسان جيلاً كاملاً من الصادقين وليس ابنتهما فحسب.
لماذا التأكيد على خلق الصدق؟
الصدق قرين فطرة الإيمان المركوزة في النفس الإنسانية السوية، يُجبَلُ عليها المؤمن، بخلاف الكذب فليس من خصال المؤمنين. عن الحسن بن علي -رضي الله عنهما- قال : « حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم :» دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ، فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ ، وَإِنَّ الْكَذِبَ رِيبَةٌ» (أخرجه الترمذي:2442، وصححه الألباني)، والصدق من ألزم صفات المؤمن التي يُعرف بها، ويتميز بها عن المنافق الذي من أظهر علاماته الخُلُقية الكذب؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ» - رواه البخاري:33، ومسلم:59-، ويقول ابن القيم: «الإيمان أساسُه الصدق، والنفاق أساسه الكذب، فلا يجتمع كذبٌ وإيمان، إلا وأحدهما محارب للآخر» (مدارج السالكين)، ج2، 221.
كما أن الصدق يحرّك النفس باتجاه المكرمات، ويهدي صاحبه إلى باقي أبواب البرّ والفضائل، عَن ابْنِ مَسْعُودٍ رضي اللَّه عنه عن النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّ الصَّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِر،ِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الجَنَّة،ِ وَإِنَّ الرَّجُلَ ليصْدُقُ حَتَّى يُكتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقاً، وإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفجُورِ، وَإِنَّ الفجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّاباً» - متفقٌ عليه -، وفيما يلي - أعزائي المربين - أهم المحاور التي تتربى الفتاة من خلالها على خلق الصدق:
أن يكون الوالدان قدوة
أن يكون الوالدان قدوة عظيمة للفتاة في التزام الصدق في الأقوال والفعال كلها؛ فعين الفتاة معقودة على والديها، ولاسيما الأم؛ لشدة قربها من ابنتها ولشدة اقتداء الفتاة بأمها في كل ما تقول وتفعل وتعتقد؛ ولذلك كان توجيه النبي -صلى الله عليه وسلم - مباشراً للأم بالأمر بتحري الصدق حتى في مواقف الحياة اليومية بينها وبين أبنائها، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِـــرٍ أَنَّهُ قَالَ: دَعَتْنِي أُمِّي يَوْمًا وَرَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم -؛ قَاعِدٌ فِي بَيْتِنَا، فَقَالَتْ: هَا تَعَالَ أُعْطِيكَ، فَقَالَ لَهَا رَسُــــولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم -: «وَمَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيهِ؟ قَالَتْ: أُعْطِيهِ تَمْرًا، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم -: أَمَا إِنَّكِ لَوْ لَمْ تُعْطِهِ شَيْئًا كُتِبَتْ عَلَيْكِ كِذْبَةٌ» - رواه أحمد -. (د.حنان عطية الطوري:الدور التربوي للوالدان في تنشئة الفتاة في مرحلة المراهقة، ص:329) و إذا كانت قدوة الفتاة المتمثلة في الوالدين صارمة في الصدق، لا تحيد عنه في جدّ ولا هزل؛ فإن الفتاة تنشأ كذلك مستعظمة أمر الكذب جداً وتأباه نفسها الكريمة كما نشأت وتربت.
بيان ذميمة الكذب
فلا يخفى على المربي أن اجتماعات النساء إن لم تكن على طاعة الله فغالباً تكثر فيها مخالفات الأقوال وآفات اللسان، ومنها الكذب، وقد يصدر ذلك منهن بدافع المزاح أو المباهاة أو المبالغة أو للتخلص من المواقف المحرجة، أو لغير ذلك من الأسباب وكلها مرفوضة، وقد نبّه النبي -صلى الله عليه وسلم - النساء على ما هو أدنى من ذلك من الكذب، عنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ -رَضِيَ اللهُ عَنْها- قَالَتْ: أُتِيَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِطَعَامٍ فَعَرَضَ عَلَيْنَا، فَقُلْنَا: لَا نَشْتَهِيهِ. فَقَالَ: «لَا تَجْمَعْنَ جُوعًا وَكَذِبًا» (رواه ابن ماجه: 3298 وحسّنه الألباني).
الكذب في المزاح
ويتأكد تحذيرها من الكذب في المزاح على وجه الخصوص: وذلك نظراً لانتشاره وتهاون الناس به، وقد تقلد الفتاة الصغيرة زميلاتها في إلقاء النكات والطرف التي تتضمن الكذب على وجه المزاح والضحك، وقد ورد التحذير من هذا اللون من الكذب كي لا يستهين به المؤمن أو المؤمنة ويقع فيه، عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن الني -صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «ويل لمن يحدث فيكذب ليضحك القوم ويل له ويل له» -رواه أبودواود: 4969، والترمذي: 2315 -، وعن عبد الله ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: «إن الكذب لا يحل منه جد ولا هزل، اقرؤوا إن شئتم: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا من الصادقين} (التوبة: 119).
ولكن يلزم المربي هنا أن يبين لابنته الحالات التي أُبيح فيها الكذب، عن أم كلثوم بنت عقبة -رضي الله عنها- قالت: «... ولم أسمع - أي: النبي -صلى الله عليه وسلم - يرخِّصُ في شيء مما يقول الناس كذب إلا في ثلاث: الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها». - رواه مسلم -.
بيان ثمار الصدق
وأول ذلك تربية الفتاة على الشفافية والوضوح في كل تصرفاتها، مع إشعار والديْها بالثقة في أقوالها؛ فالصادق واثق من نفسه، ثابت الأركان، بينما من يكذب يضطرب، ويعرف الكذب في نبرات صوته وفلتات لسانه، عن عثمان رضي الله عنه : «ما أسرَّ أحد سريرة إلا أظهرها الله -عز وجل- على صفحات وجهه وفلتات لسانه»، وأن تتجنب كثرة الحلف تجنباً للوقوع في الكذب أيضاً؛ ولأنها لو تعودت الصدق لا تحتاج إلى الكذب.
إن التزام الفتاة بالصدق ظاهراً وباطناً يمنحها السُمعة الطيبة، والسيرة العطرة التي تسير بها بين الناس، ولقد كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يُلقّب قبلَ الإسلام بالصادق الأمين؛ فكانت هذهِ السُمعةُ الطيّبة سبباً لإيمان العديد من الناس به بعد بعثته -صلى الله عليه وسلم -؛ لإيمانهِم بصدقه وأمانته، وما منزلة الإحسان العظيمة سوى صدق الفتاة المؤمنة في استشعار المراقبة لله -تعالى- في كل أحوالها والعمل بمقتضى ذلك، فيثمر في نفسها الاستقامة في القول والعمل ونبذ الانحراف والمراوغة.
كذلك فإن الفتاة الصادقة في مظهرها ومخبرها وسلوكها القويم تكتسب وبجدارة ثقة من حولها في محيطها الأسري، وفي محيط زميلاتها ومعلماتها أيضاً؛ فتكون أهلاً للمهمات النبيلة والمسؤوليات الكبيرة التي لا يُعهد بها إلا لأهل الصدق والاستقامة، فتصير بذلك مثلاً أعلى لزميلاتها، ونبراساً لقريناتها.
بالصِّدْقِ ينْجو الفتى من كلِّ مُعْضلةٍ
والكِذْبُ يُزْري بأقْوامٍ وإن سادُوا.
لاتوجد تعليقات