وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ- اليمن ما زال في النفق المظلم.. والشعب هو الضحية
الحمد لله الذي لا يحب الفساد، ولا يرتضي الكبرَ والعناد، ولا يخفى عليه ما في النفوسِ من قصدٍ ومراد، يمكرُ بالماكرين، ولا يهدي كيدَ الخائنين، ولا يُصلحُ عملَ المفسدين، والصلاة والسلام على من قرَّرَ أن الدين النصيحة، وأرشد إلى سلوكِ السبلِ الواضحةِ الصحيحة، وربى أمتَه على طلبِ الأهدافِ السامية؛ بالوسائلِ الشريفةِ الصريحة، صلى الله عليه وعلى آله أولي الصدق والوفا، وصحابتِهِ أهلِ النقاءِ والصفا، وعلى كل من سار على طريقهم واقتفى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يقول الله تعالى في كتابه العظيم: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ (204) وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ (205) وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ (206)}} (البقرة:204-206).
هذه الآيات - أيها الإخوة - نزلت في بعضِ المنافقينَ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: كانوا يأتون إليه، ويجتمعون معه، ويلتقون مع أصحابه، فيُظهرون محبة الخير، والعملَ على تثبيت الخير، والنصيحةَ للمسلمين، ولا يكتفون بمجرد ذلك ولكنهم يقولون: والله يشهدُ على ما في قلوبنا مما تنطق به ألسنتنا، وكان عبدالله بن أبي إذا خطب رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الجمعةَ وانتهى من الصلاة، يقف بعده على المنبرِ ويقول: يا أيها الناس هذا عزكم، هذا شرفكم، ثم يخرج فيعمل عكس ذلك.
هؤلاء المنافقون الذين امتلأت قلوبُهم بالكفر والحقد على الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين والكيدِ لهم ذهبوا، وقد أوتوا من الدهاءِ وبلاغةِ القولِ وحسنِ التظاهرِ بالمظاهر الخادعةِ وقوةِ الآلة الإعلامية – على مستوى عصرهم – ما جعلهم يخدعون كثيرًا من الناس، كما وصفهم الله، ووصف أثرهم على الأمةِ في مواضعَ كثيرة فقال سبحانه وتعالى: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} (التوبة:47)، فمن المسلمين الصادقين، من ينخدعُ بدعاياتِ وإشاعاتِ وأكاذيبَ ومظاهرَ أولئك المنافقين، وهم يدّعون الدعاوى الباطلة، ويزينونها بالأساليب الساحرة، ويؤكدون ذلك بالأيمان الكاذبة؛ حتى يصدقهم كثيرٌ من الناس، وتنطلي حيلُهم على طيبي القلوب، وعلى مَن لا يعرف أن هناك من هو متخصصٌ في الكيدِ والمكرِ وقلب الحقائق.
ثم إذا {تولوا} إذا انصرفوا من عند المسلمين أو تولوا منصبًا – وهذا المعنى ذكره بعض المفسرين – إذا تولى أحدهم أو بعضهم أو مجموعةٌ منهم منصبًا ؛ إذا صار أحدهم رئيسًا أو وزيرًا أو قائدًا عسكريًا أو أمنياً أو في موضع قرارٍ يضر فيه وينفع، سعوا في الأرض ليفسدوا فيها ويهلكوا الحرث والنسل والله لا يحب الفساد.
وقد أكدتُ كثيراً أن لكل قومٍ وارثاً؛ وإن لهذا الصنفِ من الناس وارثين في كل زمان ومكان، وإن أكثر ورثة هؤلاء المنافقين يكونون غالباً من الساسة والمحيطين بهم، والسائرين في فلكهم، والمستفيدين من وجودهم في مناصبهم التي يصلون إليها بذات الوسائل القذرة، – إلا من رحم الله ولا حول ولا قوة إلا بالله – وأنا مع ذلك لا أعمم وإنما الغالب والأكثر أنهم كذلك والله المستعان.
والقادةُ الذين تولوا وفي قلوبهم ذلك المرض يحدِّدون الأهداف، والأتباعُ يعملون على تحقيقها، كلٌّ في مجاله، وأكبرهم جرماً رجالُ إعلامهم الفاسدِ المغالطِ المقلبِ للحقائق، الذي يخدع الشعوبَ ويزيفَ وعيها، ويريها الحق باطلاً، والباطل حقاً.
وإذا نظرنا إلى نظامنا في اليمن، وأقول - أيضاً: إلا من رحم الله – ولاسيما في تعاملِهم مع الأزمات، وصناعتِهم للفتن، وتغذيتِهم وإمدادهم لأصحابها، ولو تأملنا ذلك لوجدنا أن كثيراً منهم يحملُ من خصائص أولئك القوم المنافقين، الذين صورت ملامحهم هذه الآيات، وأبرزتهم على حقيقتهم.
فنظام علي عبد الله صالح هو الذي أسس وأنشأ حركة الحوثيين، وصرف عليها، ومدها معنويًا وماديًا؛ حتى إذا استوت على ساقها، بل حتى استفحل أمرها، وخشي أن تكون نداً له، وأن تزيله عن موضعه؛ عند ذلك شغل بها اليمن وأعلن عن حربها، وسخَّر جميع الإمكانيات لذلك: إعلامياً اقتصادياً سياسياً؛ فحرم البلاد من وسائل بناءها، من وسائل تنميتها، من وسائل تعليمها، من وسائل صحتها، وتوجه بذلك - حسب زعمه - للقضاء على هذه الفتنة، وهو لا ينوي القضاء عليها، بل ستة حروب، وكلما قرب القضاء عليها؛ اتصل بالقادة وقال: هدنة... أوقفوا الحرب، من أجل أن يبقوا ويعودوا مرة أخرى ليكسب جولة أخرى من الابتزاز على شعبه وعلى الدول المجاورة، وعلى العالم.
كذلك المفسدون من أبناء القبائل لَعِبَ معهم تلك اللعبةَ القذرة، فهو لا يُعطيهم مطالبَهم، ويُشجعهم على أن يأخذوا حقوقَهم بأيديهم، فإذا قطعوا السبيلَ وأراقوا الدماءَ واختطفوا الآمنين؛ وفعلوا الجرائم الكبرى؛ ذهب ليصالحهم، ويعطيَهم الرشاوى، ويعطيهم الفدية، حتى يشجعَهم على أن فعلوا أكبرَ مما فعلوا؛ ويشجع غيرَهم ليفعلوا مثل الذي فعلوا، وهذه السياسة التي مازالت مستمرة.
والقاعدة وما تفرع عنها اخترقها، وغرس في أوساطها من يسهم في توجيهها الوجهة التي يريدها، ويجعلها بحق ورقة رابحة يبتز بها العالم، وما نوى يوماً من الأيام استئصالَها أو القضاء عليها، وإنما شغلها وشغل بها الناس، وكم من مآسٍ حصلت، كم في أبين؟ كم في البيضاء؟ كم في حضرموت؟ كم في مأرب؟ كم في كل مكان؟ وهو يعلم أنه فقط يلعب لعبة، ثم يرتاح ؛ حتى تحينَ لعبةٌ أخرى؛ وبذلك أفسد هذا النظام وأفسد الذي يحاربه؛ لأن الحرب مهلكة ومفسدة للحرث والنسل أينما حلت، دماء، وأشلاء، وتهديم ديار، وتحريق مزارع وإخافة سبيل، وكل ما هو في معنى الهلاك.
ولأننا ما زلنا نُحكَمُ بعقلية علي عبد الله صالح وأساطين نظامه، وبأيدي تلاميذه ومعاونيه؛ فإننا ما زلنا في ذلك النفق المظلم لم نخرجْ منه، ومازال قادةُ النظامِ الجديدِ يسيرون على ذلك المنهج – إلا ما رحم الله – فإن السيناريو ما زال يتكرر، وقواعد اللعبة كما هي، والنتيجة المزيد، والمزيد من المحن والبلايا، وعلى الشعب أن يتحملها ويدفع ضريبتها: من دمه، ومن أمنه، ومن سكينته، ومن استقراره ومن كل مقوماته، والعجيب أن حضرموت لم ينلها في زمن علي عبد الله صالح ما نالها بعد رحيله، لسنا نتباكى على علي عبد الله صالح كما قد يقول أو يفسر أو يحلل بعض المحللين، وقد ذكرنا جرائمه ومصائبه فيما سمعتم.
لكن نقول حضرموت أصابها منه ما أصابها، لكنه لم يبلغ أبدًا ما بلغ أيام علي عبد الله صالح، ولا مقارنة بين الذين أصابها في زمنه وما يصيبها ويتكرر عليها اليوم.
إن من خلفوه أدخلوها قسراً في المعركة واستهدفوها استهدافاً مباشراً بوسائل شتى، آخرها معركة غيل باوزير، وكذلك ما حل بالغيل وأهلها الطيبين من المسالمين الآمنين في بيوتهم وأسواقهم ومزارعهم، وحجم الرعب الذي لحقهم، والهلع الذي نزل في قلوب أطفالهم وشيوخهم ونسائهم ومرضاهم، وندري أن الشحر باتت تترقب نفس المصير، وما يدرينا لعل المكلا وقعت في الخطة!.
إنني أحذر قادة البلاد من أن يكونوا من أولئك الذين قال الله فيهم: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} (البقرة: 205).
هذا المفسد إذا وعظه الواعظون، أو نصحه الناصحون، وقيل له: اتق الله أخذته العزة بالإثم، فحسبه جهنم ولبئس المهاد، أحذرهم أن يكونوا في ذلك الصف أو على ذلك المنهج أو بتلك الصفات، وأنا في نفس الوقت لا أدعو لبقاء الانحراف الفكري، أو بقاء القتل والاغتيالات والتفجيرات، أو أي نوع من أنواع العنف والإرهاب داخل هذه البلاد، ولكني أطالب أن يعالج ذلك المعالجة الصحيحة الشرعية والواقعية، المبنية على الاحتكام للشرع، والنظر إلى المصالح العليا، والحفاظ على أمن الناس واستقرارهم، وأن لا تستغل تلك الظواهر لتحقيق مصالح شخصية، أو حزبية أو تصفية حسابات بين الخصوم على أرضنا التي لا ناقة لها ولا جمل في تلك الخصومات.. أو أن تستغل لابتزاز الآخرين، ويكون وقودها دماؤنا وأرواحنا وأجسادنا وأموالنا وأعراضنا وديارنا، إننا نحذرهم من ذلك، وإن الذي أوصل البلاد بالأمس وأوصل المحافظات الجنوبية وحضرموت إلى ما وصلت إليه، هو تلك السياسة وأشباهها من علي عبدالله صالح وأمثاله، وما داموا سائرين على نفس النظام ونفس المنهج؛ فإنهم سيعمقون هذا الشعور، وسيعمقون هذه الكراهية، والبغض لهم ولنظامهم، ولكل ما أتى من قبلهم...بغَّضوا الناس في الوحدة، والوحدة عزة وشرف وكرامة للناس، بينما حولوها هم بسياساتهم هذه إلى تعاسة وشقاء، واليوم سوف يزيدون من بغض الناس لهم وللوحدة التي يتشدقون بها، ويقومون عليها، ولكل ما يريدون أن يحققوه، فليتقوا الله في أنفسهم،ولنتقِ الله نحن، لنتوحد ونتعاون ونتآلف، نوحد صفنا، ننظر في مصالحنا، ونكون صفاً خلفها، لا يسيّرُنا مسيِّر ولا يدعونا داع لتحقيق مآربه الشخصية أو الحزبية أو ليصفي بنا حساباً مع غيره، فنحن أحرار، ونحن أصحاب حق، ولنا عقولنا والحمد لله ولنا نظرتنا الصائبة الثاقبة، فيجب أن نلتف على هذا، وأن تجتمع كلمتنا، وأن يوحد صفنا، ويقوم من بيننا أهل الحل والعقد، وأهل الحكمة والخبرة والمعرفة بتجميع الناس على ما فيه الصلاح والفلاح، وعلى ما فيه الخير وعلى ما فيه عزة هذه البلاد ورفع الذل عنها، إن ذلك هو واجبنا اليوم، ولا يجوز لنا أن نتخلى عنه، أسأل الله أن يوحدنا على ذلك.
لاتوجد تعليقات