رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 14 نوفمبر، 2016 0 تعليق

{ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا}

يسعى الإنسان في الحياة الدنيا إلى تحقيق مصالحه ودرء ما يضره، ويستعين على ذلك بما يقدر من الناس والأشياء، ولا يخفى أن سعيه معارض بمعوقات وعقبات داخلية وخارجية، تحرفه عن مقصوده أو تأخره عن بلوغه.

ومن أقوى المعوقات الخفية التي لا يشعر بها الإنسان نفسه التي بين جنبيه، وآثار كسبه وسوء تصرفاته التي تنعكس على حياته بالتنغيص والشقاء.

وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذه المعاني في خطبة الحاجة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولها، ويعلم أصحابه أن يقولوها بين يدي كلامهم في أمور دينهم، سواء كان في خطبة نكاح، أم جمعة، أم عيد.

كما قال ابن مسعود: عَلَّمَنَا النبي صلى الله عليه وسلم خُطْبَةَ الْحَاجَةِ: «إنّ الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ باللّه من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا».

   فقد اشتملت على طلب الهداية من الله -تعالى- والاستعانة به -سبحانه- فهو خير معين، ولهذا أمرنا أن نكرر ذلك في الصلاة بقراءة فاتحة الكتاب، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «تأملت أنفع الدعاء فإذا هو: سؤال العون على مرضاته، ثم رأيته في الفاتحة في: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}».

كما اشتملت خطبة الحاجة على الاستعاذة بالله -تعالى- واللجوء إليه من شر النفس وسيئات الأعمال.

فقوله: «ونعوذ به من شرور أنفسنا» أي: من ظهور شرور أخلاق نفوسنا الردية، وأحوال طباع أهوائنا الدنية. قاله في عون المعبود.

قال -تعالى- مبينا طبيعة النفس الإنسانية وأثر كسبها: {ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها. وقد خاب من دساها}.

فقوله تعالى: {فألهمها فجورها وتقواها} قال ابن عباس: «بين لها الخير والشر».

فالسعيد من هذب نفسه كما قال ابن سعدي: «وقوله: {قد أفلح من زكاها} أي: طهر نفسه من الذنوب، ونقاها من العيوب، ورقاها بطاعة الله، وعلاها بالعلم النافع والعمل الصالح».

والشقي من أهمل نفسه كما قال سبحانه: {وقد خاب من دساها} قال ابن سعدي: «أي: أخفى نفسه الكريمة، التي ليست حقيقة بقمعها وإخفائها، بالتدنس بالرذائل، والدنو من العيوب، والذنوب، وترك ما يكملها وينميها، واستعمال ما يشينها ويدسيها».

فالنفس أحياناً تكون داعية هوى كما قال تعالى: {إن النفس لأمارة بالسوء} قال ابن سعدي: «أي: لكثيرة الأمر لصاحبها بالسوء، أي: الفاحشة، وسائر الذنوب؛ فإنها مركب الشيطان، ومنها يدخل على الإنسان {إلا ما رحم ربي} فنجاه من نفسه الأمارة حتى صارت نفسه مطمئنة إلى ربها، منقادة لداعي الهدى، متعاصية عن داعي الردى؛ فذلك ليس من النفس، بل من فضل الله ورحمته بعبده».

     فإذا أطاع العبد نفسه الأمارة، واتبع هواه وقع في المعاصي والذنوب التي تعود عليه بالضرر العاجل والآجل، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «فقوله في الحديث: ونعوذ بالله من شرور أنفسنا» يحتمل القسمين: يحتمل نعوذ بالله أن يكون منها شر، ونعوذ بالله أن يصيبنا شرها، وهذا أشبه».

     ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ من شر النفس فيقول في أذكاره: «اللهم عَالِمَ الغيب والشَّهادة، فاطر السموات والأرض، رب كل شيء ومليكه، أشهد أن لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شر نفسي، ومن شر الشيطان وشركه، وأن أقترف على نفسي سوءًا أو أجُره إلى مسلم» أخرجه الترمذي وهو صحيح.

وكان صلى الله عليه وسلم يقول: «اللَّهُمَّ قِنِي شَرَّ نَفْسِي، وَاعْزِمْ لِي عَلَى أَرْشَدِ أَمْرِي» أخرجه أحمد وصححه الألباني.

     أما العائق الآخر فهو آثار الذنوب والمعاصي التي هي أكبر سبب للخذلان والحرمان، قال سبحانه: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}، وقال تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ}.

وعن معاذ بن جبل قال: أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشر كلمات، وذكر منها: «إياك والمعصية؛ فإن بالمعصية حل سخط الله عز وجل» رواه أحمد وحسنه الألباني.

وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفس محمد بيده، ما تواد اثنان ففرق بينهما، إلا بذنب يحدثه أحدهما» رواه أحمد وصححه الألباني.

وقال علي : «ما نزل بلاءٌ إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة».

وقال ابن عباس: «إنّ للحسنة ضياءً في الوجه، ونوراً في القلب، وسَعة في الرزق، وقوَّة في البدن، ومحبةً في قلوب الخلق. وإن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمة في القلب، ووهناً في البدن، ونقصاً في الرزق، وبُغضاً في قلوب الخلق».

     ففي خطبة الحاجة يؤكد النبي صلى الله عليه وسلم  خطر الذنوب التي لها عقوبة تنعكس على حياة الإنسان ومصالحه، قال ابن تيمية: وقوله: «ومن سيئات أعمالنا»: السيئات هي عقوبات الأعمال؛ فإن الحسنات والسيئات يراد بها النعم والنقم كثيرًا، كما يراد بها الطاعات والمعاصي، وإن حملت على السيئات التي هي المعاصي، فيكون قد استعاذ أن يعمل السيئات، أو أن تضره.  وعلى الأول -وهو أشبه- فقد استعاذ من عقوبة أعماله أن تصيبه.

     فيكون الحديث قد اشتمل على الاستعاذة من الضرر الفاعلي، والضرر الغائي، فإن سبب الضرر هو شر النفس، وغايته عقوبة الذنب، وعلى هذا فيكون قد استعاذ من الضرر المفقود الذي انعقد سببه ألا يكون؛ فإن النفس مقتضية للشر، والأعمال مقتضية للعقوبة، فاستعاذ أن يكون شر نفسه، أو أن تكون عقوبة عمله».

     فالعاقل يعرف هدفه، ويحدد طريقه، ويستعين بمن يعينه، ويحذر من عوائق الطريق، وعقبات غايته، فإذا رزق هداية من الله -تعالى- وتوفيق وإعانة حصلت له سعادة الدنيا والآخرة، وإن حرم السداد من الله -سبحانه- بسبب كسبه وعاقبة ذنبه، فلا يلومن إلا نفسه، قال الله -سبحانه- في الحديث القدسيّ: «يا عبادي، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفّيكم إياها، فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسه» رواه مسلم.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك