وليس معه أحد ..!!
- يبدو للوهلة الأولى أن هذه نتيجة مخيبة للآمال، فكيف أن نبيا مرسلا من ربه مكلفا بدعوة الناس إلى الدين الحق، تكون النتيجة النهائية له أن يكون (ليس معه أحد)؟! أي لم يتبعه أحد. قالَ -صلى الله عليه وسلم -: «عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ، فَجَعَلَ النبيُّ والنَّبيَّانِ يَمُرُّونَ معهُمُ الرَّهْطُ، والنَّبيُّ ليسَ معهُ أحَدٌ !».
- ويشخص الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله- هذه الحال فيقول: «إنَّ الأنبياءَ - عليهم الصلاة والسلام - ليسوا كلهم قد أطاعهم قومهم، بل بعضُهم لم يطعْه أحدٌ من قومهم، وبعضهم أطاعه الرَّهطُ، وبعضهم أطاعه الرجل والرجلان، وانظر أنَّ نوحًا -عليه الصلاة والسلام- مكث في قومه ألفَ سنةٍ إلَّا خمسينَ عامًا .. {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} (هود:40)، كلُّ هذه المدة ولم يلقْ منهم قبولًا، بل ولا سَلِم من شرِّهم، قال نوح: {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا} (نوح: 7)، وكانوا يمرُّون به ويسخرون منه.
- هذه الحال تبين أهمية تحديد الأدوار وعدم تداخلها؛ فالداعية مطلوب منه بذل الجهد في الدعوة، وليس هداية الناس؛ فهذا الأمر من شأن الرب -جل وعلا- قال -تعالى-: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} (القصص:56)، وقال -سبحانه-: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} (البقرة:272)
- يقول الشيخ ابن باز -رحمه الله-: «بمعنى أن الأنبياء ليس في أيديهم هداية أحد وإنقاذهم من النار، وإن هذا بيد الله -عز وجل-، وإنما الذي في يد الأنبياء والعلماء والدعاة هو التبليغ، هو البيان، هو الدعوة، هو الإرشاد، هو النصيحة، أما هداية القلوب وتوفيق القلوب وردها إلى الصواب فهذا بيد الله -سبحانه وتعالى- هو الذي يهدي من يشاء». ويقول: «يعني هداية التوفيق والرضا بالحق وقبوله، هذه بيد الله -جل وعلا-.. أما هداية البلاغ والبيان فقد جعلها الله بيد الرسل».
- وكون أن النبي يأتي يوم القيامة (وليس معه أحد)، لا يعني أبدا نقصاً في هذا النبي، بل الأنبياء هم أكمل الناس في الإخلاص، والعلم، وبمعرفة وسائل الدعوة، وطرائق التأثير في الناس، فضلا عن التأييد من الله -تبارك وتعالى.
- ولما كان الدعاة إلى الله - عز وجل - هم ورثة الأنبياء، فينبغي أن يعلموا أن عليهم فقط بذل ما في مقدورهم وأن يقدموا للناس ما يستطيعون، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «بلغوا عني ولو آية»، أي أقل القليل، ومن ثم لا ينبغي أن يكلوا أو يملوا، أو يقنطوا من هداية الناس، أو يقولوا لا فائدة ولا أثر لدعوتنا، بل ليعلموا أنهم في عمل صالح عظيم، وأن أجرهم في الدعوة إنما هو على الله.. كما أن الحق لا يُعرف بالكثرة.
- وأيضا قال - صلى الله عليه وسلم -: «يا أيُّها الناسُ، خُذُوا مِن الأعمالِ ما تُطِيقون»، أي: أدُّوا منها ما في استطاعتِكم، في جميعِ أعمالِ البِرِّ، «فإنَّ اللهَ لا يَمَلُّ حتَّى تَمَلُّوا»، أي: فإنَّ اللهَ لا يَمَلُّ مِن ثَوابِك حتَّى تَمَلَّ مِن العَمَلِ، «وإنَّ أَحَبَّ الأعمالِ إلى اللهِ»، أي: التي تُقرِّبُ مِنَ اللهِ -عزَّ وجلَّ-، وتكونُ سَببًا في نَيلِ فَضلِهِ وثَوابِهِ «ما دام» واستَمرَّ في حَياةِ العامِلِ، «وإنْ قَلَّ»؛ لأنَّه يَستمِرُّ، بخلافِ الكثيرِ الشَّاقِّ، فالمواظَبةُ على العملِ القليلِ يجعلك دائم الصِّلةِ بالله.
لاتوجد تعليقات