رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.عادل المطيرات 20 يونيو، 2019 0 تعليق

وقفات مع أسماء الله وصفاته – اسم الله الملِك

إن العلمَ بأسماء الله وصفاته ومعرفةَ معانيها يُحدث في القلب خشيةً ورهبة، ويدعو إلى محبة الله -سبحانه-، وخوفِه ورجائه، والتوكلِ عليه والإنابةِ إليه، وفي هذا فوزُ العبدِ المؤمن وسعادتُه في الدنيا والآخرة، ولا يمكنُ معرفةَ اللهِ -سبحانه- إلا بمعرفة أسمائه الحسنى وصفاته العلا وفهمِ معانيها، ومن أسماء الله -تعالى- التي سمى بها نفسَه: الملك، والمَلِكُ هُوَ التامُّ المِلْكِ، الجَامِعُ لأصْنَافِ المَمْلُوْكَاتِ؛ فَأما المَالِكُ؛ فَهُوَ الخاصُّ المِلْكِ.

     المَلِكُ هُوَ الله -تعالى-، مَلِكُ المُلُوك، لَهُ المُلْكُ، وَهُوَ مَالِكُ يَوْمِ الدِّينِ، وَهُوَ مَلِيكُ الْخَلْقِ أَيْ رَبُّهُمْ وَمَالِكُهُمْ. (لسان العرب 10/491)، الملك الذي لا ملك فوقه، ولا شيء إلا دونه. (تفسير الطبري 23/302). الْمَالِكُ لِجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ الْمُتَصَرِّفُ فِيهَا بِلَا مُمَانَعَةٍ وَلَا مُدَافَعَةٍ. (تفسير ابن كثير 8/79).

آثار كثيرة

إن للإيمان باسم الله الملك آثارا كثيرة منها:

الملك الحقيقي لله وحده

- أولا: أن الملكَ الحقيقي لله وحده لا يشركه فيه أحد، وكلُ من ملك شيئا؛ فإنما هو بتمليك الله له، في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : «أَغْيَظُ رَجُلٍ عَلَى اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَخْبَثُهُ وَأَغْيَظُهُ عَلَيْه، رَجُلٍ كَانَ يُسَمَّى مَلِكَ الْأَمْلَاكِ، لَا مَلِكَ إِلَّا اللهُ»، وفي رواية ابن أبي شيبة : «لَا مَالِكَ إِلَّا اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-».

     وقد يُسَمى بَعْضُ المَخْلُوقينَ مَلِكَاً، إذَا اتَّسَعَ مُلْكُهُ، إلا أن الذِي يَسْتَحِقُّ هذَا الاسْمَ: هو اللهُ -جل وعز-؛ لأنهُ مَالِكُ المُلْكِ، وَلَيْسَ ذَلكَ لأحَدٍ غَيْرِهِ، يُؤْتِي المُلْكَ مَنْ يَشَاءُ، وينْزِعُ المُلْكَ مِمنْ يَشَاء، وُيعِزُّ مَنْ يَشَاءُ وَيُذِلُّ مَنْ يَشَاءُ بِيَدِهِ الخَيْرُ، وَهْوَ عَلَى كُل شَيءٍ قَدِير. (شأن الدعاء 40).

إن المالكَ الحقيقي هو اللهُ -سبحانه-، يملك كلَ شيء، ويتصرف في ملكه كما يشاء -سبحانه-: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(آل عمران:26).

المالكُ لخزائن السموات والأرض

ربنا -عز وجل- هو المالكُ لخزائن السموات والأرض، بيده الخير، يرزق من يشاء، وهو المالك للموت والحياة والنشور، وبيده النفعُ والضر، وإليه يرجع الأمر كله؛ فهو المالك لجميع الممالك العلويةِ والسفلية، وجميعُ من فيهما مماليكُ لله فقراء مدبرون.

الملكُ المالكُ المليك

     ربنا -عز وجل- هو الملكُ المالكُ المليك، هو -سبحانه- كلَ يوم في شان، قال -سبحانه-: {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} (الرحمن: 29)، قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه : {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}(الرحمن: 29)، «يَغْفِرُ ذَنْبًا، وَيَكْشِفُ كَرْبًا، وَيَرْفَعُ قَوْمًا، وَيَضَعُ آخَرِينَ». (أخرجه البخاري تعليقا بصيغة الجزم 6/144).

كل يوم هو في شأن

     كلُ يوم هو في شأن، يحيي ميتا، ويميت حيا، ويجيب داعيا، ويشفي مريضا، ويعز من يشاء ويذل من يشاء، يجبر كسيرا ويغني فقيرا، يعلم جاهلا ويهدي ضالا، يرشد حيران، ويغيث لهفان، يفك عانيا، ويشبع جائعا ويكسو عاريا، يعافي مبتلى، ويقبل تائبا، يجزي محسنا، وينصر مظلوما، ويقصم جبارا، يقيل عثرة، ويستر عورة، ويؤمن روعة؛ -فسبحان- الملك المليك المالك.

الله -سبحانه- هو مالكُ يوم الدين وملكُه

- ثانيا: أن الله -سبحانه- هو مالكُ يوم الدين وملكُه؛ فالملكُ في ذلك اليوم العظيم لله وحده لا ينازعه فيه أحدٌ من ملوك الأرض وجبابرتِها، {يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}(غافر:16).

     في الصحيحين عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود  رضي الله عنه ، قَالَ: جَاءَ حَبْرٌ مِنَ الأَحْبَارِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ؛ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّا نَجِدُ، أَنَّ اللَّهَ يَجْعَلُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ، وَسَائِرَ الخَلاَئِقِ عَلَى إِصْبَعٍ؛ فَيَقُولُ: أَنَا المَلِكُ؛ فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ تَصْدِيقًا لِقَوْلِ الحَبْرِ، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ، وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}(الزمر:67).

     وفي صحيح مسلم عن عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : «يَطْوِي اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- السَّمَاوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بِيَدِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ الْجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ، ثُمَّ يَطْوِي الْأَرَضِينَ بِشِمَالِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ الْجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ؟».

فهل يجيبه أحدُ من طغاة الأرض وملوكِها وفراعنتِها؟ كلا، بل الجميعُ خاشعون صامتون {يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا}(طه:108).

الخلق جميعهم مماليكُ للملك

- ثالثا: أن الخلق جميعهم مماليكُ للملك المليك -سبحانه- وعبيدُه، ومفتقرون إليه، ومضطرون إليه في شؤونهم كلها، ليس لأحد خروجٌ عن ملكه، ولا لمخلوق غنى عن إيجاده وإمداده، ونفعِه ودفعه، ومَنِّه وعطائه؛ ولذلك وجب على المسلم أن يكون فقيرا إلى الله -تعالى- يقول ابن القيم: فالفقيرُ خلص بكليته لله -سبحانه-، ليس لنفسه ولا لهواه في أحواله حظٌ ونصيب؛ فهو يريد اللهَ بمراد الله؛ فمعولُه على الله، وهمتُه لا تقف دون شيء سواه، قد فني بحبه عن حب ما سواه، وبأمره عن هواه، وبحسن اختياره له عن اختياره لنفسه؛ فهو في واد والناسُ في واد، خاضعٌ، متواضع، سليم القلب، سلسُ القياد للحق، سريع القلب إلى ذكر الله، بريءُ من الدعاوى، لا يدعي بلسانه ولا بقلبه ولا بحاله.

زاهدٌ في كل ما سوى الله

     راغبٌ في كل ما يقرب إلى الله، قريب من الناس أبعدَ شيء منهم، يأنس بما يستوحشون منه، ويستوحش مما يأنسون به، منفردٌ في طريق طلبه، لا تقيده الرسوم، ولا تملكه الفوائد، ولا يفرح بموجود، لا يأسف على مفقود، من جالسه قرت عينُه به، ومن رآه ذكرَتْه رؤيتُه بالله -سبحانه.

لا يدخل فيما لا يعنيه

ولا يبخل بما لا ينقصه، وصفُه الصدق والعفة والإيثار والتواضع والحلم والوقار والاحتمال، لا يتوقع لما يبذله للناس عوضا منهم ولا مدحة، لا يعاتب ولا يخاصم ولا يطالب ولا يرى له على أحد حقا، ولا يرى له على أحد فضلا.

      مقبلٌ على شأنه، مكرمٌ لإخوانه، بخيلٌ بزمانه، حافظ للسانه، مسافر في ليله ونهارِه ويقظتِه ومنامِه، لا يضع عصا السير عن عاتقه حتى يصل إلى مطلبه، قد رُفع له علمُ الحب فشمر إليه، وناداه داعي الاشتياق فأقبل بكليته عليه، أجاب منادي المحبة؛ إذ دعاه حي على الفلاح، ووصل السرى في بيداء الطلب؛ فحَمِد عند الوصول سراه، وإنما يحمد القوم السرى عند الصباح». (طريق الهجرتين 91).

أنا الفقير إلى رب السماوات

                                           أنا المسيكين في مجموع حالاتي

أنا الظلوم لنفسي وهي ظالمتي

                                           والخيرُ إن جاءنا من عنده يأتي

لا أستطيع لنفسي جلبَ منفعة

                                           ولا عن النفس في دفع المضرات

وليس لي دونه مولى يدبرني

                                           ولا شفيعٌ إلى رب البريات

إلا بإذن من الرحمن خالقُنا

                                           رب السماء كما قد جاء في الآيات

ولستُ أملك شيئا دونه أبدا

                                           ولا شريكٌ أنا في بعض ذراتي

ولا ظهيرٌ له كيما أعاونُه

                                           كما يكون لأرباب الولايات

والفقرُ لي وصف ذات لازم أبدا

                                           كما الغنى أبداً وصف له ذاتي

وهذه الحال حال الخلق أجمعِهم

                                           وكلُهم عنده عبدٌ له آتي

فمن بغى مطلباً من دون خالقه

                                           فهو الجهول الظلوم المشرك العاتي

والحمد لله ملءُ الكون أجمعِه

                                           ما كان منه وما من بعده يأتي

ثم الصلاة على المختار من مضر

                                           خيرِ البرية من ماض ومن آتى

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك