رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.عادل المطيرات 15 سبتمبر، 2020 0 تعليق

وقفات مع أسماء الله وصفاته – اسم الله القريب

 

 

إن العلمَ بأسماء الله وصفاته ومعرفةَ معانيها يُحدث في القلب خشيةً ورهبة، ويدعو إلى محبة الله -سبحانه-، وخوفِه ورجائه، والتوكلِ عليه والإنابةِ إليه، وفي هذا فوزُ العبدِ المؤمن وسعادتُه في الدنيا والآخرة . ولا يمكنُ معرفةَ اللهِ -سبحانه- إلا بمعرفة أسمائه الحسنى وصفاته العلا وفهمِ معانيها، ومن أسماء الله -تعالى- القريب.

     يقول الله -سبحانه-: {وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}(الأعراف:56)، يخبر -سبحانه- في هذه الآية أنه قريبٌ من عباده، عليّ فوق عرشه، عليم بالسرائر، وما تكنه الضمائر، وهو قريب بالعلم والقدرة من عامة الخلائق أجمعين، وقريب باللطف والنصرة وهذا خاص بالمؤمنين، من تقرب منه شبراً تقرب منه ذراعاً، ومن تقرب منه ذراعاً تقرب منه باعاً، وهو أقرب إلى العبد من عنق راحلته.

معاني القريب

ومن معاني القريب: أنه الذي يرى ويسمع ولا يخفى عليه شيء! وهو قريب من عباده جميعا، بعلمه المحيطِ بكل شيء، وهو القريب من العابدين، والداعين، والذاكرين، يؤنسهم، ويحفظُهم، وينصرُهم، ويسددُ رميَهم، ويثبت جنانَهم، ويجيب دعاءَهم .

إجابة الدعاء

     ومن معاني القريب: أنه قريب بإجابة الدعاء {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}(البقرة :186)؛ فهو -سبحانه- هو الذي يُقابِل السؤالَ والدُّعاء بالقَبُول والعَطاء، وهو الذي يجيب المضطر إذا دعاه، ويغيث الملهوفَ إذا ناداه، ويكشف السوء عن عباده ويرفع البلاء عن أحبائه ، وكل الخلائق مفتقرةٌ إليه ، ولا قِوام لحياتها إلا عليه، لا ملجأ لها منه إلا إليه -سبحانه-،  وإذا وصل المؤمنُ درجةَ الإحسان ، وراقب ربه، واستشعر قربَه ودنوَه واستحيا منه حق الحياء: كان من المحسنين الذين لا تُرد لهم دعوة، وكانت رحمةُ الله وفرجُه قريبةً عاجلة {وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}(الأعراف : 56).

القريبُ بنصره للصابرين المحتسبين

     ومن معاني القريب: القريبُ بنصره للصابرين المحتسبين: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ}(الأنعام: 34)، وقد يطول البلاء، ويعظم الكرب، وتُنتظر الإجابةُ حتى ينفذَ الصبر؛ فلا يأس فإن ما عند الله قريب {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ}(يوسف : 110)، {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}(البقرة:214).

القريبُ من التائبين

     ومن معاني هذا الاسم : أنه -سبحانه- القريبُ من التائبين يجيب دعاءهم، ويثبتُ جنانَهم ويذيقُهم من حلاوة القرب منه ما يعوضهم فقدَ ما فقدوه {يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ}(هود: 61)، وقد ثبت فى الصحيحين: «يَنْزِلُ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ؛ فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ».

     إن كثرةَ الأولاد والأموال لا تقرب إلى الله، بل ربما كانت أعظمَ الملهيات والصوارفِ عن ذكر الله وطاعتِه والجهادِ في سبيله ، يقول -سبحانه- {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ}(سبأ: 37)، إنما تُنالُ منزلةُ القرب بالإيمان وصالح الأعمال، وفي الحديث القدسي كما في البخاري: «وَمَا تقرَّبَ إِلَيَ عبْدِي بِشْيءٍ أَحبَّ إِلَيَ مِمَّا افْتَرَضْت عليْهِ: وَمَا يَزالُ عَبْدِي يتقرَّبُ إِلى بالنَّوافِل حَتَّى أُحِبَّه، فَإِذا أَحبَبْتُه كُنْتُ سمعهُ الَّذي يسْمعُ بِهِ، وبَصره الَّذِي يُبصِرُ بِهِ، ويدَهُ الَّتي يَبْطِش بِهَا، ورِجلَهُ الَّتِي يمْشِي بِهَا، وَإِنْ سأَلنِي أَعْطيْتَه، ولَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَّنه».

وسيلةُ القرب الكبرى

     إن الصلاةَ هي وسيلةُ القرب الكبرى، وليس بين العبد وبين ذلك إلا أن يُقبلَ على الله بوجهه ولا يلتفت ، ثم يسجد؛ فيزداد قرباً {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب}(العلق: 19)؛ فالصلاةُ أعظمُ قربة إلى اللَّه؛ حيث وجه إليها الرسول صلى الله عليه وسلم من أول الأمر، في صحيح مسلم: «أَقْرَبُ ما يَكونُ العَبْدُ مِن رَبِّهِ، وهو ساجِدٌ».

     إن لحظاتِ السجود والقربِ من الله هي ساعاتُ كرمِ الله وبركتِه وعطائِه الذي لا حدود له، ولا قيود، تُهتبلُ فيها الفرصةُ بالدعاء والطلب، وتنثر فيها كنانةُ القلب بما فيه من أشواق ومطالب، في صحيح مسلم أن رجلاً قال: يا رسول الله أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ، قَالَ: «أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ، قَالَ: فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُود». أي بكثرة الصلاة .

     وفي صحيح مسلم : « مَا مِنْ مُسلِم  يَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- بِهَا دَرَجَةً وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً»، وفيه أيضا: «إِذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي يَقُولُ: يَا وَيْلِي أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ، وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَأَبَيْتُ فَلِي النَّار».

ساعاتِ الذكر

     إن ساعاتِ الذكر، ولحظاتِ المناجاة والمناداة والابتهال هي لحظاتُ قربٍ من الله ودواعي رحمتِه وإجابتِه، في الصحيحين يقول صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ الَّذِي تَدْعُونَ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ, مِنْ عُنُقِ رَاحِلَتِهِ»، وفيهما: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي؛ فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ»، وذكرُ الله يوجب القربَ من الله -عز وجل- والزلفى لديه، ومن أكرمِ الخلق على الله -تعالى- من المتقين من لا يزالُ لسانُه رطبا بذكره ، وإذا جعل المؤمنُ ذكرَ الله شعارَه أثمر القربَ من الله والتقنعَ بثوب الحياء منه وإجلالِه، وهاج في قلبه هائجُ الهيبة والمراقبة.

القرب نوعان

إن قرب الله من عبده في القرآن نوعان:

- الأول : قربُ الله – سبحانه وتعالى – من داعيه بالإجابة، ومنه قوله -تعالى-: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}(البقرة: 186).

- الثاني: قربُه من عابده بالإثابة ومن ذلك قوله في الحديث: «أقربُ مَا يَكونُ العبْدُ مِن ربِّهِ وَهَو ساجدٌ»، وفي الترمذي «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنْ العَبْدِ في جَوْفِ اللَّيْلِ الآخِرِ»؛ فهذا قربه من أهل طاعته، وفى الصحيحين عن أبي موسى رضي الله عنه ، قال: كنا مع النبي في سفر فارتفعت أصواتُنا بالتكبير؛ فقال: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ؛ فَإِنَّكُمْ لا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلا غَائِبًا, إِنَّمَا تَدْعُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا، إِنَّ الَّذِي تَدْعُونَ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ, مِنْ عُنُقِ رَاحِلَتِه»؛ فهذا قرب خاص بالداعي دعاء العبادة والثناء والحمد.

 آثار كثيرة

وإن للإيمان باسم الله القريب آثارا كثيرة منها:

الأمنُ والثقة

     فالمؤمن يعيش بقرب الله في أنس وثقة ويقين ، وملاذٍ أمين، وحصن حصينٍ مكين؛ لأنه في معية الله ، ومصاحبتِه فهو سبحانه القريبُ منهم في كل أحوالهم ، وهو الصاحب في أسفارهم حالَ غربتهم ووحشتِهم؛ فالله صاحبُهم القريبُ منهم كما في صحيح مسلم في دعاء السفر «أَنتَ الصَّاحِبُ في السَّفَر»، وهو -سبحانه- في الوقت ذاته خليفتُه على أهله «وَالخَلِيفَةُ في الأهْلِ»، وقد كان من دعائه -عليه الصلاة والسلام- عند السحر في السفر كما في صحيح مسلم «رَبَّنَا صَاحِبْنَا، وَأفْضِلْ عَلَيْنَا عَائِذاً بِاللـهِ مِنَ النَّارِ».

حصولُ السكينة والثبات

     ومن آثار الإيمان باسم الله القريب: حصولُ السكينة والثبات، قال -تعالى-: {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا}(التوبة: 40)، وفي الصحيحين يقول صلى الله عليه وسلم  لأبي بكر: «يَا أَبَا بَكْرٍ: مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا»؛ فمن كان الله معه فمعه القوة العظمى التي لا تهزم:

فاشدد يديك بحبل الله معتصما     

                                   فإنه الركن إن خانتك أركان

قربُ النصر والفرج

ومن آثار الإيمان باسم الله القريب: قربُ النصر والفرج : صح في سنن الترمذي من قوله صلى الله عليه وسلم : «وَاعْلَمْ أنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَربِ، وَأَنَّ مَعَ العُسرِ يُسراً».

إن نصر الله آت، وفرجُه قريب، والمؤمنُ لا يفقد أملَه بربه مع طول الانتظار، بل يظل يرجو من القريب المجيب نصرَه وفرجَه ولا يقترحُ عليه، بل يتأدبُ بأدب العبد المسلّم لما أراده ربُه، ويأخذ بما شرع له من الأسباب.

الشوق إلى الله والأنسُ به

     ومن آثار الإيمان باسم الله القريب: الشوق إلى الله والأنسُ به؛ فمع كون الله -تعالى- هو القريب من عباده إلا أن عباده المؤمنين به المصدقين بوعده، المصدقين برسله المحبين المخبتين أعظمُ شوقاً إليه من كل قريب، وكلما ازدادوا صلاحاً وقربة وسجوداً، لاح من جماله وجلاله ما يزيدهم شوقاً وحنيناً إلى لقائه، وأعظم ما يكون هذا الشوق عند لحظات الحياة الأخيرة عند مفارقة الحياة عندها يعظم شوق المؤمن ويحب لقاء الله ويرجوه .

وأبرح ما يكون الشوق يوما

                                        إذا دنت الخيام من الخيام

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك