رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.عادل المطيرات 2 يوليو، 2019 0 تعليق

وقفات مع أسماء الله وصفاته – اسـم الله المحســن

 

ثبت عند الطيالسي عن أنسرضي الله عنه  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا حَكَمْتُمْ فاعْدِلُوا، وإذا قَتَلَتُمْ فَأَحْسِنُوا؛ فإنَّ الله -عَزَّ وَجَلَّ- مُحْسِنٌ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ»، وثبت عنده عن شداد بن أوس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ؛ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ؛ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَه»، يصف نبينا ربه بصفة عظيمة وهي صفةِ الإحسان؛ فاللهُ -سبحانه- محسن، أي الإحسانُ وصف لازم له، لا يخلو موجود عن إحسانه طرفة عين.

والمحسنُ اسم فاعل من أحسن، وهو الذي له كمال الحسن في أسمائه وصفاته {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى }(طه : 8)؛ فلا شيء أحسنَ ولا أكملَ ولا أجملَ من الله -سبحانه-؛ فكلُ جمال وكمال في المخلوق، إنما هو من آثار خلقه وصنعته -سبحانه .

وإحسانُ الله ظاهر في خلقه؛ فقد من عليهم بما غمرهم من الإحسان والفضل والجود والإنعام، ومعنى المحسن راجع إلى معنى المُفضل وذي الفضل والمنان والوهاب -سبحانه.

آثار كثيرة

إن للإيمان باسم الله المحسن آثارا كثيرة منها ما يلي:

غمر الخلق بإحسانه

- أولًا: أن نعلم بأن الله هو المحسن الذي غمر الخلق جميعا بإحسانه وفضله: برَهم وفاجرَهم، مؤمنَهم وكافرَهم، لا غنى لهم عنه طرفةَ عين، ولا قيامَ ولا بقاءَ لهم إلا  به -سبحانه-، وبجوده وإنعامه .

الذي جاد على خلقه

- ثانيًا : أن الله هو المحسن الذي جاد على خلقه بفضله وإحسانه؛ فأحسن إلى الإنسان وأخرجه من العدم إلى الوجود {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا}(الإنسان: 1)، وأحسن -سبحانه- إلى الإنسان بعد خلقه بأن صوره في صورة آدم وهي أحسنُ صورة {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ}(التغابن: 3)، {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}(التين: 4).

هبة العقل

وأحسن -سبحانه- إلى الإنسان بأن جعله عاقلا لا مجنونا ولا معتوها ولا سفيها، وأحسن -سبحانه- إلى المسلم بأن جعله من أمة محمد صلى الله عليه وسلم خيرِ الأمم {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}(آل عمران: 110).

حَفِظَ كتابَه العظيم

وأحسن -سبحانه- إلى الإنسان بأن حفظ كتابَه العظيم الذي فيه الخيرُ كلُه {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}(يونس: 58).

علَّمه بعد أن كان جاهلا

وأحسن -سبحانه- إلى الإنسان بأن علمه بعد أن كان جاهلا {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا}(النحل: 78).

علمه معاني القرآن

وأحسن -سبحانه- إلى الإنسان بأن علمه معاني القرآن وشريعةِ نبيه صلى الله عليه وسلم ورفعه بهذا العلم {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}(المجادلة: 11).

وأحسن -سبحانه- إلى الإنسان بما من عليه من العمل بما علم، وهذا هو ثمرةُ العلم {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}(فاطر: 28).

كمال الصورة واعتدالِ الخلقة

وأحسن -سبحانه- إلى الإنسان بما أنعم عليه من كمال الصورة واعتدالِ الخلقة وفصاحةِ اللسان، وسلامةِ الهيئة من تشوه أو نقص عضو، أو لحوقِ خلل، حتى يبقى صحيحا سليما، ويسلك من طاعة الله طريقا قويما .

انتظام الحال

وأحسن -سبحانه- إلى الإنسان بما أنعم عليه من انتظام الحال، واتساعِ المال، حتى لا يحتاج إلى أحد من الخلق في اكتساب الرزق، ويحتاجُ إليه غيرُه؛ فيعمهم خيرَه، وهذه نعمةُ يجب شكرها؛ إذ ليس كلُ أحد يعطاها.

المرأة الصالحة

     وأحسن -سبحانه- إلى الإنسان بما أنعم عليه من المرأة الصالحة؛ فتسكنُ إليها نفسُه، ويأنس له، ويكثر منها نسلُه، حتى يكون من ذريته في أمة محمد صلى الله عليه وسلم عددٌ وافرٌ كلُهم لله موحد، ولآلائه شاكر {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}(الروم: 21)، وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ».

صحة الجسم

     وأحسن -سبحانه- إلى الإنسان بما أنعم عليه من صحة الجسم ، وفراغ البال، ليستغل ذلك بما ينفعه من أمور الدين والدنيا ، في الصحيحين عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغ».

صنوف النعم

سبحانه من إله عظيم، سبحانه من إله كريم، تفضل علينا بصنوف النعم، وأحسن إلينا وغمرنا بلطفه وإحسانه، ووعد من أطاعه بالدخول إلى جناته، وكلُ ذلك بفضله ومنته، وإحسانه -سبحانه-: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}(المؤمنون: 14):

إلهي إذا ما عشتُ في الأرض محسنا

                                               فليس بغيض من ذكائي ولا فضلــي

فأنت الذي يســــرتني وهديتني

                                               إلى الخير والإحسان يا واسعَ البـذل

التعبد بمعاني أسمائه وصفاته

ومن آثار الإيمان باسم الله المحسن: أن نعلم بأن الله -سبحانه- يحب من خلقه التعبدَ بمعاني أسمائه وصفاته، فهو عليمٌ يحب العلماء، جميلٌ يحب الجمال، محسنٌ يحب الإحسان؛ ولذا كتب الإحسانَ على كل شيء، والإحسان نوعان:

إحسانٌ في عبادة الله

- الأول: إحسانٌ في عبادة الله، وهو أن تعبدَ الله كأنك تراه؛ فإن لم تكن تراه فإنه يراك .

     ويتحقق الإحسان بإخلاص الدين لله -تعالى-، والحرص على إتقان العبادة وأدائها على أكمل الوجوه، يقول -سبحانه-: {الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}(الملك:1-2)، ويتحقق الإحسان بمجاهدة النفس وكبح جماح النفس، يقول -سبحانه-: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}( آل عمران :133-134).

إحسانٌ إلى عباد الله

والنوع الثاني: إحسانٌ إلى عباد الله، وذلك بإيصال أنواع الخير جميعها لهم، وقد وعد -سبحانه- بالثواب لكلا النوعين؛ فقال: {فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}(هود: 115).

أسباب انشراح الصدر

     قال ابن القيم في بيان أسباب انشراح الصدر: «ومنها الإحسان إلى الخلق بما يمكنه من المال والجاه والنفع بالبدن، وأنواعِ الإحسان؛ فإن الكريمَ المحسنَ أشرحُ الناس صدرا، وأطيبُهم نفسا، وأنعمُهم قلبا، والبخيلُ الذي ليس فيه إحسان أضيقُ الناس صدرا، وأنكدُهم عيشا، وأعظمُهم هما وغما».

تعليم الخلق ما ينفعهم

     ومن أعظم الإحسان إلى الخلق تعليمُهم ما ينفعهم من أمور دينهم ما يكون سببا في نجاتهم في الدنيا والآخرة : من علوم الكتاب والسنة وفقه السلف الصالح ، وإرشادِهم إلى طرق الخيرات والقربات، وتحذيرِهم من مسالك الشر والهلكات، وهي وظيفةُ الرسل وأتباع الرسل ، وبهذا كانوا أعظمِ الناس إحسانا إلى الخلق، ولهم عليهم المنةُ والفضل ما لا يؤدى شكرُه ، كما قال سبحانه-:{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}(آل عمران : 164).

الحسنى في الآخرة

     ومن فضل الله وكرمه وإحسانه أن من أحسن في الدنيا بالإيمان والعمل الصالح أبدله الله بالحسنى في الآخرة، وأسكنه الجنة، وأعطاه ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}(يونس : 26).

النظرُ إلى وجهه الكريم -جل وعلا

     وبعد أن يكرم الله عباده ويحسن إليهم بدخول الجنة، يزيدهم مقابلَ إحسانه زيادةً عظمى، أكملَ مما مضى، وأجملَ مما ذكر ، وهي النظرُ إلى وجهه الكريم -جل وعلا-، وهي أعظمُ منة، وأتمُ نعمة، وأكملُ إحسان، في صحيح مسلم عن صهيب رضي الله عنه  أن رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم تلا هذهِ الآيةَ {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}( يونس : 26)، وقال: «إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَأَهْلُ النَّارِ النَّارِ، نَادَى مُنَاد: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ إِنَّ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ مَوْعِدًا يُرِيدُ أَنْ يُنْجِزَكُمُوهُ؛ فَيَقُولُونَ: وَمَا هُوَ؟ أَلَمْ يُثَقِّلِ اللَّهُ مَوَازِينَنَا، وَيُبَيِّضْ وُجُوهَنَا، وَيُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ، وَيُنْجِنَا مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ؛ فَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ؛ فَوَاللَّهِ مَا أَعَطَاهُمُ اللَّهُ شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ -يَعْنِي إِلَيْهِ- وَلَا أَقَرَّ لِأَعْيُنِهِمْ».

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك