رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: هدى علي الحوال 18 أغسطس، 2020 0 تعليق

وقفات مع أسماء الله الحسنى – اسم الله الرقيب


إن العلم بأسماء الله الحسنى وصفاته العلا من أشرف العلوم وأجلها؛ فالعلم ينال شرفه بشرف المعلوم، والله -عز وجل- هو المعلوم الذي نتعلم عنه، ومن الأسماء الجليلة التي تشعل جذوة الإيمان في قلب العبد ويزداد بها ثبوتاً ورسوخاً، اسم الله الرقيب، هنا نتناول المعنى وأثر العلم بهذا الاسم.

     ورد اسم الله الرقيب في القرآن الكريم ثلاث مرات، قال -تعالى-:{فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (117) سورة المائدة، وقال -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (1) سورة النساء، وفي قوله: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبًا}(52) سورة الأحزاب.

معنى اسم الله الرقيب

     أما معنى اسم الله الرقيب فقد قال الحليمي: «الرقيب وهو الذي لا يغفل عما خلق فيلحقه نقص أو يدخل خلل من قبل غفلته عنه»، وقال الشيخ السعدي في تفسيره: «الرقيب المطلع على ما أكنته الصدور، القائم على كل نفس بما كسبت، الذي حفظ المخلوقات وأجراها على أحسن نظام وأكمل تدبير»، فالرقيب إذاً هو المطلع على خلقه يعلم كل صغيرة وكبيرة في ملكه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء قال -تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} (70) سورة الحج، فهو الرقيب على أعمال العبد والرقيب على أحوال القلب.

أثر العلم باسم الله الرقيب

     إن العبد إذا تعلم أن الله هو الرقيب أثمر ذلك تحقيق عبادة عظيمة وهي المراقبة، فيوقن العبد أن الله ناظر إليه، سامع لقوله، مطلع على عمله في كل وقت وحين، قال ابن القيم -رحمه الله-: «المراقبة: هي دوام علم العبد وتيقنه باطلاع الحق -سبحانه- على ظاهره وباطنه؛ فاستدامته لهذا العلم واليقين هو المراقبة»، فمن حقق المراقبة ملك زمام نفسه، وجعلها حصناً حصيناً من هجمات الشياطين فيكون في حالة وقاية وحماية مستمرة، فإذا ثبت هذا في قلب العبد لن يمضي أيامه في هذه الدنيا سبهللاً يتحدث بما شاء، ويفعل ما شاء دون مراقبة، فلا تصلح النفس إلا بالمراقبة، فمن راقب خطراته وأقواله وأفعاله وطوعها لله، كان مصلحاً لنفسه قائداً لها إلى طريق الاستقامة.

كيف نحقق المراقبـة؟

     لتحقيق المراقبة لابد من البدء أولا بالقلب، قال - صلى الله عليه وسلم -: «في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله»، ولأن القلب ملك والجوارح جنده فإن العناية به وإصلاحه أوجب وآكد، ومن الأمور التي لابد مراقبتها في القلب: النيات، يقول الحسن: «ماخلد أهل الجنة في الجنة ولا أهل النار بالنار إلا بالنيات».

ميادين القتال والنصرة

     ولنتأمل أخي القارئ ميادين القتال والنصرة في حياة رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم- وصحبه الأبرار، حين توجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى تبوك في جيش قوامه ثلاثين ألف مقاتل في صحارٍ قاحلة أيام عسرة وشدة وقلة ثمار وزاد، حتى أن عمر -رضي الله عنه- قال: أصابنا عطش شديد حتى ظننا أن رقابنا ستتقطع من شدة العطش، وإن الرجل منهم كان ينزل من بعيره ينحره ليعتصر فرثه ويشربه، وبعد أن بلغ بهم الجهد مبلغه، وقفلوا راجعين منصورين قال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن أقواما بالمدينة خلفنا، ما سلكنا شعباً ولا وادياً إلا وهم معنا، حبسهم العذر»، إنهم قوم صدقوا في نياتهم، وجاؤوا رسولَ الله لا يملكون شيئا، قالوا: يا رسول الله، لا زاد ولا راحلة، فقال: لا زاد ولا راحلة!،{تَوَلَّوا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ} سورة التوبة، فجازاهم الله بصدق نواياهم الخير الكثير، فلابد من مراقبة النيات لنيل الأجور السابغات، فالعمل دق أو جل لابد أن يكون لله، وحري بالعبد أن يجاهد في تصحيح نيته في شؤونه كلها، في أفعاله وأقواله بل حتى في صحوته ورقاده، ورب عمل صغير عظمته النية.

مراقبة الخطرات السيئة

     ويراقب أيضاً الخطرات السيئة التي ترد إلى قلبه ولا يعلمها سوى خالقه -سبحانه- الذي يقول: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} سورة ق، وأشار ابن القيم لخطورة تلك الخطرات على قلب المؤمن فيقول: «والخطرات تتولد منها الهموم والعزائم؛ فمن راعى خطراته ملك زمام نفسه، وقهر هواه، ومن غلبته خطراته فهواه ونفسه له أغلب، ومن استهان بالخطرات قادته قهراً إلى الهلكات»، فالخطرات تتسلل إلى القلب خلسة، وإذا لم يكن العبد يقظاً لها أصبح أسيراً لشهواته وأهوائه، وأصبحت الأفكار تحيد به يمنة ويسرة، فيضعف دينه ويذهب إيمانه حتى لايبقى منه شيء.

مراقبة أعمال القلوب

     وكما نراقب النيات والخطرات، فكذلك علينا مراقبة أعمال القلوب، فالقلوب لها أعمال تجزى بها، وهي باطنة خفية مثل: الإخلاص ومحبة الله وتعظيمه، والرضا والافتقار والخوف والرجاء، ويقابلها أيضاً أمراض تعصف في القلب بسبب ضعف اليقين، مثل: سوء الظن والشك والرياء والحسد والكبر، فالقلب عليه مناط العمل كله، فأي عبادة تلك التي ستنهض بالعبد إذا كان قلبه مريضا ضعيفاً؟!

ثانيا: الأعمال الظاهرة

     وتكون مراقبة الأعمال بحفظ حدود الله وشرعه واتباع سنته، وانظر لوصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لابن عباس وهو غلام، قال - صلى الله عليه وسلم -: «ياغلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك..»، والعمل الظاهر ما يصدر من الجوارح، وأشد هذه الجوارح فتكاً اللسان، قال - صلى الله عليه وسلم -: «إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان، فتقول: اتق الله فينا؛ فإنما نحن بك؛ فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا» رواه الترمذي، وقد قال عطاء بن رباح -رحمه الله-: «إن من كان قبلكم كانوا يكرهون فضول الكلام، وكانوا يعدون فضول الكلام ماعدا كتاب الله -تعالى- وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،أو أمراً بمعروف، أو نهياً عن منكر،أو تنطق لحاجتك في معيشتك التي لابد منها أتنكرون أن عليكم حافظين كِرَامًا كَاتِبِينَ {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}؟ أما يستحي أحدكم إذا نشرت صحيفته التي أملاها صدر نهاره كان أكثر مافيها ليس من أمر دينه ولا دنياه».

ثمرة الإيمان باسم الله الرقيب

     إذا تحققت المراقبة وصل العبد إلى أعلى مراتب الإيمان وهي الإحسان، كما وصفها ابن القيم هي لب الإيمان وروحه، «أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك»، فلك أن تتخيل حال عبد يعيش كل تفاصيل يومه ودقائق حياته بهذه الحالة الإيمانية، يعبد الله كأنه يراه، وهو يصلي، وهو يتصدق ويعمل ويصلح ويعفو بهذا العلم اليقيني فنسمو إلى مراتب الإحسان وهو المطلب الأسمى والهدف الأسنى لكل عبد يرجو الفوز برضوان الله.

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك