رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ 7 فبراير، 2011 0 تعليق

وقفات فقهية (9) خلاصة الشرك ونتائجه

 

يقول الله تعالى: {فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون} (يونس: 32).

- أولاً: يقول الله تعالى: {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلي الكبير} (لقمان: 30)، فلا مستند لمن يدعو غير الله، يقول الله تعالى: {قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السموات ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين} (الأحقاف: 4)، ويقول الله تعالى: {أم أنزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون} (الروم: 35).

- ثانيا: حقيقة ما يدعون من دون الله، قول الله تعالى: {إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا، لعنه الله وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا} (النساء: 118 - 119)، وقول الله تعالى: {يأيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب} (الحج: 73)، فما قول دعاة الأولياء في قوله تعالى: {قل من رب السموات والأرض قل الله قل أفاتخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار} (الرعد: 16).

- ثالثا:  عدم استجابة من يدعونهم من دون الله، يقول الله تعالى: {إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين} (الأعراف: 194). وفي المقابل يقول الله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون} (الأعراف: 180). ولم يرد في الكتاب والسنة أن لله عبادا صالحين (أولياء) فادعوهم، بل أوصى الله عباده بقوله: {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون} (الأنعام: 153).

- رابعا: قد يتحقق لبعض المخالفين شيء من الوهم فيما يريدونه، وقد مر بكثير من الناس شيء من ذلك، بسبب الخوف أو الرجاء أو الجهل، أو إيهام الغير لهم، أو وسوسة الشياطين، يقول الله تعالى: {قل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا قل إن هدى الله هو الهدى وأمرنا لنسلم لرب العالمين} (الأنعام: 71).

فمنها: ما يفعله شياطين الإنس، من سدنة الأضرحة، وأصحاب الهوى وأتباعهم، أكبر من ذلك، باختلاقهم قصص الكذب وترويجهم لها والتمثيل، بأن يأتي المعافى صحيح البدن محمولا لذلك الضريح ثم يقوم نشطا بدعوى أن الولي هو الذي شفاه. والله يقول: {ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح الظالمون} (الأنعام: 21) {وإذا مرضت فهو يشفين}.

ومنها: أن يكون الأمر امتحانا من الله وابتلاء، يقول الله تعالى: {الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين} (العنكبوت: 1-3).

- خامسا: هنا فروق بين المستقدمين من المشركين والمتسأخرين منهم منها:

1- علم المستقدمون بمعنى العبادة فأقروا بشركهم وبرروه، يقول الله تعالى: {والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار} (الزمر: 3)، وجهل المستأخرون معنى العبادة فأنكروا شركهم وبرروا عملهم يقول الله تعالى: {ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون} (يونس: 18).

2- جهل المستقدمون قبور الأولياء فأقاموا لهم الأصنام في كل مكان، وعلم المستأخرون بقبور الأولياء فأقاموا لهم الأضرحة في المساجد وبالقرب منها وبالغوا في ذلك فجعلوا لبعض الأولياء أكثر من ضريح كما هو مشاهد في العراق والشام ومصر.

3- وفي قول الله تعالى: {فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون} (العنكبوت: 65) يقول شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله: إن مشركي زماننا أغلظ شركا من الأولين، لأن الأولين يشركون في الرخاء ويخلصون في الشدة، ومشركو زماننا شركهم دائم؛ في الرخاء والشدة.

النتيجة: سيقسم المشركون أنهم كانوا لفي ضلال مبين، يقول الله تعالى: {قالوا وهم فيها يختصمون تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين وما أضلنا إلا المجرمون فما لنا من شافعين ولا صديق حميم فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم} (الشعراء: 96-104).

تعريف الكفر

يقول الله تعالى: {إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر الله لهم} (محمد: 34).

- أولا: الكفر ضد الإيمان. وفي التفاسير الكفر مأخوذ من الكفر وهو الستر والتغطية، تقول: كفرت الشيء إذا غطيته ومنه سمي الزارع كافرا؛ لأنه يستر الحب بالتراب، ويسمى الكافر كافرا؛ لأنه يستر نعم الله تعالى وحقوقه بكفره ويصير في غطاء من دلائل الإسلام وبراهينه، وما دام الكفر سترا، فالكفر أمر طارئ، وهو عدم القيام بشرائع الإسلام، ومخالفة الدين كله أو بعضه، وهو أنواع:

1- عدم الدخول في دين الله ظاهرا وباطنا ابتداء، وهو الكفر الأصلي.

2- الخروج من الدين كله ظاهرا وباطنا، وهو الردة.

3- الخروج من الدين كله باطنا فقط، وهو النفاق.

4- مخالفة الدين في بعض أصوله، وهو المعصية وقد تصل بصاحبها إلى الكفر.

5- الزيادة في الدين وهو البدعة، وقد تصل بصاحبها إلى الكفر.

والكفر نوعان كفر أكبر مخرج من الملة، وكفر أصغر لا يخرج من الملة:

- أولا: الكفر الأكبر المخرج من الملة ينقسم لعدة أقسام:

1- كفر الكذب على الله أو التكذيب، يقول الله تعالى: {ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه أليس في جنهم مثوى للكافرين} (العنكبوت: 68).

2- كفر الشرك في عبادة الله تعالى: {إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار} (المائدة: 72) أو يجعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم أو يسألهم الشفاعة قال الله تعالى: {أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون} (الزمر: 43).

3- كفر الإباء والاستكبار ولو مع التصديق، يقول الله تعالى: {فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين} (البقرة: 34).

4- كفر الشك، يقول الله تعالى: {ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي وما أظن الساعة} (فصلت: 50).

5- كفر الإعراض لقوله تعالى: {ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا} (الكهف: 57).

6- كفر الاستهزاء، بشيء من ثواب الله أو عقابه أو رسوله [ أو دينه لقوله تعالى: {قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون، لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم} (التوبة: 66) أو اعتقد أن غير هدى النبي [ أكمل من هديه {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم}.

7- كفر من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم، أو ظاهرهم بموالاتهم ومعاونتهم على المسلمين، يقول تعالى: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين} (المائدة: 51).

- ثانيا: الكفر الأصغر غير المخرج من الملة وهو الكفر العملي وهو كل ذنب ورد في الكتاب والسنة تسميته كفرا وهو لا يصل إلى حد الكفر الأكبر، قال عنه العلماء: بأن المراد به كفر دون كفر وليس المخرج من ملة الإسلام، واحتجوا لهذا بأحاديث كثيرة يصرح فيها النبي [ بالكفر وليس مراده الخروج من ملة الإسلام، روى ابن أبي حاتم والحاكم، عن ابن عباس أنه قال: ليس الكفر الذي تذهبون إليه. وقال المجد في المنتقى: وقد حملوا أحاديث التكفير على كفر النعمة.. فمثل قوله [: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر» متفق عليه، ومع ذلك سمى المتقاتلة إخوة: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما} إلى قوله تعالى: {إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم} (الحجرات: 10). وعن أبي ذر أنه سمع رسول الله [ يقول: «ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر..» متفق عليه.

     وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله [: «اثنتان في الناس هما بهم كفر، الطعن في النسب والنياحة على الميت» رواه أحمد ومسلم.. فتبين أن مراده غير الكفر المخرج عن ملة الإسلام، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وبهذا تبين أن الشارع ينفي اسم الإيمان عن الشخص؛ لانتفاء كماله الواجب وإن كان معه بعض أجزائه كما في الصحيح «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم وهو مؤمن» ومنه قوله: «من غشنا فليس منا ومن حمل علينا السلاح فليس منا» انتهى. وأمثاله في السنة كثير، ومع ذلك فعلينا الحذر فقد ينتهي الكفر الأصغر بصاحبه إلى الكفر الأكبر، يقول الله تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} (النور: 63).

- ثالثا: الفرق بين الكفر الأكبر والكفر الأصغر يتلخص فيما يلي:

1- الكفر الأكبر مخرج من الملة ومحبط للأعمال، ويخلد صاحبه في النار، ويوجب العداوة الخالصة لصاحبه، وعدم موالاته ومحبته ولو كان أقرب قريب.

2- بخلاف الكفر الأصغر في تلك الأمور، وإنما يبغض بما فيه من المعاصي.

- ختاما: وللخلاص من الكفر كله، يقول الله تعالى: {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين} (الأنفال: 38).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك