رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ 10 يناير، 2011 0 تعليق

وقفات فقهية (6)- تعريف أخذ العزة بالإثم

 

يقول الله تعالى: {وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد} (البقرة: 206)، والوقفات هنا هي:

أولا: أخذته العزة بالإثم: أي حمله على الباطل اعتزازه بالباطل، فالتزمهُ، فلم يقبل سواه، فالكبر، وحمية الجاهلية والجهل يحمله على مزيد من الآثام التي يُنهى عنها، معتزا بها: فكان إثمه سببا لأخذ العزة له؛ وغالبا ما يكون أخذ العزة بالإثم من بعد ما يتبين الحق والعلم به.

     يقول الله تعالى: {يجادلونك في الحق بعدما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون} (الأنفال: 6). ويكون ذلك تعنصرا لجنس، أو استكبارا وحسدا وهما مرتبطان، أو اتباعا لموروث باطل يقول الشاعر:

أخذتـــــه عــــزة مــــن جهــــله

                                          فتولى مغضبا فعل الضجر

- ثانيا: كثيرا ما يكون أخذ العزة بالإثم كرها لمن أتى بالحق، أو احتقارا له، أو لموطنه، يقول الله تعالى: {وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم، أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون} (الزخرف: 31، 32) ومنه، قول الله تعالى: {قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون} (الشعراء: 111). أو تسفيها لهم {وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم} (الأحقاف: 11).

- ثالثا: وعن العنصرية: يقول الله تعالى: {بل الذين كفروا في عزة وشقاق} (ص:2). تعنصروا لكفرهم وكانت العقابة: {كم أهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا ولات حين مناص} (ص: 3). وفي إبليس {قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين، قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين} (ص: 70 - 76). تعنصر لأصله، والعاقبة: {قال فاخرج منها فإنك رجيم، وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين} (ص: 77 - 78) وقال آل فرعون {أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون} (المؤمنون: 47)، تعنصروا لسيادتهم، والعاقبة: {فكذبوهما فكانوا من المهلكين} (المؤمنون: 48). وقوم نوح {قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون} (الشعراء: 111)، والعاقبة {فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون، ثم أغرقنا بعد الباقين، إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين} (الشعراء 119-121).

- رابعا: أما الاستكبار، فيقول الله تعالى في الكفار: {استكبارا في الأرض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله} (فاطر: 43). وفي استكبار ومكر إبليس، يقول الله تعالى: {فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين} (البقرة: 34). وفي آل فرعون قال: {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين} (النمل: 14).

- خامسا: وأما عن الحسد، فيقول الله تعالى: {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما} (النساء: 54). فهم حسدوا الرسل: قال تعالى: {أءلقي الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر} (القمر: 25) وكذا المؤمنين: {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق} (البقرة: 109). والحسد فتنة، يقول الله تعالى: {وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء منّ الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين} (الأنعام: 53).

- سادسا: أما اتباع الموروث الباطل، بادعاء اتباع الآباء، لمحبتهم ولو كانوا على ضلال يقول الله تعالى: {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون} (البقرة: 170) وقول الله تعالى: {وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون، قال أو لو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون، فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين} (الزخرف: 23-25) ظنا منهم أن مشاركتهم لآبائهم أو سادتهم عذاب الله، برا لهم، يقول الله تعالى: {ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون} (الزخرف: 39).

- سابعا: ومن الأخذ بالعزة بالإثم الإصرار على الشرك بالله، والدعوة إليه، وهذا ما عانى منه الأنبياء والرسل والدعاة إلى الله، يقول الله تعالى: {تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار، لا جرم أنما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة وأن مردنا إلى الله وأن المسرفين هم أصحاب النار، فستدذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد} (غافر: 41-44).

      وفي الدر المنثور (1/479): أخرج وكيع وابن المنذر والطبراني والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود ] قال: إن من أكبر الذنب عند الله أن يقول الرجل لأخيه: اتق الله، فيقول: عليك بنفسك، أنت تأمرني؟! وأخرج أحمد في الزهد. أن رجلا قال لعمر ]: اتق الله.. فقال عمر: وما فينا خير إن لم يقل لنا، وما فيهم خير إن لم يقولوها لنا.

      فلندع أخذ العزة بالإثم: ومنها تلك الطرق التي أحدثت بعد رسول الله [ وفرقت هذه الأمة والله تعالى يقول: {وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون} (المؤمنون: 52) وفي صحيح مسلم عن النبي [: «فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة» الحديث، فالدين كمل فلا حاجة للزيادة فيه أو النقص منه بابتداع طرق لم ينزل الله بها من سلطان، يقول الله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} (المائدة: 3) فلا نجاة لنا إلا بالاتباع، لقوله تعالى: {اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون} (الأعراف: 3) ولا ابتداع ولا عزة بإثم بل: {واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا واتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور} (المائدة: 7).

الخلاصة: فبعد معرفة أعظم أسباب الضلال في الدين، لتجنبها وهي كما مر بنا، أمور خمسة:

1- الإعراض عن القرآن وتدبره.

2- عدم العلم بمعنى العبادة.

3- عدم الإحاطة بالمراد بالتوسل.

4- الجهل بحقيقة الشفاعة.

5- الأخذ بالعزة بالإثم من بعد ما تبين الحق..

      إلا أن كثيرا من الغلاة (هدى الله الجميع للحق) على إصرارهم، بالرغم مما حبا الله الكثير منهم من ذكاء، وثقافة، فغالبا إذا قيل لهم اتقوا الله أخذتهم العزة بالإثم، فهم يدعون الأموات خوفا وطمعا، رجاء ورغبة، رهبة وتضرعا، يتوسلون ويستعينون ويستغيثون بهم ويطوفون حول أضرحتهم، ويتقربون بالذبح والنذر لهم، وإقامة الموالد، ودفع الأموال لسدنتها، يقول الله تعالى: {ويجعلون لما لا يعلمون نصيبا مما رزقناهم تالله لتسئلن عما كنتم تفترون} (النحل 56)، ويقول تعالى: {فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون} (الأنفال: 36). يطلبون بها الشفاعة والله تعالى يقول: {ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون} (يونس: 18)، يريدونها زلفى إلى الله، والله تعالى يقول: {والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كذاب كفار} (الزمر: 3).

      يطلبون منهم المدد والرزق، والله تعالى يقول: {إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون} (العنكبوت: 17). فإن لم يكن ما يفعلونه عبادة للأولياء فما هي العبادة؟ فليعرفوا لنا العبادة! وإن لم يكن ذلك شركا فما هو الشرك؟ فليعرفوا لنا الشرك؟! فعلى المؤمن حقا الالتزام بما يعاهد الله عليه في كل صلاة: {إياك نعبد وإياك نستعين}، {ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما} (الفتح: 10).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك