رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ 3 يناير، 2011 0 تعليق

وقفات فقهية (5) تعريف الشفاعة

يقول الله عز وجل: {قل لله الشفاعة جميعا له ملك السموات والأرض ثم إليه ترجعون} (الزمر: 44).

أولاً: الشفاعة من الشفع: المقابل للوتر، وهما (الشافع والمشفوع له)، وهي دعاء الشافع للمشفوع له لقضاء حاجته، وقالوا هي: طلب الخير للغير، أو طلب دفع الشر عنه.

 ثانياً: الشفاعة نوعان: شفاعة بين البشر بعضهم لبعضهم، وشفاعة بين الخالق وعباده.

1 - فالشفاعة بين البشر حث عليها الإسلام، ففي الصحيحين عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله[ إذا جاءه السائل أو طلبت إليه حاجة، قال: «اشفعوا تؤجروا»، ويقضي الله على لسان نبيه[ ما شاء، وحيث إن المشفوع إليه هنا بشر لا يعلم حقيقة الأمر، فقد قال الله تعالى: {من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن لها كفل منها وكان الله على كل شيء مقيتا} (النساء: 85)، فعلى الشافع تحري الحق والصدق وعدم ظلم الغير وألا تكون في حرام، لتكون شفاعته حسنة.

2 - أما الشفاعة بين الله تعالى وعباده، فهي: الدعاء لله من الشافع للمشفوع له لقضاء حاجته، فعلى الراغب فيها أن يدعو الله: اللهم شفع في عبدك فلانا، فإن كانا أهلا للشفاعة (الشافع والمشفوع له) فحري أن يستجيب الله لهما بفضله، وإلا نجا من الإثم لكونه دعا ربه ولم يدعُ الشافع، وأفضلها أللهم ربنا شفع فينا نبيك محمداً[ وعبادك الصالحين، وإن تشفّع بدعائه الله لنفسه مباشرة فحسن، لقوله تعالى: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم} والله أعلم.

ثالثاً: الشفاعة تنقسم إلى قسمين:

1 - شفاعة غير شرعية، منفية: وهي التي تطلب من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، أو تطلب من ميت أو لمن أو ممن ليس أهلا لها، نفاها القرآن وهي: ما كان فيها شرك أو لمشرك، يقول الله تعالى: {ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاءُ لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون} (الأنعام: 94).

2 - شفاعة شرعية مثبتة، وهي: التي تطلب من الله، وهذه لا تكون إلا لأهل التوحيد.

رابعاً: الشفاعة الشرعية كرامة من الله: إما للشافع، أو للمشفوع له.

وهي لا تطلب من الشافع إلا في حياته.

فالكرامة للشافع: ما ثبت للنبي[ من الشفاعة العظمى، وهي المقام المحمود، وغيرها من الشفاعات، ومنها ما يشاركه فيها غيره من الأنبياء والصالحين ومن شاء الله؛ فالشفاعة العظمى كما في الصحيحين أن النبي[ أخبر: «أنه يأتي فيسجد لربه ويحمده» (لا يبدأ بالشفاعة حتى يأذن الله له) «ثم يقال له: ارفع رأسك، وقل يسمع، وسل تعط، واشفع تشفع» الحديث(1).

      وأما الكرامة للمشفوع له فأبرزهم من مات لا يشرك بالله شيئا، ففي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله[: «إن لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي» وزاد أحمد: «فهي نائلة إن شاء الله من مات لا يشرك بالله شيئا»(2)، وقال أبو هريرة للنبي[: «من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه»(3)، فتلك الشفاعة لأهل الإخلاص بإذن الله.

      فلا شفاعة لمن أشرك بالله، فلم يقبل الله شفاعة نوح - عليه السلام - لابنه، يقول الله تعالى: {ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين، قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين} (هود: 45 - 46)،  فابنه لم يكن أهلا للشفاعة، وكذا شفاعة إبراهيم - عليه السلام - لأبيه: {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم} (التوبة: 114)، وقد نهى الله عن الاستغفار والشفاعة للمشركين بقوله تعالى: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم} (التوبة: 113)، وفي الصحيحين وغيرهما واللفظ للبخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قام رسول الله[ حين أنزل الله عز وجل: {وأنذر عشيرتك الأقربين} (الشعراء: 214) قال: «يا معشر قريش، أو كلمة نحوها، اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئا، يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئا، يا عباس بن عبدالمطلب لا أغني عنك من الله شيئا، ويا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا، ويا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئا» وأنه[ لا يقول إلا حقا: {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير} (الحج: 62).

وللشفاعة شرطان:

1 - إذن الله للشافع أن يشفع.

2 - ورضاه عن المشفوع له.

يقول الله تعالى: {وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى} (النجم: 26)، والله لا يرضى لمشرك، قال الله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} (النساء: 48).

خامساً: الشفاعة لله جميعا: قال الله تعالى: {قل لله الشفاعة جميعا له ملك السموات والأرض ثم إليه ترجعون، وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون} (الزمر: 44 - 45) {اشمأزت قلوبهم} يريدون لأوليائهم الأموات شأنا في الشفاعة.

الهوامش

1 - البخاري تفسير سورة النمل، باب قوله تعالى: {ذرية من حملنا مع نوح}، ومسلم رقم 194.

2 - رواه البخاري، باب لكل نبي دعوة مستجابة ومسلم رقم 199، ورواه الإمام أحمد 2/275، وغيرهم.

3 - رواه البخاري في العلم، باب عظة الإمام رقم 6201.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك