رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ 26 ديسمبر، 2010 0 تعليق

وقفات فقهية (4) تعريف الوسيلة

 يقول الله تعالى: {يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون} (المائدة: 35)، وفيه وقفات:

أولاً: الوسيلة هي: الطريق التي تقرب إلى الشيء وتوصل إليه؛ ففي الدر المنثور: أخرج الترمذي وابن مردويه واللفظ له عن أبي هريرة ] قال قال رسول الله [: «سَلُوا الله الوسيلة» قالوا: «يا رسول الله وما الوسيلة؟ قال: القرب من الله ثم قرأ: {يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته} (الإسراء: 57)، وكذا قال ابن عباس وكثير من التابعين.

      وقال قتادة أي تقربوا إليه بطاعته واعملوا بما يرضيه. وهي في الشرع، العمل الصالح بإجماع العلماء. وجمهور العلماء هي: القربة إلى الله بطاعته وطاعة رسوله، فهي الطريقة الموصلة إلى رضى الله تعالى ونيل ما عنده من خير والنجاة من العقاب، يقول الله تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب} (الحشر: 7)، فهذا هو التوسل الوحيد ولا غير وهو أصل الدين، وهذا لا ينكره أحد من المسلمين، أما غير ذلك، فيقول الله تعالى: {قل ادعوا الذين زعمتهم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا} (الإسراء: 56).

      كما أن الوسيلة هي سلوك الصالحين من عباد الله: {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا} (الإسراء: 57). روى مسلم (3030) عن عبدالله بن مسعود ] قال: «نزلت في نفر من العرب كانوا يعبدون نفرا من الجن، فأسلم الجنيون، والإنس الذين كانوا يعبدونهم لا يشعرون، فنزلت الآية».

- ثانيًا: لم يأمر الله بعبادة إلا بينها، فالوسيلة التي أمر الله بها واضحة ومحددة في كتاب الله وسنة رسوله، يقول الله تعالى: {وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون إن الله بكل شيء عليم} (التوبة: 115)، ويقول الله تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} (النحل: 44).

- ثالثًا: حصر التوسل بثلاث وسائل لا غير: بأسماء الله الحسنى، وبعمل مشروع صالح خالص لله، وبطلب دعاء رجل صالح في حياته.

1) التوسل بأسماء الله الحسنى أو بصفة من صفاته: يقول الله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون} (الأعراف: 180).

2) التوسل بالعمل الصالح الخالص المشروع: ومثاله قوله تعالى: {الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار} (آل عمران: 16)، آمنوا وتوسلوا بإيمانهم وطلبوا المغفرة، وفي الصحيحين: «انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوه، فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار، فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم..» الحديث (فهم رجال مؤمنون اشتدت بهم الكربة بانحدار صخرة سدت عليهم الغار، فلجؤوا إلى الله وحده بالدعاء متوسلين إليه بأعمال لهم صالحة خالصة لله، توسل الأول ببره بوالديه، والثاني بتركه الزنى وهو قادر عليه، والثالث بحفظه حق أجيره المؤتمن عليه. وكلهم كان يقول: «اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فاستجاب الله لهم، فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون». كما أن تقوى الله عمل صالح ووسيلة لقبول العمل الخالص: {إنما يتقبل الله من المتقين} (المائدة: 27).

3) التوسل بطلب دعاء رجل صالح وذلك في حياته: يقول الله تعالى: {وما يستوي الأحياء ولا الأموات إن الله يُسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور} (فاطر: 22). ومثاله طلب إخوة يوسف ذلك من أبيهم في حياته: {قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين} (يوسف: 97)، ووعدهم {قال سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم} (يوسف: 98)، وطلبوا إلى أخيرهم يوسف عفوه ودعاءه: {قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين} فعفا عنهم: {قال لا تثريب عليكم اليوم} ودعا لهم: {يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين} (يوسف: 91- 92). وفي البخاري وغيره، عن أنس أن عمر بن الخطاب ] كان إذا قُحطوا استسقى بالعباس بن عبدالمطلب ] فقال: «اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا (أي بدعائه في حياته [)، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا»، قال: فيسقون، أي إنهم يتوسلون بدعائه لا بذاته ولهذا عدلوا عن التوسل به [ إلى التوسل بعمه العباس، فلما عدلوا عُلم أن ما كان يفعله في حياته [ قد تعذر بموته دائما، وفحواه أن حياته [ بعد وفاته مخالفة لحياته قبل الوفاة؛ ذلك أن الحياة البرزخية غيب لا يعلمه ولا يدرك كنهه إلا الله سبحانه، بخلاف التوسل بالإيمان به وبطاعته [ فانه مشروع، بل هو فرض لا يتم الإيمان إلا به.

     وأما العباس ] فقام لله بالدعاء وقال: «اللهم إنه لا ينزل بلاء إلا بذنب ولم يكشف إلا بتوبة، وقد توجه بي القوم إليك لمكاني من نبيك وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث، فأرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض».

- رابعًا: أما وسيلة المؤمن بعد مماته: فعن أبي هريرة ] أن رسول الله [ قال: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاث إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له». فالصدقة الجارية أمرها عظيم: {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة} (النساء: 114)، والعلم ميراث الأنبياء إذا تم تبليغه: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب} (الزمر: 9) ودعاء الولد الصالح يكون بتقوى الله في حسن تربية من نعول، وندعو الله: {ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما} (الفرقان: 74)، ودعاء الولد الصالح قد يشمل كل من أحسنت إليه بمال أو علم أو خلق حسن ممن عرفك، أو سمع بذلك عنك، والله يقول: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون} (يونس: 26).

- خامسًا: تأتي الوسيلة المشروعة في الكتاب والسنة بعدة صيغ (أساليب) منها:

1- بالأمر: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون} (النور: 56).

2- وبالبيان كقوله تعالى: {هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكّر أولو الألباب} (إبراهيم: 52)، أي اعلموا أنما هو إله واحد فوحدوه.

3- وبالتحريم والنهي: {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون} (الأنعام: 151). وقوله تعالى: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} (الأعراف: 33).

4- وبالجمع بين البيان والأمر والنهي، قال تعالى: {يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن، فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض، وقلن قولا معروفا، وقرن في بيوتكن، ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى، وأقمن الصلاة، وآتين الزكاة، وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} (الأحزاب: 33) ونساء النبي [ قدوة صالحة للمؤمنات.

5- وبالمدح والإقرار، يقول تعالى عن الأنبياء: {إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين} (الأنبياء: 90)، وكذلك: {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده} (الأنعام: 90).

6- وبالذم والإنكار للترك، كقوله تعالى: {يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد يدعوا لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير} (الحج: 12-13) أي اجتنبوا ذلك كله.

- سادسًا: ومن أفضل الوسائل المشروعة بعد توحيد الله الدعوة إلى الله على بصيرة وعلم، يقول الله تعالى: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين} (يوسف: 108)، وصح عنه [ قوله: «فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا، خير لك من حمر النعم» متفق عليه. فالدعوة إلى الله عمل صالح ووسيلة مشروعة ينفع الله بها المؤمن في حياته وبعد مماته فله مثل أجورهم لا ينقص من أجر من عمل بدعوته شيئا إلى يوم القيامة، ولا يناله من ذنوبهم شيء وما سبق أن قيل في الدعاء يقال في التوسل؛ لأن الدعاء كله وسيلة وتوسل للتقرب إلى الله تعالى والله أعلم.

- سابعًا: نختصر قول الإمام ابن تيمية رحمه الله في قوله تعالى: {وابتغوا إليه الوسيلة}، إذ يقول: لفظ التوسل يُراد به ثلاثة معان:

أحدها: التوسل بطاعته [: {من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا} (النساء: 80)، فهذا فرض لا يتم الإيمان إلا به.

ثانيها: التوسل بدعائه وشفاعته [ وهذا كان في حياته.. ويكون يوم القيامة بشفاعته بعد أن يأذن الله له.

ثالثها: التوسل به بمعنى الإقسام على الله بذاته (أي الرسول) والسؤال بذاته فهذا لم تكن الصحابة يفعلونه في الاستسقاء ونحوه لا في حياته ولا بعد مماته، لاعند قبره ولا غير قبره، ولا يعرف هذا في شيء من الأدعية المشهورة بينهم، قال أبوحنيفة وأصحابه: إنه لا يجوز، ونهوا عنه حيث قالوا: لا يسأل بمخلوق ولا يقول أحد: أسألك بحق أنبيائك، وفي شرح الكرخي باب الكراهة قال: وقد ذكر هذا غير واحد من أصحاب أبي حنيفة. قال بشر بن الوليد: حدثنا أبو يوسف، قال أبو حنيفة: لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به - أي إلا بالله - وأكره أن يقول بحق فلان أو بحق أنبيائك ورسلك وبحق البيت الحرام والمشعر الحرام. قال القدوري: المسألة بخَلْقه لا تجوز، لأنه لا حق لخلق على الخالق فلا تجوز وفاقا. انتهى. {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير} (الحج: 62).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك