رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ 21 يونيو، 2011 0 تعليق

وقفات فقهية (27)التعريف بإنكار نعمة الله بعد معرفتها

 

يقول الله تعالى: {يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون} (النحل: 82) وهنا وقفات لابد لنا منها:

- أولا: النعمة هي الخير والفضل، وأصل النعيم كل حال ناعمة من النعومة والليونة ضد الخشونة واليبوسة والشدائد، وهي الحالة التي يستلذ بها الإنسان، والأصل فيها عموم رحمة الله، وهي ما آتاهم الله من الصحة، والأمن، والكفاية. ووصف الله عباده الصالحين بإنعامه عليهم: {صراط الذين أنعمت عليهم} (الفاتحة: 7)، ووصف جناته بالنعيم: {ولأدخلناهم جنات النعيم} (المائدة: 65).

- ثانيا: وإنكار النعمة هو ترك القيام بما وجب عليهم من العلم بمعرفتها، يقول الله تعالى: {واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا واتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور} (المائدة: 7). قال ابن قتيبة: يقولون: هذا بشفاعة آلهتنا، اهـ. وحينما أنعم الله على قارون أنكر نعمة الله عليه: {قال إنما أوتيته على علم عندي} (القصص: 78). وقال قتادة: على علم مني بوجوه المكاسب اهـ. فمن أعلمه بوجوه المكاسب؟ وقول الله تعالى: {ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة} (فصلت: 50). قال مجاهد: هذا بعملي وأنا محقوق به، وقال آخرون: على علم من الله أني له أهل. وقال عون ابن عبدالله: يقولون: لولا فلان لم يكن كذا.

- ثالثا: قول الله تعالى: {وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون} (الواقعة: 82) ففي الصحيحين عن زيد بن خالد الجهني قال: صلى لنا رسول الله [ صلاة الصبح بالحديبية على أثر سماء كانت من الليلة، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: «هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال إصبح من عبادي مؤمن وكافر فأما من قال: مُطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي وكافر بالكوكب، وأما من قال: مُطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي ومؤمن بالكوكب» وإنما أضافوا نزول المطر إلى نوء كذا وكذا، فمن وقت لنزوله وأنزله؟ ولو شاء الله لمنعه! فهذا كفر بالنعمة التي يجب أن تضاف إلى المنعم بشكره، وفي الحديث القدسي: «إني والجن والإنس في نبأ عظيم، أخلق ويُعبد غيري، وأرزق ويشكر غيري».

- رابعا: أما المؤمن فمتمثل لقوله تعالى: {وأما بنعمة ربك فحدث}، لقوله تعالى: {وما بكم من نعمة فمن الله} (النحل: 53). وقوله تعالى: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار} (إبراهيم: 34)؛ رجاء لقوله تعالى: {وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم} وخوفا من تمام الآية: {ولئن كفرتم إن عذابي لشديد} (إبراهيم: 7) والله أعلم.

عدم القول في الدين ما ليس لنا به علم

      يقول الله تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا} (الإسراء: 36) وذلك بسوء التأويل والاستنتاج الخاطئ.

      ومثاله عندما سُئل أحد الغلاة عند ترويجه لدعاء الأموات مع الله ما هو دليله؟ قال: لقاء نبينا محمد بموسى صلى الله عليهما وسلم، مشيرا إلى حديث المعراج، يقول الله تعالى: {ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أولئك يعرضون على ربهم ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين} (هود: 18). تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا. ولبيان ذلك نقول وبالله التوفيق:

- أولا: لم يذهب رسول الله [ إلى ضريح موسى عليهما السلام، بل عُرج به إلى ربه ومعبوده الحي القيوم تشريفا له، وكرامة لأمته ولفرض أعظم أركان التوحيد بعد الشهادتين، ألا وهو الصلاة.

- ثانيا: وقف رسول الله [ بين يدي الله تعالى، وليس في حاجة لأحد من خلق الله.

- ثالثا: لقاء النبي [ لم يكن خاصا بموسى \ بل مر في طريقه بجمع من الأنبياء كما ورد في الحديث، من آدم إلى عيسى عليهم أفضل الصلاة والسلام.

- رابعا: لم يطلب نبينا محمد [ من موسى \ الشفاعة ولم يقصده للبركة، ولم يعده موسى بذلك. بل موسى \ بادره بسؤاله فقال: «ماذا فرض ربك على أمتك»؟ قال [: «قلت: فرض عليهم خمسين صلاة». فكان موقف موسى \ موقف الموحد لربه، فذكره بما يجب على كل مؤمن موحد أن يعمله قال له: «فراجع ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك» ولم يقل ارجع إلى سواه، كما سنرى في الحديث.

- خامسا: انظر كيف يجعلون قمة التوحيدة قاعدة للشرك، وصدق الله حيث يقول: {إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون} (الأعراف: 27-29)، ولم يقل عند كل ضريح أو ولي.

ويستحسن بنا استعراض الحديث المشار إليه:

      ففي الصحيحين وغيرهما عن أنس بن مالك قال: كان أبوذر يحدث أن رسول الله [ قال: «فرج سقف بيتي وأنا بمكة فنزل جبريل [ ففرج صدري ثم غسله من ماء زمزم ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا فأفرغها في صدري ثم أطبقه، ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء فلما جئنا السماء الدنيا قال جبريل \ لخازن السماء الدنيا افتح، قال: من هذا؟ قال هذا جبريل، قال: هل معك أحد؟ قال نعم معي محمد [، قال: فأُرسل إليه؟ قال: نعم. ففتح قال فلما علونا السماء الدنيا فإذا رجل عن يمينه أسودة، وعن يساره أسودة قال فإذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى، قال فقال: مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح قال قلت: يا جبريل من هذا؟ قال هذا آدم [ وهذه الأسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه، فأهل اليمين أهل الجنة والأسودة التي عن شماله أهل النار؛ فإذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى، قال: ثم عرج بي جبريل حتى أتى السماء الثانية فقال لخازنها افتح قال فقال له خازنها، مثل ما قال: خازن السماء الدنيا ففتح. فقال أنس بن مالك: فذكر أنه وجد في السماوات آدم وإدريس وعيسى وموسى وإبراهيم صلوات الله عليهم أجمعين ولم يثبت كيف منازلهم غير أنه ذكر أنه قد وجد آدم \ في السماء الدنيا وإبراهيم في السماء السادسة، قال: فلما مر جبريل ورسول الله [ بإدريس صلوات الله عليه قال مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح قال فقلت من هذا؟ فقال هذا إدريس قال ثمر مررت بموسى \ فقا لمرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح قال قلت من هذا؟ قال هذا موسى قال ثم مررت بعيسى فقال: مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح قلت: من هذا قال هذا عيسى ابن مريم قال ثم مررت بإبراهيم \ فقال مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح، قال: قلت من هذا قال هذا إبراهيم. قال ابن شهاب وأخبرني بن حزم أن بن عباس وأبا حبة الأنصار يكانا يقولان قال رسول الله [: ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام، قال بن حزم وأنس بن مالك قال رسول الله [: ففرض الله على أمتي خمسين صلاة قال فرجعت بذلك حتى أمر بموسى فقال موسى \: ماذا فرض ربك على أمتك؟ قال: قلت فرض عليهم خمسين صلاة قال لي موسى \: فراجع ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك قال فراجعت ربي فوضع شطرها، قال فرجعت إلى موسى \ فأخبرته قال: راجع ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك قال: فراجعت ربي فقال: هي خمس وهي خمسون لا يبدل القول لدي قال فرجعت إلى موسى فقال: راجع ربك، فقلت: قد استحييت من ربي، قال: ثم انطلق بي جبريل حتى نأتي سدرة المنتهى فغشيها ألوان لا أدري ما هي، قال: ثم أدخلت الجنة فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ وإذا ترابها المسك»، انتهى.

1- فهذا خازن السماء \ ملك عظيم كلف بأمر عظيم لم يعلم أن جبريل هو الذي يطلب منه الفتح ولم يعلم أن معه أحدا ولم يعلم أن محمدا [ أُرسل إليه. حتى سأل جبريل فأجابه.. وكذا خازن السماء الثانية لم يعلم حتى سأل.

2- وهذا نبينا محمد [ لم يعلم أن هذا آدم \ ولا هذا موسى ولا هؤلاء الأنبياء حتى أخبره جبريل، والنبي [ مر بموسى ولم يكن يقصده.

3- وهذا موسى \ لم يعلم ما فرض الله على أمة محمد [ حتى سأله فأخبره، ولم يشفع موسى لنبينا عليهما الصلاة والسلام في أمر الصلاة ولا غيرها، بل أمره أن يرجع إلى ربه ولم يسأله نبينا الوساطة أو الشفاعة وهذا هو التوحيد؛ ولهذا بعث الله الرسل لعباده.

4- فهؤلاء عظماء خلق الله لا يعلمون الغيب فمن دونهم أولى بعدم علم الغيب، فالأموات لا يسمعون دعاء الداعين ولا ينفعونهم، وصدق الله حيث يقول: {قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا} (الإسراء: 56).

- الخلاصة: قول الله تعالى: {والذين يدعون من دونه ما يملكون من قطمير إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير} (فاطر: 13 - 14) وقال الله تعالى: {قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى آلله خير أما يشركون} (النمل: 59).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك