رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ 14 يونيو، 2011 0 تعليق

وقفات فقهية (26)الركون إلى الذين ظلموا والحذر من مكرهم (2-2)

 

تحدثنا في الحلقة السابقة  عن عدم الركون إلى الذين ظلموا والحذر منهم، وذكرنا أنهم أهل الكتاب وقد نهى الإسلام عن الإعجاب ببدعهم وضلالهم، وذكرنا أيضاً سماحة الإسلام وحرصه على السلام، وكذلك الحذر من التشبه بهم وتقليدهم ، والحذر من مكرهم، ونستكمل في هذه الحلقة ماتبقى من معاني الركون إلى الذين ظلموا.


حادي عشر: زعموا أنهم يراعون حقوق الإنسان، وكان الإسلام خالياً من الإنسانية وحقوقها، والله تعالى يقول: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين} (الأنبياء: 47)، فلا تظلم نفس مؤمن أو كافر، وقوله: {وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا} (البقرة: 83). وكلمة «للناس» تشمل المسلم وغيره، وهو ما يوضحه قوله[: «من سره أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويأتي إلى الناس ما يُحب أن يؤتى إليه»، وأخرج أحمد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان: عن عائشة، عن رسول الله [: قال: «الدواوين يوم القيامة ثلاثة: ديوان لا يغفره الله، وديوان لا يعبأ الله به شيئا، وديوان لا يدعه الله لشيء، فأما الديوان الذي لا يغفره فإن الله لا يغفر أن يشرك به، وقال: {إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار}، وأما الديوان الذي لا يعبأ الله به شيئا فظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه من صوم يوم تركه، أو صلاة تركها، فإن الله عزوجل يغفر ذلك ويتجاوز إن شاء، وأما الديوان الذي لا يترك الله منه شيئا، فظلم العباد بعضهم بعضا، القصاص لا محالة».

      حتى الحيوان نال حقه في الإسلام، ففي الحديث: «بينما رجل يمشي بطريق إذ اشتد عليه العطش، فوجد بئرا فنزل فيها فشرب، فخرج فإذا كلب يلهث، يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه، ثم أمسكه بفيه حتى رقي فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له، فقالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم أجرا؟ فقال: في كل كبد رطبة أجر» قال أبوعمر في «التمهيد»: وكذا في الإساءة إلى الحيوان إثم، وقد روى مالك، عن نافع، عن ابن عمر؛ أن النبي [ قال:  «دخلت امرأة النار في هرة ربطتها، فلا هي أطعمتها، ولا هي أطلقتها تأكل من خشاش الأرض»، فماذا بعد هذا من حقوق للخلق في الإسلام! أما حقوق الإنسان لديهم فتوزن بأكثر من مكيال، فلهم الحق في غزو وقتل وسجن من شاؤوا، ومتى شاؤوا وأينما شاؤوا دون محاكمة أو مسوّغات شرعية دولية أقروها، وديموقراطية ابتدعوها لمن والاهم، لا لمن خالفهم، ويملكون من السلاح أشده فتكا مع حق الاستعمال وليس ذلك لغيرهم: {استكبارا في الأرض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله} (فاطر: 43). فهم من: {الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يُخْسِرون} (المطففين: 3). فمن ظن من المسلمين أن هؤلاء حماة لحقوق الإنسان فهو ظالم لنفسه، مفسد لأمره، مسيء لدينه.

ثاني عشر: ومن مكرهم اختيارهم أمورا يظنون أنها ضعف في المسلمين، منها محاربة التزام المرأة المسلمة بدينها، فالمرأة المؤمنة أعظم وأكرم أن تنتهك محارم الإسلام من خلالها بإذن الله، فعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله [ قال: «يا سعيد، من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد [ رسولا ونبيا وجبت له الجنة» قال: فعجب لها أبوسعيد فقال: أعدها علي يا رسول الله، ففعل...» رواه مسلم. فالمرأة المسلمة ممن رضي بالله ربا.. ولم تكن المرأة المسلمة في غفلة من مرادهم، بل كثيرا ما يشكو المستغربون في وسائل الإعلام من شدة معارضتها لفسادهم، ولقوة تأثيرها فقد ضرب الله بها مثلا، للذين كفروا وللذين آمنوا، يقول الله تعالى: {ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين} (التحريم: 10-12) وأن هدفهم: {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير} (البقرة: 109)، ولنعلم بقول الله تعالى: {أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض} (آل عمران: 195).

ثالث عشر: ومن مكرهم سعيهم في التركيز على الخلاف المذهبي بين المسلمين لإحداث الفرقة، كما هو حادث في العراق، علما أن الاختلاف سنة الله في خلقه: {ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك} (هود: 118-119)، مع علمنا بقوله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا} (آل عمران: 103) وبقوله: {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون} (الأنعام: 159)، وبقوله: {وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين} (الأنفال: 46) علما بأنهم أشد منا خلافا واختلافا وفرقة، إلا في محاربتهم الإسلام لخوفهم من هيمنته عليهم والله تعالى يقول: {بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون} (الحشر: 14).

رابع عشر: ومن مكرهم بذر الشقاق بين المسلمين ومواطنيهم من أهل الكتاب كما حدث ويحدث في مصر ولبنان والعراق، وجنوب السودان وكانت النتائج مخيبة لآمالهم، فهاجر الكثير من أقباط مصر، وموارنة لبنان، وكلدانيي العراق، وأسلم من أسلم منهم، والحمد لله: {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون} (يونس: 58)، أما السودان فيعلم الله آثار سياستهم فيه: {والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون} (يوسف: 21).

خامس عشر: ومن مكرهم سعيهم لبذر الشقاق بين المسلمين أنفسهم من حيث اللغة، وهو ما نشاهده في شمال أفريقيا بين العرب والبربر، وفي السودان بين العرب والأفارقة (دارفور)، وشمال العراق عرب وأكراد، واللوم علينا، فالقرآن كان ولا يزال يمثل شرعة المسلمين ومنهج حياتهم، جعله الله مع اللغة العربية أداتين فاعلتين من أدوات العالم المجتهد، وليزيلا معا الفوارق بين البشر، فما كانت العربية يوما حكرا على العرب، وما كان الدين الإسلامي يوما مما اختص به العرب، فالعربية لسان من تكلم بها فهو عربي، ففي الأثر: أيها الناس، إن الرب واحد، والأب واحد، وليست العربية بأحدكم من أب أو أم، وإنما هي اللسان؛ فمن تكلم العربية فهو عربي، والعربية وعاء الإسلام المختار والله تعالى يقول: {الله أعلم حيث يجعل رسالته} (الأنعام: 124)؛ فجعل رسالته في العربية، وليس من عجب أن ترى دهاقنة العربية وأساطين علوم الدين من غير العرب، وذلك دلالة عظمى على شمولية الإسلام وعالمية لغته، التي كانت في زمان لغة الحضارة والفكر ولا تزال بإذن الله، وسيعود ما غاب من مجدها {... ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون} (الأنفال: 7 - 8).

      وقد امتدح الله العربية، فلا تخالفوه، فهي لسان العقل {إنا أنزلناه قراءنا عربيا لعلكم تعقلون} (يوسف: 2)، وهي لسان الأحكام {وكذلك أنزلناه حكما عربياً} (الرعد: 37)، وهي لسان العلم {كتاب فصلت آياته قراءنا عربيا لقوم يعلمون} (فصلت: 3).. إلخ.

إن الحفاظ على اللغة العربية من مستلزمات الحفاظ على الذكر (القرآن) وقد تكفل الله بذلك في قوله تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} (الحجر: 9)، فهل يكون لنا الشرف بأن نكون أدوات في ذلك؟ أما من عادى العربية من المسلمين فقد عادى الإسلام، وأما الأعداء ومن نحا نحوهم: {فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم} (البقرة: 137)، فقد جمعوا للمسلمين والله تعالى يقول: {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل} (آل عمران: 173).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك