رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ 31 مايو، 2011 0 تعليق

وقفات فقهية (24) التعريف بالاستنباط السَّيِّئ

 

يقول الله تعالى: {ولقد صدّق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين} (سبأ: 20) ويقول تعالى: {وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا} (النجم: 28).

في (البحر المحيط): الاستنباط هو الاستخراج، والنبط: الماء يخرج من البئر أول ما تحفر، والإنباط والاستنباط: إخراجه» اهـ. ومن المعلوم أن استنباط دلالة القواعد الأساسية والمسائل الفرعية هو من الكتاب والسنة، ويليه الإجماع ثم القياس من خلال الاجتهاد.

وكنموذج للاستنباط السَّيِّئ:

- أولا: يأتي بعض الغلاة بأمر أو نهي في الدين، ويكون مرجعه في ذلك الرؤيا في المنام أو يدعي الرؤية الحقيقية، فيقول: إني رأيت الولي فلانا يأمر بكذا أو ينهى عن كذا، وهذا غير حق بعد قول الله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا} (المائدة: 3)، وعن أبي هريرة ] قال: قال رسول الله [: «إني قد خلّفت فيكم ما لن تضلوا بعدهما ما أخذتم بهما أو عملتم بهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض».

- ثانيا: كثيرا ما ينسبون رؤياهم للخضر عليه السلام ويدعون أن الخضر ولي فقط وليس نبيا؛ ليؤيدوا ما ذهبوا إليه من أن بعض الأولياء أفضل من الأنبياء، ويدعون أنه لا يزال حيا، وهذا كله فيه نظر.

- ثالثا: لبيان نبوة الخضر عليه السلام قوله تعالى عنه: {فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما} (الكهف: 65). فغالبا لا يُذكر لفظ «عبد» مفردا في القرآن للثناء إلا قصد به النبي، وقوله تعالى: {قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا}؛ لأنه علم أن أمر الخضر كان وحيا والله أمره بطاعته ،وإلا فلا يتبع نبي من هو أقل منه منزلة، ووعده: {ولا أعصي لك أمرا} وقول الخضر: {قال إنك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا} (الكهف: 67-68)، ومن أحاط الخضر به خبرا؟ وكيف علم أن موسى لن يستطيع معه صبرا، وأنه لم يحط به خبرا؟ لولا أن الله أوحى إليه. وكيف علم الخضر بالملك الظالم ولم يعلم به قومه أصحاب السفينة؟ ولماذا قتل الغلام في طفولته والظاهر براءته؟ وكيف علم بالكنز في قرية كان غريبا عنها. هل يعلم الغيب؟ والله تعالى يقول: {قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيبَ إلا الله} (النمل: 65) ولقد بين ذلك الخضر، يقول الله تعالى: {وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا} (الكهف: 82) أي عن أمر الله.. فما أوحي للخضر خاص به لحكمة لا نعلمها.

- رابعا: لبيان وفاة الخضر عليه السلام، قول الله تعالى: {وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون} (الأنبياء: 34). ولم يشك أحد في بشرية الخضر عليه السلام، وقوله تعالى: {وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين} (الأنبياء: 7-8)، وكذا الأنبياء والأولياء وغيرهم ما كانوا خالدين، ولو قيل بحياة الخضر في عهد رسول الله [ فما جاء في الصحيحين عن عبدالله بن عمر قال: صلى بنا النبي [ العشاء في آخر حياته، فلما سلم قام فقال: «أرأيتكم ليلتكم هذه، فإن رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد» متفق عليه، فيدخل الخضر عليه السلام فيه، والله أعلم.

- خامسا: قال الخضر لموسى عليهما السلام وموسى سيد أهل الأرض في زمانه: {هذا فراق بيني وبينك} (الكهف: 78)، فهل يحرص الخضر على مقابلة من هم دون موسى في آخر الزمان لو كان حيا؟!

- التعريف بالسحر وأنواعه والكهانة والنشرة والتطير والتنجيم

      يقول الله تعالى: {يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر} (البقرة: 103).

- أولا: السحر هو: كل ما لطف مأخذه وخفي سببه مما له تأثير على أعين الناس أو نفوسهم أو أبدانهم، وهو ما يفرق به بين المرء وأخيه، وأمه وأبيه، وصاحبته وبنيه، وفصيلته التي تؤويه، بل بينه وبين عقله وماله وسلوكه، ودينه وحياته، وقيل: هو التخيلات والأخذ بالعيون، وقالوا: الكهانة: ادعاء علم الغيب، وهي مختصة بالأمور المستقبلية، أما العرافة فمختصة بالأمور الماضية.

- ثانيا: السحر كفر، يقول الله تعالى: {يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر} إلى قوله: {وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون} (البقرة: 102)، ومر بنا قوله[: «اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق... » الحديث، متفق عليه.

- ثالثا: عدم فلاح الساحر فكيف من يلجأ إليه؟! يقول الله تعالى: {إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى} (طه: 6). وهو عمل المفسدين المجرمين، يقول الله تعالى: {قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون} (يونس: 81 - 82).

- رابعا: بيان كيف يحصل الساحر على معلوماته؟ يقول الله تعالى: {وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا} (الجن: 9-10)، وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة يبلغ به النبي [ قال: إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كالسلسلة على صفوان ينفذهم ذلك، فإذا {فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا} للذي قال: {الحق وهو العلي الكبير} (سبأ: 23)، فيسمعها مسترقو السمع، ومسترقو السمع هكذا واحد فوق آخر، ووصف سفيان بيده وفرج بين أصابع يده اليمنى نصبها بعضها فوق بعض، فربما أدرك الشهاب المستمع قبل أن يرمي بها إلى صاحبه فيحرقه وربما لم يدركه حتى يرمي بها إلى الذي يليه إلى الذي هو أسفل منه حتى يلقوها إلى الأرض، وربما قال سفيان: حتى تنتهي إلى الأرض، فتلقى على فم الساحر فيكذب معها مائة كذبة فيصدق فيقولون ألم يخبرنا يوم كذا وكذا يكون كذا وكذا فوجدناه حقا؟! للكلمة التي سمعت من السماء» الحديث.

- خامسا: بيان معاني بعض الكلمات التي تتعلق بالتعريف بالسحرة وأمثالهم، قال البغوي رحمه الله: العراف الذي يدعي معرفة الأمور بمقدمات يستدل بها على المسروق ومكان الضالة، ونحو ذلك، وقيل: هو الكاهن، والكاهن هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل، وقيل: هو الذي يخبر عما في الضمير بزعمهم، وقال ابن تيمية رحمه الله: العراف: اسم للكاهن والمنجم والرمال ونحوهم ممن يتكلم في معرفة الأمور بهذه الطرق، وقال ابن عباس رضي الله عنهما في قوم يكتبون أبا جاد (حروف وطلاسم) وينظرون في النجوم: «ما أرى من فعل ذلك له عند الله من خلاق»، وقال عوف: القيافة زجر الطير، والطرق: الخط يُخط بالأرض، وفي قول الله تعالى: {يؤمنون بالجبت والطاغوت} (النساء: 51) قال عمر]: الجبت: السحر، والطاغوت: الشيطان. وعن ابن عباس قال: قال رسول الله [: «من اقتبس شُعبة (علما) من النجوم اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد» «ومن تعلق شيئا وكل إليه، بل هي علامات يهتدي بها» اهـ.

      فقول الله تعالى: {وعلامات وبالنجم هم يهتدون} (النحل: 15) لمعرفة الوقت وللزراعة والاتجاه ونحوها، والله أعلم، ومن المعلوم أن السحرة إذا أرادوا عمل السحر عقدوا الخيوط ثم نفثوا فيها، قال الله تعالى: {ومن شر النفاثات في العقد} أي: السواحر اللواتي يفعلن ذلك، والنفث هو النفخ مع الريق دون التفل. ولله در الشاعر لقوله:

لعمرك ما تدرى الطوارق بالحصى

                                    ولا زاجرات الطير ما الله صانع

والقائل:

قضى الله ألا يعلم الغيب غيره

                                   ففي أي أمر الله يمتريان

- سادسا: حكم من أتى عرافا، روى مسلم وغيره عن النبي [ أنه قال: «من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة» (ولعل ذلك لمن تاب ولم يصدقه)، فعن عمران بن حصين ] مرفوعا: «ليس منا من تَطير أو تُطير له، أو تكهن أو تُكهن له، أو سَحر أو سُحر له، ومن أتى كاهنا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أُنزل على محمد [» وفي الصحيح قال قتادة: «خلق الله هذه النجوم لثلاث: جعلها زينة للسماء، ورجوما للشياطين، وعلامات يهتدى بها؛ فمن تأول فيها بغير ذلك أخطأ وأضاع نصيبه وتكلف ما لا علم له به» وعن أبي موسى أن النبي [ قال «ثلاثة لا يدخلون الجنة مدمن خمر، وقاطع رحم، ومصدق بالسحر، الحديث.

- سابعا النشرة، وهي معالجة السحر، فإن كان بسحر مثله، فعن جابر بن عبدالله ] قال: سُئل[ عن النشرة؟ فقال: هي من عمل الشيطان» قال ابن القيم: النشرة حل السحر عن المسحور، وهي نوعان: أحدهما حل بسحر مثله، وهو الذي من عمل الشيطان، يتقرب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يُحب، فيبطل عمله عن المسحور. انتهى، والمباح حل السحر بالرقية الشرعية.

- ثامنا: وهنا ما لا يقل إثما عن السحر، كالطيرة (التشاؤم)، يقول الله تعالى: {ألا إنما طائرهم عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون} (الأعراف: 31)، وفي الصحيحين عن أبي هريرة ]: أن رسول الله [ قال: «لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر» زاد مسلم. «ولا نوء، ولا غول» ولهما عن أنس] قال: قار رسول الله[: «لا عدوى ولا طيرة ويعجبني الفأل الكلمة الحسنة الكلمة الطيبة» واللفظ لمسلم وعن عبدالله بن مسعود عن رسول الله[ قال: الطيرة شرك (ثلاثا) وقال ابن مسعود: وما منا إلا ولكن الله يذهبه بالتوكل». رواه الترمذي (1539) وصححه وجعل آخره من قول ابن مسعود، وأبو داود (2411).

- تاسعاً: ومن الطيرة المبالغة بإخفاء (عقد النكاح) خشية العين أو السحر، ولم أطلع على نص شرعي يأمر بذلك، بينما لا نرى مثل ذلك في معظم البلاد الإسلامية وغيرها، بل يبالغون في العلانية وجمع الآخرين لحضوره، فعلى المسلم أن يكون على ثقة بالله لقوله تعالى: {قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنين} (التوبة: 51)، وكذا الأمر فيما يبالغون فيه بنسبة الأمراض والحوادث وزوال النعم إلى العين أو الحسد أو السحر وإن كان بعض ذلك يحدث بقضاء الله وقدره، وبأسباب تفريطهم في بعض الأمور أو إسرافهم فيها، والله تعالى يقول: {وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم} (يونس: 107)، فالعين حق، ولكن شدة الخوف منها ليس بحق، وإنما الحق هو الخوف من الله وحده والمحافظة على ذكره عز وجل، أما ترك الأكل والشرب، والأخذ والإعطاء والبيع والشراء بهذا، فهذا باطل ولا يجوز، وكثير من الناس يعيشون وهم العين والسحر وهذا هو المرض النفسي، والله أعلم.

- عاشراً: عقوبة الساحر، قال جندب]: «حد الساحر ضربة بالسيف». رواه الترمذي (برقم 1460)، وقال: الصحيح أنه موقوف، والحاكم (4/360). وعن حالة لن عبدة قال: «كتب عمر بن الخطاب: أن اقتلوا كل ساحر وساحرة قال: فقتلنا ثلاث سواحر». رواه أحمد (1/190)، والبخاري رواه مختصراً (18415)، في فرض الخمس باب الجزية، وروى نحوه الترمذي (رقم 1586). وصح عن حفصة - رضي الله عنها - أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها، فقتلت».

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك