رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ 17 مايو، 2011 0 تعليق

وقفات فقهية (22)التعريف بحكم تتبع الآثـار

 

يقول الله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} (المائدة:3)، وهنا وقفات لابد من بيانها:

- أولاً: تتبع الآثار التي يأمر الله بها بقصد العبادة والتقديس أو التبرك من أخطر الأمور على الدين، وقد ينتهي بالمسلم إلى ما لا تحمد عقباه والعياذ بالله، فهذا السامري من قوم موسى عليه السلام تتبع الآثار التي لم يأمر الله بتتبعها (آثار جبريل عليه السلام) فكان فتنة لبني إسرائيل، يقول الله تعالى لموسى: {فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري}، بتتبعه للآثار وما ترتب عليها، سواء كانت آثار الملائكة أم الرسل أم الصالحين التي لم يأمر الله ولا رسوله بتتبعها وتمام الآية :{فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري} (طه: 86-87)، وبيّن الله لنا سبب ذلك الضلال، يقول الله تعالى: {قال فما خطبك يا سامري قال بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي} (طه:95-96)، أقر ببطلان عمله، ونتيجة لذلك الأثر المبتدع هلك السامري، وضل القوم.

        يقول الله تعالى: {قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس وإن لك موعدا لن تخلفه}، إلى قوله: {إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما} (طه:98)، فلا يجوز تتبع الآثار لجعلها موطنا للعبادة، فقد كادت تهلك بنو إسرائيل بسببها لولا أن الله رحمهم بإرشاد نبيهم موسى عليه السلام. وهذا القرآن بين أيدينا، وتمام الآيات، يقول الله تعالى: {كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد آتيناك من لدنا ذكرا} (طه:99)، ويقول تعالى: {ولقد تركناها آية فهل من مدكر} (القمر: 15).

ثانيا: انظر إلى أصحاب موسى عليه الصلاة والسلام وما فعلوه، فهم لم يستجيبوا لدعوة هارون عليه السلام: {ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني واطيعوا أمري قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى} (طه: 89-90)، وانظر إلى أصحاب محمد [ كيف تأثروا بالقرآن حتى ليحدثنا التاريخ والسنن عنهم أنهم قطعوا شجرة الرضوان وهي تلك الشجرة التاريخية المباركة التي ورد ذكرها في القرآن، (وتم تحتها بيعة الرضوان)، وما هذا إلا لأن الناس تبركوا بها فخاف عمر ] إن طال الزمان بالناس أن يعودوا إلى وثنيتهم ويعبدوها فأمر بقطعها، وأجمع الصحابة رضي الله عنهم على موافقة عمر على ذلك.. بل قد ثبت عن عمر بن الخطاب ] أنه كان في سفر فرأى قوما ينتابون مكانا يصلون فيه فقال ما هذا؟ قالوا: هذا مكان صلى فيه رسول الله [، فقال: ومكان صلى فيه رسول الله [؟! أتريدون ان تتخذوا آثار أنبيائكم مساجد؟! إنما هلك من كان قبلكم بهذا، من أدركته الصلاة فيه فليصل وإلا فليمض.

- ثالثا: إنما الآثار للعبرة والاعتبار، وليست للتقديس أو التبرك، فللعبرة يقول الله تعالى: {فانظر إلى أثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحي الموتى وهو على كل شيء قدير} (الروم:50)، وللاعتبار يقول الله تعالى: {أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وءاثارا في الأرض فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق} (غافر:21).

- رابعاً: من الآثار المشروعة التي أمر الله بها، المسجد الأقصى؛ لقوله [: «لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا» فهو أول القبلتين، وثاني البيتين، وثالث المقدسات، فمن منا شد الرحال له؟ أو حدث نفسه به؟ أو حض عليه، أو أعان أهله على البقاء فيه؟

- خامسا: غالبا إذا ما ساوى قوم بين الحق والباطل إلا أذهب الله عنهم بركة الحق، وأبقى لهم سوء الباطل؛ يقول الله تعالى: {فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون} (يونس:33)، ويقول تعالى: {قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين} (الأعراف:29)، ولم يقل: عند كل مشهد، أو أثر. والمتتبع لما جاء في كتب الصحاح والسنن والسير عن حجة الوداع للنبي [ وحج خلفائه الراشدين من بعده لا يجد دليلا لمتتبع لآثار لم يؤمر بها، وهذا رسول الله [ سيد المتبعين للحق، يقول الله تعالى: {قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي هذا بصآئر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون} (الأعراف: 203).

- سادسا:  وللعلم بأن أول من غيّر دين الله وما كان عليه إسماعيل عليه السلام (داخل مكة) فنصب فيها الأوثان وسيّب السائبة هو: لحيِ بن حارثة بن عمرو بن عامر الأزدي.. قاتل جرهما بني إسماعيل، فظفر بهم وأجلاهم عن الكعبة، ونفاهم من مكة، وتولى حجابة البيت بعدهم، ثم إنه مرض مرضا شديدا، فقيل له: إن بالبلقاء من الشام حمة (عين ماء) إن أتيتها برأت، فأتاها فاستحم بها فبرأ، ووجد أهلها يعبدون الأصنام «لعلها آثار ما كان يعبده قوم نوح عليه السلام، فأعجبته تلك الآثار» فقال: ما هذه؟ فقالوا نستسقي بها المطر ونستنصر بها على العدو، فسألهم أن يعطوه منها، ففعلوا فقدم بها مكة ونصبها حول الكعبة.. ففي صحيح مسلم (5096) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله [: «رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف أبا بني كعب هؤلاء يجر قصبه في النار».

        وأما ما غير دين الله «خارج مكة» فكما مر بنا: أن إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام لما سكن مكة وولد له بها أولاد كثيرن حتى ملئوا مكة ونفوا من كان بها من العماليق، ضاقت عليهم مكة ووقعت بينهم الحروب، فأخرج بعضهم بعضا فتفسحوا في البلاد.. وكان الذي أدى بهم إلى عبادة الأوثان والحجارة أنه كان لا يخرج من مكة ظاعن إلا احتمل معه أثرا من الآثار حجرا من حجار الحرم؛ تعظيما للحرم ومحبة شديدة بمكة فحيثما حلوا وضعوه وطافوا به كطوافهم بالكعبة تيمنا منهم بها وصبابة بالحرم وحبا بها وهم بعد يعظمون الكعبة ومكة ويحجون ويعتمرون على إرث إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، ثم سلخ ذلك بهم إلى أن عبدوا ما استحبوا ونسوا ما كانوا عليه من التوحيد واستبدلوا بدين إبراهيم وإسماعيل غيره، فعبدوا الأوثان وصاروا إلى ما كانت عليه الأمم من قبلهم وانتجثوا (استخرجوا) ما كان يعبد قوم نوح عليه السلام منها، على إرث ما بقي فيهم من ذكرها، وفيهم على ذلك بقايا من عهد إبراهيم وإسماعيل يتنسكون بها من تعظيم البيت  والطواف به والحج والعمرة والوقوف على عرفة ومزدلفة وإهداء البدن.. مع إدخالهم فيه ما ليس منه. انتهى. (انظر كتاب الأصنام للكلبي). وهذه نتائج تتابع الآثار التي لم يأمر الله بها.. وتعظم تلك الأمور بعظم الزمان والمكان، أشهر الحج الحرم، وحرمة مكة شرفها الله، ومكانة المسلمين عند الله: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} (آل عمران: 110)، والله أعلم.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك