وقفات فقهية (21) التعريف بحكم الاحتفال بإقامة الموالد وغيرها
يقول الله تعالى: {قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون} (الأعراف: 203)، وهنا وقفات لابد من النظر فيها:
- أولا: كل عبادة يجب تأديتها على الوجه الذي شرعه الله تعالى ورسوله [، وبغير ذلك تكون العبادة باطلة. فهل إقامة المولد عبادة يتقرب بها إلى الله؟! ومن يستطيع أن يقول لنا: إن الواجب في الموالد كذا أو السنة فيه كذا؟! وكيف لم يُذكر الاحتفال بالمولد لا في القرآن ولا في السنة ولا في سلوك الصحابة رضي الله عنهم، ولا التابعين الأوائل؟! وكما نتبعه [ في العمل يجب أن نتبعه في ترك ما ترك ولاسيما في العبادات، وليسعنا ما وسع رسول الله [ وصحابته رضي الله عنهم، يقول الله تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا} (الأحزاب: 21)، وإقامة الموالد مخالفة لقوله [ في الصحيحين: «الخديعة في النار ومن عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» (اللفظ للبخاري ورواه مسلم 1718)، فالمحتفل بالمولد يتقرب إلى الله سبحانه بغير ما شرعه الله، وذلك هو الضلال المبين.
- ثانيا: مولده [ كان قبل بعثته فعلم به الرسول [ وصحابته ولم يحتفلوا به، فلم يكن أمرا مستحدثا فنجتهد فيه، والله تعالى يقول: {فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون} (الأعراف: 157). فلقد أكمل الله الدين ورضيه لعباده وأتم نعمته بقوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} (المائدة: 3)، وروى الإمام أحمد (4/164) وغيره عن عرباض بن سارية قال: صلى بنا رسول الله [ الفجر ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت لها الأعين ووجلت منها القلوب، قلنا، أو قالوا: يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع فأوصنا، قال: «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وان كان عبدا حبشيا؛ فإنه من يعش منكم ير بعدي اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وإن كل بدعة ضلالة».
- ثالثا: لم يحتفل أحد بمولده صلى الله عليه وسلم إلا بعد مضي قرون عديدة من البعثة، ومع ذلك فبعض المحتفلين بالمولد يرمون من ترك الاحتفال بالمولد بعدم محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا تكفير لمن لم يحتفل بالمولد اتباعا واقتداء بالرسول [ وأصحابه حيث لم يحتفلوا بالمولد، فمن المحب للرسول [: المتبع أم المبتدع؟ ولقد انتهج فرعون تلك السياسة واتهم موسى عليه السلام، يقول الله تعالى: {وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد} (غافر: 26)، فالأولى للجميع العودة لقول الله تعالى: {يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما} (الأحزاب: 70-71).
- رابعا: لقد اختلف في تاريخ مولده صلى الله عليه وسلم فمثلا قال القرطبي وغيره في تفسيره (20/194): وقد قيل إنه عليه السلام حملت به أمه آمنة في يوم عاشوراء من المحرم، وولد يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر رمضان، وقيل: إنه ولد يوم عاشوراء من شهر المحرم، حكاه ابن شاهين أبوحفص، في فضائل يوم عاشوراء له. انتهى. أما ما ليس فيه اختلاف فهو يوم وفاته صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول؛ فإن كان الأمر كذلك، فعلينا أن نحزن، ونحدّ في ذلك اليوم، لو كان الحداد عليه أمرا مشروعا، ولا نحتفل.
- خامسا: وفي هذه الموالد يدعي بعضهم حضور النبي صلى الله عليه وسلم وهذا افتراء لا دليل عليه، وغالبا ما يترنمون ويتجاوزون الحد بالغلو بالمدائح النبوية ومنها بردة البوصيري التي يقول فيها:
1- يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به
سواك عند حدوث الحادث العمم
ولا شك أنه صلى الله عليه وسلم من أكرم الخلق، ولكن قوله «مالي من ألوذ به سواك» ذلك حق لله وحده لا شريك له، فلا ملاذ للعباد إلا الله، قال تعالى: {وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون} (النحل: 53) فلا أحد سواه يكون كذلك، لا ملكا مقربا، ولا نبيا مرسلا، فضلا عمن سواهما، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه الله: «لا ملجأ منك إلا إليك».
2- وقوله:
إن لم تكن آخذا يوم المعاد يدي
صفحا وإلا فقل يا زلة القدم
ويزعم بعضهم أن مراده طلب الشفاعة؛ وقالوا: لو صح ذلك فالمحذور أن طلب الشفاعة من الأموات شرك بدليل قوله تعالى: {ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون} (يونس: 18) فالشفاعة لا تطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم ، وإنما تطلب من الله، يقول جل وعلا: {أم اتخذوا من دون الله شفعاء} (الزمر: 43) ويقول: {قل لله الشفاعة جميعا له ملك السموات والأرض ثم إليه ترجعون} (الزمر: 44).
3- وقوله:
فإن من جودك الدنيا وضرتها
ومن علومك علم اللوح والقلم
وهذا تكذيب للقرآن، قال الله: {الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور}، وقال تعالى: {وإن لنا للآخرة والأولى} (الليل: 13). فالدنيا والآخرة لله ومن خلقه، وليست من وجود الرسول [ أو غيره. ولا يعلم ما في اللوح المحفوظ إلا الله وحده، فهذه الأوصاف يختص بها الله عز وجل فكيف يكون الملاذ لغير الله، وكيف تكون الدنيا والآخرة من جود النبي [ وكيف يكون علم اللوح والقلم من علم النبي [؟! وماذا أبقى هذا الشاعر لله تعالى؟! وهذا مما يُغضب الله ورسوله ولا شك بأنه من الشرك الأكبر وقد انتقده كثير من علماء المسلمين، ولو وجه الشاعر شعره أو ردد المعجبون به نداءهم للخالق وقالوا:
يا خالق الخلق ما لي من ألوذ به
سواك عند حدوث الحادث العمم
وهكذا، لكان ذلك من قمم شعر توحيد الله تعالى، علما أنه قد نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إطرائه؛ ففي البخاري وغيره قال: «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم؛ فإنما أنا عبد فقولوا عبدالله ورسوله»، ولعل فيه تنبيها لعدم الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم كما أطرت واحتفلت النصارى بمولد عيسى ابن مريم عليهما السلام.
- سادسا: يقول الله تعالى: {ورفعنا لك ذكرك}، ففي تفسير الشيخ السعدي رحمه الله: أي أعلينا قدرك، وجعلنا لك الثناء الحسن العالي، الذي لم يصل إليه أحد من الخلق، فلا يذكر الله إلا ذكر معه رسوله صلى الله عليه وسلم ، كما في الدخول في الإسلام، وفي الأذان، والإقامة، والخطب، وغير ذلك من الأمور التي أعلى بها ذكر رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، وله في قلوب أمته من المحبة والإجلال والتعظيم ما ليس لأحد غيره، بعد الله تعالى، فجزاه الله عن أمته أفضل ما جزى نبيا عن أمته، انتهى. فالمسلمون يحتفلون بذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم مرات عدة في اليوم والليلة في الأذان والإقامة على رؤوس الأشهاد اتباعا وليس ابتداعا، ولمسلم وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم : «إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو؛ فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة». فالجزاء من جنس العمل فلما دعوا للنبي [ استحقوا أن يدعو لهم، وكذا الأحاديث المشهورة عن أنس بن مالك عن النبي [ قال: «من ذكرت عنده فليصل علي»، وقال: «من ذكرني فليصل علي» وقال: «أتاني جبريل عليه السلام فقال: رغم أنف من ذكرت عنده فلم يصل عليك، فقلت: آمين» وقال: «أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة». وفي السنن: قال رجل: يا رسول الله، أرأيت إن جعلت صلاتي كلها عليك؟ قال: «إذن يكفيَك الله ما أهمك من دنياك وآخرتك» وفي رواية: «ويغفر لك ذنبك» وهذا كثير في الصحاح والسنن، ولم يأمرنا صلى الله عليه وسلم بالاحتفال بمولده؛ فمن كان له أطوع وأتبع كان أولى الناس به في الدنيا والآخرة و: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} (الأحزاب: 6). اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا.
- سابعا: تكرار الاحتفال بالمولد يجعله عيدا، وأصل العيد العود؛ لأنه مشتق من: عاد يعود عودا وهو الرجوع، وسمي عيدا لكثرة عوائده، وقيل: لأنهم يعودون إليه مرة بعد أخرى، قاله العيني، ولم يشرع لنا في الإسلام سوى عيدين وهما عبادة لله، فعن أنس قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال: «لقد أبدلكم الله خيرا منهما: عيد الفطر وعيد الأضحى» رواه أبوداود والنسائي، ولم يذكر سواهما ولا الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم ، فالأعياد في الإسلام هما يومان يفرح فيهما المسلمون بإتمام عبادتين عظيمتين: الصيام ويأتي بعده عيد الفطر، والحج ويأتي بعده عيد الأضحى، وللعيدين آداب وصلوات وأذكار بينها الشرع، فعلى المسلم تقوى الله في ذلك.
- ثامنا: الاحتفال بالموالد من سنن أهل الكتاب، فهم يسمون سنيهم بالميلادية، أي مولد المسيح عليه السلام، بينما اتفق الصحابة رضوان الله عليهم على تسمية أعوامنا بالهجرية ارتباطا بأفضل الأعمال وهو الهجرة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام، أو هجر المعاصي، وقد جاء في البخاري: «والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه» فلنهجر البدع إلى السنن.
- تاسعا: وكذا حكم الاحتفال بليلة الإسراء، ففي كتاب «حراسة التوحيد» لفضيلة الشيخ عبدالعزيز ابن باز رحمه الله، قوله: لم يأت في الأحاديث الصحيحية تعيينها لا في رجب ولا في غيره، وكل ما ورد في تعيينها فهو غير ثابت عنه صلى الله عليه وسلم ، ولله الحكمة البالغة في إنساء الناس لها، ولو ثبت تعيينها لم يجز للمسلمين أن يخصوها بشيء من العبادات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، لم يحتفلوا بها ولم يخصوها بشيء، ولو كان مشروعا لنبيه صلى الله عليه وسلم ، لعرف واشتهر ولنقله الصحابة رضي الله عنهم إلينا. اهـ. وفي البخاري عن أبي سعيد ] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه، قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟» وهذا إخبار وتحذير.
لاتوجد تعليقات