رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ 2 مايو، 2011 0 تعليق

وقفات فقهية (20) التعريف بالغلو في الصالحين

يقول الله تعالى: {يأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق} (النساء: 171)، الغلو هو: مجاوزة الحد في كل أمر.

أولاً: نهى الله عن اتباع الهوى بالغلو في الدين، يقول الله عز وجل: {قل يأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل} (المائدة: 77)، وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله[: «...إياكم والغلو في الدين فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين»(1).

- ثانياً: الأنبياء والرسل بشر أمثالنا فلا ينبغي مجاوزة الحد في الغلو فيهم وعلينا طاعتهم ومحبتهم واتباعهم، يقول الله تعالى: {وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله} (النساء: 64)، ويقول تعالى: {من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا} (النساء: 80)، فالنجاة بالعمل الصالح كما شرع الله تعالى وسنه رسوله [، وحسن الاقتداء بالأنبياء: {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده} (الأنعام: 90)، وكذا الأولياء والصالحون عباد أمثالنا، يقول الله تعالى: {إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين} (الأعراف: 194).

- ثالثاً: الأنبياء والرسل والأولياء والصالحون لا يدعون أحدا لعبادتهم، بل يتبرؤون من ذلك، يقول الله تعالى: {ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلّمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون} (آل عمران: 79 - 80)، ويقول تعالى: {وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم} (المائدة: 116 - 117)، ويقول الله تعالى: {ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين} (الأنبياء: 29).

- رابعاً: الغلو في الصالحين هو بداية الشرك، ففي قوم نوح - عليه السلام - وهو أول الرسل، يقول الله تعالى: {وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا} (نوح: 23)، روى البخاري في تفسيرها عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: «أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا وسموها بأسمائهم، ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتنسّخ العلم (نسي) عُبدت» قال ابن القيم: قال غير واحد من السلف لما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم، ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم، فمعرفة أول شرك وقع في الأرض بشبهة محبة الصالحين والغلو فيهم، وشدة الحاجة (للعلم بها) مع الغفلة عنها رفعل أناس شيئاً ظنوا به خيرا (لم يأمر الله به، بنصبهم أنصابا، ولو حسن قصدهم ظن من بعدهم أنهم أرادوا به غيره، فيه شاهد لما نقل عن السلف أن البدع بريد الكفر؛ فالتصريح بأنها لم تعبد حتى نسي العلم، فيه بيان قدر العلم وفضله، ومضرة الجهل وشره، فالقاعدة الكلية هي: النهي عن كل الغلو ومعرفة ما يؤول إليه. اهـ(2).

      وهذا تكرر لدى مشركي العرب، فقد ذكر ابن جرير بسنده عن مجاهد في قوله تعالى: {أفرأيتم اللات والعزى} (النجم: 19).

قال: «كان يلتّ لهم (للحُجاج) السويق فمات فعكفوا على قبره.

- خامساً: في قوله تعالى: {وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها إذ يتنازعون بينهم أمرهم فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا} (الكهف: 21)، قال ابن كثير في تفسيره: والظاهر أن الذين قالوا ذلك هم أصحاب الكلمة والنفوذ، ولكن هل هم محمودون أم لا؟ فيه نظر لأن النبي [ قال: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد» يحذّر ما فعلوا، وقد روينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه لما وجد قبر دانيال في زمانه بالعراق أمر أن يخفى عن الناس. اهـ.

      ومما قاله القرطبي في تفسير الآية: قال علماؤنا: وهذا يحرم على المسلمين أن يتخذوا قبور الأنبياء والعلماء مساجد وروى الأئمة عن أبي مرثد الغنوي قال سمعت رسول الله[ يقول: «لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها» واللفظ لمسلم، أي: لا تتخذوها ذلك قبلة فتصلوا عليها أو إليها كما فعل اليهود والنصارى فيؤدي إلى عبادة من فيها، كما كان السبب في عبادة الأصنام، فحذر النبي[ عن ذلك وسد الذرائع المؤدية إليه، فقال: «اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»اهـ.

      أما قوله تعالى: {فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم} فهذا قول من حسن إيمانه بتفويض أمرهم إلى الله.

- سادساً: حرص الأنبياء والمرسلين عليهم أفضل الصلاة والسلام على هداية أممهم وإبعادهم عن الغلو ولاسيما بنبينا [، يقول الله تعالى: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم} (التوبة: 128)، فعن علي ابن الحسين - رضي الله عنه - قال: ألا أحدثكم حديثا سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله[ قال: «لا تتخذوا قبري عيدا»، في سنن أبي داود عن عبدالله بن الشخير قال: انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله [ فقلنا: أنت سيدنا، فقال: «السيد الله تبارك وتعالى» قلنا: وأفضلنا فضلا وأعظمنا طولا، فقال: «قولوا بقولكم أو بعض قولكم ولا يستجرينكم الشيطان» وعند النسائي: «أنا محمد عبدالله ورسوله، ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل» ولأحمد (1/435) وغيره بسند جيد عن ابن مسعود - رضي الله عنه - مرفوعا: «إن من شرار الناس من تدركه الساعة وهم أحياء ومن يتخذ القبور مساجد» سدا للذرائع. والله أعلم.

 الهوامش

1 - رواه أحمد (1/215)، والنسائي (5/268)، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، ووافقه الذهبي.

2 - وانظر كتاب التوحيد للإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - ومنها باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم، هو الغلو في الصالحين.

 


لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك