رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ 25 أبريل، 2011 0 تعليق

وقفات فقهية (19) التعريف بمخالفة أمر الله

 

يقول الله تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} (النور: 62)، وقوله تعالى: {ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا} (النساء: 66)؛ فالاختلاف والمخالفة افتعال من الخلف وهو أن يجيء شيء عوضا عن شيء آخر يخلفه في مكانه، ولعلها من إدارة الخلف (الظهر) للأمر والاتجاه لغيره، وإظهار المخالفة، ويجوز أن يسمى به كل عاص، والتحذير منه يدل على وجوب الامتثال المطلق لأمر الله تعالى ورسول الله [، وهنا وقفات لابد من ذكرها:

- أولاً: مخالفة كتاب الله والسنة منهج المنافقين؛ يقول الله تعالى: {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا} (النساء: 60 - 61).

- ثانياً: التحذير من مخالفة شرع الله، يقول الله تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} (النور: 63)، قال الإمام أحمد: أتدري ما الفتنة؟ الفتنة: الشرك، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك، ويقول الله تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} (النساء: 65).

- ثالثاً: ولقد شمل التحذير أهل الكتاب من قبلنا، ففي اليهود يقول الله تعالى: {إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} (المائدة: 44) فخالفوا عن أمره فأبطل الله دينهم، وفي النصارى يقول الله تعالى: {وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون} (المائدة: 47)، فخالفوا عن أمره، فأبطل الله دينهم، فهل أدركنا ذلك؟ والله تعالى يقول: {وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم} (محمد: 38).

بيان نظرة البشر للبشر بين الغلو والكفر

        يقول الله تعالى: {وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله الله أعلم حيث يجعل رسالته سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون} (الأنعام: 124)، فنظرة البشر للبشر هي بين الغلو والكفر والاعتدال ولابد من وقفات في ذلك:

- أولاً: لقد كرم الله بني آدم، حيث يقول الله تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا} (الإسراء: 70) ومن إكرام الله للإنسان أسجد له ملائكته، يقول تعالى: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين} (البقرة: 34).

- ثانياً: بين الله العدو الحقيقي للإنسان؛ يقول الله تعالى: {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير} (فاطر: 6)، ولكن من المؤلم أنه هو المطاع عند الكثير وعليه فقد اختلفت نظرة البشر للبشر إلى ثلاث فرق:

1 - الفرقة الأولى: قدست الإنسان حتى العبادة، يقول الله تعالى: {وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون} (التوبة: 30)، يضاهئون من قبلهم، فقوم نوح: {قالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا وقد أضلوا كثيرا ولا تزد الظالمين إلا ضلالا} (نوح: 23 - 24)، يقول الله تعالى: {ثم أرسلنا رسلنا تترا كلما جاء أمةً رسولُها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا وجعلناهم أحاديث فبعدا لقوم لا يؤمنون} (المؤمنون: 44)، فكانت الوثنية والبوذية والهندوسية وغيرهما، بنوا في كل معبد تمثالا لبشر، ودعوا لعبادته واستمر الضلال حتى شمل بعض طوائف المسلمين فبنوا في مساجدهم أضرحة لأمواتهم، ولم يختلفوا عن غيرهم من الأمم السابقة إلا بكثرة أسماء أوليائهم وكثرة طرقهم وتعددها، مع علمهم بقول الله تعالى: {وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا} (الجن: 18).

2 - أما الطائفة الثانية: فاحتقرت الإنسان حتى بلغ احتقارهم أنبياء الله ورسله، فأما قوم نوح: {فقالوا أبشرا منا واحدا نتبعه إنا إذًا لفي ضلال وسعر} (القمر: 24)، وقوم فرعون: {فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون فكذبوهما فكانوا من المهلكين} (المؤمنين: 47 - 48)، وقال الله تعالى: {كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون أتواصوا به بل هم قوم طاغون} (الذريات: 52 - 53)، وقول الله تعالى: {وما منع الناس أن يؤمنوا إذا جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا} (الإسراء: 94).

3 - أما الطائفة الثالثة: فآمنت بقول الله تعالى: {الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع بصير} (الحج: 75)، وعلمت بقول الله تعالى: {كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه} (البقرة: 213)، فاستجابت لأمر الله وقالوا: {ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد} (آل عمران: 193 - 194)، آمنوا بالأنبياء والرسل واتبعوهم، ولم يغلوا فيهم ولم يعبدوهم وأنزلوهم المنزلة التي ارتضى الله لهم، وقد مر بنا ما في الصحيح وغيره عن عمر أن رسول الله [ قال: «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم؛ فإنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله» فغير الرسول [ من باب أولى.

- سادسا: ومن المعلوم أن أعظم البشر وأكرمهم عند الله هم الأنبياء والرسل {الله أعلم حيث يجعل رسالته} فإن لم نكن منهم فلنكن معهم بالطاعة؛ يقول الله تعالى: {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما} (النساء: 69 - 70).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك