رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ 27 يونيو، 2011 0 تعليق

وقفات فقهية (الحلقة الأخيرة) التعريف بنصرة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم

يقول الله تعالى: {يأيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم} (محمد: 7).

- أولا: النصرة هنا هي الموالاة لله ولرسوله ودينه، ولمن والى ذلك، بمعرفة الحق والإيمان به وقوله والعمل بمقتضاه، يقول الله تعالى: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسوله بالغيب إن الله قوي عزيز} (الحديد: 25) ويقول الله تعالى: {ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز} (الحج: 40) أي إنما المراد من نصرة الله نصرة دينه، وعن أبي داود، قال رسول الله [: «وما من امرئ ينصر مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا نصره الله في موضع يحب فيه نصرته».

- ثانيا: النصرة لها ثمن عظيم، يقول الله تعالى: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون} (النور: 55) وهذا وعد الله شرطه النصرة: {يعبدونني لا يشركون بي شيئا}.

- ثالثا: يتساءل كثير من المسلمين عن تفوق كثير من الأمم علينا، وتأخر النصر عنا، أنى هذا الهوان والخذلان ونحن مسلمون؟ يقول الله تعالى: {أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير} (آل عمران: 165) هو من عند أنفسنا ففي الأثر: «اللهم إنه لم ينزل بلاء من السماء إلا بذنب ولم ينكشف إلا بتوبة»، ومر بنا في الصحيحين عن ابن مسعود ] قال: قلت: يا رسول الله أي الذنب أعظم؟ قال: «أن تجعل لله ندا وهو خلقك، قلت: إن ذلك لعظيم». وتلك مصيبة العالم الإسلامي، فهذه الأضرحة التي انتشرت في ديار المسلمين بل في كثير من مساجدهم هي الذنب العظيم الذي لا يغفره الله إلا بالتوبة منه والكف عنه، ومما يؤسف له أن عدد زوار تلك الأضرحة قد يفوق عدد حجاج بيت الله الحرام، والسؤال هنا: ما الفرق بين من يدعو أصحاب الأضرحة، وبين من يرجو الصليب أو المسيح عليه السلام، أو راما معبود الهندوس، أو بوذا معبود البوذية فالكل يدعو غير الله {أم لهم إله غير الله سبحان الله عما يشركون} (الطور: 43). ونصر الله مشروط بنصرتنا لله، يقول الله تعالى: {يأيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم} (محمد: 7) بتوحيده {يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون} (النور: 55).

- رابعا: من أراد النصرة والتمكين لا بد له أن يعود لما كان عليه السلف الصالح: {ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم} (الأنفال: 53) فلابد للتغيير من تغيّر فقد كانت الدنيا للمسلمين فأين الأندلس، وما حال المسجد الأقصى، وما مصير الصومال وجنوب السودان والعراق وأفغانستان وأين ما نُزع من بلاد المسلمين، وما الذي أسقط الخلافة الإسلامية؟ أليس منه كثرة القباب فوق الأضرحة، وتعدد الطرق ومشايخها، والهرولة خلف الدراويش والمجذوبين؟ فكيف يُجمع لنا بين ذلك، وبين النصر على الأعداء والعزة والتمكين في العالمين؟ فيا أصحاب الأضرحة اتقوا الله في توحيد الله فلا معبود بحق إلا الله تعالى: {وأن المساجد لله؛ فلا تدعوا مع الله أحدا} (الجن: 18)؛ ويا أصحاب الطرق اتقوا الله فلا طريقة إلا طريقة محمد رسول الله [ وما عداها هو الضلال المبين، يقول الله تعالى: {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون} (الأنعام: 153) فهل أنتم منتهون؟

- خامسا: لا ينبغي لمؤمن أو مؤمنة أن يحقر نفسه، في نصرة الله ولو لم ينصره الناس؛ فلإن الله معه وله نصيب من قوله تعالى: {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم} (التوبة: 40)، فنصرة الرسول [ هي نصرة لدينه الذي جاء به، فإذا قام بذلك المؤمن كما أمر الله فالله مع ما جاء به، الرسول ومع ذلك القائم به. وفي نصرة الرسول [ يقول الله تعالى: {من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ} (الحج: 15).

- الخلاصة: لعلنا ندرك أن من وصية الله تعالى لنبيه وحبيبه محمد [ حقيقة النصرة، يقول الله تعالى: {وأن أقم وجهك للدين حنيفا ولا تكونن من المشركين ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم قل يأيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل واتبع ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين} (يونس 105-109) فهل نحن ملتزمون؟ يقول الله تعالى: {تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون} (الجاثية: 6)، والله أعلم.

 

التعريف بالفرار إلى الله تعالى

      يقول الله تعالى: {ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين} (الذاريات: 51) في البخاري «ففروا إلى الله، أي: من الله إليه» انتهى. ويكون ذلك بالتوبة: من الكفر إلى الإيمان، ومن المعصية إلى الطاعة، ومن الغفلة إلى الذكر، ومن الإسراف إلى الزهد بمجاهدة النفس، وأعظمها من الشرك إلى التوحيد؛ فالتوبة هي الرجوع من الباطل إلى الحق، وللتوضيح:

- أولا: إن الله يغفر الذنوب جميعا: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم} (الزمر: 53).

      ويقول تعالى: {ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما} (النساء: 110) ويأمر الله بالاستغفار ويدعو إليه، يقول الله تعالى: {وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير} (هود: 3). وما من نبي إلا دعا ربه بالاستغفار والتوبة إليه، فآدم وزوجه عليهما السلام{قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين} (الأعراف: 23)، ونوح عليه السلام قال: {رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات} (نوح: 28)؛ ولهذا كان سيد ولد آدم وإمام المتقين محمد [ يستغفر في جميع الأحوال ففي البخاري (5948): «والله إني لأستغفر الله وأتوب في اليوم أكثر من سبعين مرة».

- ثانيا: وللتوبة والاستغفار فوائد عظيمة في الدنيا والآخرة، يغفر الله بها الذنوب، وللكفار كفرهم: {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين} (الأنفال: 38)، وبالتوبة يغفر الله الشرك وعظائم الذنوب بل يبدل الله السيئات حسنات: {إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما} (الفرقان: 70) ولابن ماجه وغيره «التائب من الذنب كمن لا ذنب له» ومنها قول الله تعالى: {فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا} (نوح: 10-12) وقوله تعالى: {ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين} (هود: 52).

- ثالثا: وللتوبة شروط، قال العلماء رحمهم الله: التوبة واجبة من الذنوب، بالإخلاص لله عز وجل، ووقتها، قبل الغرغرة، فما كان بين العبد وربه تعالى فشروطها ثلاثة: 1- الإقلاع عنها 2- والندم عليها 3- والعزم ألا يعود إليها أبدا، فإن فقد أحدها لم تصح توبته. وإن كانت تتعلق بحق آدمي، فمع هذه الثلاثة، رابعة وهي: أن يبرأ من حق صاحبها، فالمال أو نحوه يرده إليه، وحد القذف ونحوه يمكنه منه، أو يطلب عفوه، والغيبة يستحله منها، فترد المظالم وتتدارك في عالم الدنيا ما أمكن، يقول الله تعالى: {وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى} (طه: 82) والله أعلم.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك