رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: رجب أبو بسيسة 15 أكتوبر، 2017 0 تعليق

وقفات على طريق العمل التربوي

 

ختاما لهذه الرحلة المباركة التي تحدثنا فيها عن أهم المعالم في طريق العمل التربوي، ينبغي ألا ننسى أن مهمة التربية من أعظم المهام وأدقها؛ لأن مصير الأجيال يكون بين يدي المعلم والمربي؛ ولذلك أقف معك - أخي المربي- هذه الوقفات لعلها تكون نبراسا لك على الطريق.

المستقبل ينتظر غرسك

     المستقبل ينتظر غرسك اليوم، وأنت عندما تفكر في حلاوة النتائج وفرحة الوصول لجيل يعمل ويبني ويساهم في عودة أمته، يهوَّن عليك مرارة المجاهدة وطول الصبر، وما أجمل قول ابن القيم -رحمه الله-: «تذكر حلاوة الوصال يهن عليك مر المجاهدة»! وقال ابن الجوزي -رحمه الله-: «من ذكر حلاوة العاقبة نسي مرارة الصبر».

الإخلاص والنية الصالحة

بالإخلاص والنية الصالحة، ومراعاة نُبل المقصد، وشرف القضية مع المتابعة والتوجيه والملاحظة والمعايشة، يكون أجرك وثوابك، والأجر على قدر المشقة.

التحديات كبيرة

     المخاض الذي تمر به الأمة ضخم، والتحديات كبيرة، ومن يهدم اليوم يمتلك أدوات ووسائل، ومع الأسف تجد هؤلاء يتمتعون بجلد عجيب وصبر طويل وإصرار غريب على قضيتهم! وهذا أمر تواصوا به قديما ولازال هذا ديدنهم، كما قال -تعالى-: {وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَىٰ آلِهَتِكُمْ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ}(ص: 6)؛ فتأمل مدى حب هؤلاء لباطلهم والتضحية من أجله! فأولى بذلك المعلم والمربي، فقد قال -تعالى-: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ}(البقرة: 165).

     ونحن على ثقة ويقين أن الأمة منصورة -بإذن الله- بشرط الأخذ بالأسباب والقيام بالدور المطلوب، مع التوكل على الله -سبحانه وتعالى- ولم لا؟ وقد قال -تعالى-: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ}(القصص: 5).

أد ما عليك

فقط، أد ما عليك ولا عليك، ولكن الأمر يحتاج إلى عمل وحركة وبذل الوسع، وإلا فالتحديات الموجودة لا تزول بالشعارات الأخاذة، ولا الكلمات المنمقة والجمل الرنانة.

متى يكتمل البنيان؟

     قد يقول أحدنا: كيف يبلغ البنيان يوما تمامه إن كنت تبني وغيرك يهدم؟! فأنا أهمس في أذنك بالجواب، وأحكي لك قصة أنت تعرفها جيدا، وتحكيها دائماً، ولكن قد يغيب عني وعنك أحيانا -لكثرة المتغيرات والواقع المرير- التفكير فيها من هذه الزاوية وهذا البعد، إنها قصة غلام الأخدود.

تأمل واقعه وحجم الهدم وإصرار الباطل، بل والمجتمع كله آنذاك، الكل يريد له الانحراف!

الملك ودولته، والساحر وإعلامه، والملأ وحتى الأسرة والبيت.

الجميع يدفع في اتجاه الباطل وبقوة وإغراء؛ فقد كان الغلام يمثل لهم ولباطلهم أملا ومستقبلا، ومن أجل ذلك سخروا كل الإمكانات والوسائل والإغراءات.

فالأموال تنفق بسخاء، والبيئة مهيئة، والجميع يعمل، لكن -سبحان- الله.

راهب يقطع الطريق أمام كل هذه الأحلام والتطلعات، ورغم كل هذه الإمكانات يعجز الجميع!

الملك ودولته، والساحر وكهنته، والإعلام وبريقه، عجزوا جميعا أمام راهب معلم مؤمن بعقيدته.

تحدى الراهب الصعاب وواجهها،  وتخطى العقبات، وضحى بنفسه وانتصر عليها؛ فكانت رحلة تغيير لا يمل الزمان من تردادها، ولا المؤمنون من ذكرها؛ فتوكل على الحي الذي لا يموت.

سبحان الله الذي قوى قلب الراهب على مواجهة المخاطر والوقوف أمامها دون انكسار أو ضعف!

سبحان الله الذي ثبت الغلام أمام كل هذه الشهوات والشبهات؛ فهذا غلام صغير، وفؤاده رقيق، ولكن الله -عز وجل- العزيز اللطيف أراد شيئا فكان!

خاطب الفطرة

ما عليك إلا أن تخاطب فطرة الشباب، وتحاول إيقاظها، فكم للآية ولحديث من واقع وأثر في قلوب الشباب!

     جالست مرة الدكتور محمد بن إسماعيل المقدم -حفظه الله- وحكيت له أحوال الشباب والنشء، والتحديات التي تواجههم، والانفتاح الهائل، والانحراف الرهيب الحادث في المجتمع عموما وداخل أروقة التجمعات الشبابية خصوصا.

فقال لي: نحن معنا العميل السري فلا تقلق! فقلت: لم أفهم مقصدك، فقال: معنا الفطرة.

     ثم وقعت على مقولة في كتاب (فطرية الدين) وأظنه صاحبها؛ حيث يقول: «ألا رحم الله من قال: قد يستطيع أعداء الله أن يسدوا كل ثغرة يمكن أن تهدي الناس إلى دين الله، إلا ثغرة واحدة، هي الفطرة الخالصة».

الأمل فيك كبير

دورك عظيم، والأمل كبير، وإياك أن تخذل أمتك وتهمل قضيتك.

نعم، الصوارف كثيرة، ولكن أحسب أن عينك عين فرس ترى في الظلمة كما ترى في النور، فاغرس -وفقك الله- بحماس وهمة وحرقة مع الانتظار؛ فانتظار الفرج عبادة، وإذا صبر الإنسان ظفر.

عمل دؤوب

قضية التربية تحتاج وقتا طويلا وعملا دؤوبا، وإياك من الانقطاع والملل أو اليأس والإحباط؛ فإنه موت قبل الموت، وخسارة ما بعدها خسارة.

وكيف ييأس من يريد التغيير، ويسعى للمعالي، ويتطلع للرضا من الكبير المتعال!

فعالي الهمة لا يرضى بما دون الجنة.

يوشع بن نون

مات موسى في التيه، لكنه ربى لنا أملا اسمه (يوشع بن نون) قال تعالى: {فَمَا آمَنَ لِمُوسَىٰ إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ }(يونس: 83)، أولئك الذرية هم من فتحوا بيت المقدس بقيادة (يوشع بن نون).

ذلك الفتى الصغير الذي كان يحمل المكتل ويرافق موسى في رحلة الخضر، هو من غير واقع بني إسرائيل، وصنع الفارق في أمته بعد موسى، الذي رباه على الأمل؛ فتأمل بارك الله فيك!

نفسية الأبطال

اعمل بنفسية الأبطال، وعليك بالإصرار فنعم الرفيق هو.

وقديما قالوا: «الإصرار عناد له هدف»؛ فكيف إذا كان هدفك مشروعا، وغايتك سامية، وتعمل عمل الأنبياء والصالحين، والشهداء، وحسن أولئك رفيقا؟!

هذا محمد الفاتح -رحمه الله- حين قالوا له: لا نعطي مفاتيح القسطنطينية لفتى صغير لم يجاوز العشرين، قال: «حسنا، عن قريب سيكون لي في القسطنطينسة عرش، أو يكون لي فيها قبر».

فسبحان الله! مازال به إصراره حتى تحقق هدفه وغايته؛ فصار له فيها مسجد باسمه وإلى وقتنا هذا.

شمر عن ساعديك

شمر عن ساعديك واعزم على العمل، وتوكل على الله، ولتكن أهدافك سامية وهمتك عالية لكي تستطيع أن تنتج بأقصى طاقة، ولا ترض بالقليل من العمل، فأمتنا مكلومة وجرحها غائر، واصدق الله يصدقك.

خطوات جادة

     لا يكفي للقيام بواجب التربية والتوجيه الكلمات العاجلة، أو البرامج المرتجلة؛ فمن حق الشباب علينا وهم فلذات أكبادنا أن نعتني بتربيتهم؛ فهلا نبادر في خطوات جادة للوصول إلى أسلوب أمثل في التوجيه والتربية؟

ما أسهل الكلام!

ما أسهل الكلام وأعز العمل! فاللهم لا تحرمنا التوفيق.

     يقول الشيخ العثيمين -رحمه الله-: التوفيق ليس بيتا تسكنه، ولا شخصا تعايشه، ولا ثوبا ترتديه، إنما التوفيق غيث إن أذن الله به هطل على حياتك ما شقيت بعده أبدا، فاستمطره بالصلاة والدعاء وحسن الظن بالله، ثم بحسن الظن بالناس دائماً وحتى تتيقن أن المسألة مسألة توفيق، انظر إلى (الذكر) فهو من أسهل الطاعات، لكن لا يوفق له إلا القليل!.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك