وقفات سلفية – وجوب اتباع منهج السلف
المنهج السلفي هو المنهج القائم على اتباع سبيل المؤمنين من السلف الصالح، وهم أصحاب النبي محمد -صلى الله عليه وسلم - ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، قال تعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النساء:15)، وهم في كل عصر الفئة التي قال عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تزال طائفة من أمتي على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك». رواه مسلم، ولقد ادعى كثير من الفرق المنحرفة الانتماء إليه؛ مع زعمها بأن ما تقوم به يمثل الإسلام الذي جاء به النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ لذلك نحاول في هذه السلسلة بيان حقيقة هذا المنهج وبيان حقيقة المنتسبين إليه، وتعرية الفرق المنحرفة كلها عن أصوله ليعلم الناس حقيقته وصفاءه ونقاءه.
وجوب اتباع منهج السلف
يجب أن يعلم أن اتباع منهج السلف الصالح -رضوان الله عليهم- ليس للعبد فيه اختيار، بل هو واجب من الواجبات الشرعية، وذلك للأدلة التالية:
أولا: الأدلة من القرآن:
1- قال تعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)} (النساء:115)، قال ابن كثير -رحمه الله في قوله -تعالى-: {ويتبع غير سبيل المؤمنين}: «هذا ملازم للصفة الأولى، ولكن قد تكون المخالفة لنص الشارع، وقد تكون لما أجمعت عليه الأمة المحمدية، فيما علم اتفاقهم عليه تحقيقا؛ فإنه قد ضمنت لهم العصمة في اجتماعهم من الخطأ، تشريفا لهم وتعظيما لنبيهم».
ولا شك أن منهج السلف -وهم الصحابة والتابعون، ومن سارع على هديهم- هو سبيل المؤمنين في العقيدة والعمل.
2- وقال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (التوبة:100).
فهذا مدح من الله -تعالى- لسبيل الصحابة والتابعين لهم بإحسان في مسائل العقائد والأعمال، وبيان ما أعد لهم من النعيم، وهذا دليل رضاه عن ذلك المنهج ولزوم اتباعه.
ثانيا: الأدلة من السنة
1- عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «النجوم أمنة للسماء؛ فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون». رواه مسلم.
قال ابن القيم -رحمه الله-: «ووجه الاستدلال بالحديث أنه جعل نسبة أصحابه إلى من بعدهم كنسبته إلى أصحابه وكنسبة النجوم إلى السماء، ومن المعلوم أن هذا التشبيه يعطي من وجوب اهتداء الأمة بهم ما هو نظير اهتدائهم بنبيهم - صلى الله عليه وسلم - ونظير اهتداء أهل الأرض بالنجوم، وأيضا فإنه جعل بقاءهم بين الأمة أمنة لهم وحرزا من الشر وأسبابه؛ فلو جاز أن يخطئوا فيما أفتوا به ويظفر به من بعدهم لكان الظافرون بالحق أمنة للصحابة وحرزا لهم وهذا من المحال».
2- قوله - صلى الله عليه وسلم-: «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم».
3- وعن العرباض بن سارية - رضي الله عنه - قال: «وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: «يا رسول الله! كأنها موعظة مودع، فأوصنا، قال: «أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد، وإنه من يعيش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة».
فهذان الحديثان يدلان على فضل الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وأن سبيلهم هو سبيل النجاة من الفتن والاختلاف، وهذا مما يدل على لزوم اتباعه والعمل به.
ثالثا: الأدلة من أقوال السلف
قال عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه -: «اتبعوا ولا تبتدعوا، فقد كفيتم، كل بدعة ضلالة»، وعنه أيضا أنه قال: «إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمد - صلى الله عليه وسلم - خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، فأتبعه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد - صلى الله عليه وسلم-، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه، فما رآه المسلمون حسنا فعند الله حسن، وما رأوه سيئا فهو عند الله سيء».
قال الإمام الأوزاعي -رحمه الله-: «اصبر على السنة، وقف حيث وقف القوم، وقل بما قالوا، وكف عما كفوا عنه، واسلك سبيل سلفك الصالح، فإنه يسعك ما وسعهم»، وقال أيضا: «عليك بآثار من سلف، وإن رفضك الناس، وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوه لك بالقول؛ فإن الأمر ينجلي وأنت منه على صراط مستقيم».
وعن الإمام عبدالله بن المبارك -رحمه الله- قال: «ليكن الذي تعتمد عليه هو الأثر، وخذ من الرأي ما يفسر لك الحديث».
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «لا عيب على من أظهر مذهب السلف وانتسب إليه واعتزى إليه، بل يجب قبول ذلك منه بالاتفاق؛ فإن مذهب السلف لا يكون إلا حقا».
قال الإمام ابن كثير -رحمه الله-: «... فللناس في هذه مقالات كثيرة جدا، ليس هذا موضعا لبسطها، وإنما يسلك في هذا المقام مذهب السلف الصالح، كمالك والأوزاعي والثوري والليث بن سعد والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق.
وقال الشيخ بكر بن عبدالله أبوزيد -رحمه الله-: «كن على جادة السلف الصالح كن سلفيا على الجادة، طريق السلف الصالح من الصحابة -رضي الله عنهم- فمن بعدهم، ممن قفا أثرهم في جميع أبواب الدين: من التوحيد، والعبادات ونحوهم متميزا بالتزام آثار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتوظيف السنن على نفسك، وترك الجدال والمراء والخوض في علم الكلام وما يجلب الآثام».
لاتوجد تعليقات