رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى مال الله فرج 10 يوليو، 2018 0 تعليق

وقفات سلفية – ثمرات الالتزام بمنهج السلف

الالتزام بمنهج السلف فيه اعتراف حقيقي بأن الله -تعالى- أكمل الدِّين، وأتم النِّعمة، وأن الرسول[ بلّغ الرسالة، وأدّى الأمانة، وكشف الله به الغُمّة، وأقام الحُجّة، وأوضح المحجّة، وأن الصحابة -رضوان الله عليهم- أقاموا الدِّين علماً وعملاً، وبلغوه لفظاً ومعنى {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً}، والالتزام بهذا المنهج يفيد العصمة للشريعة الحكيمة؛ بحيث لا يجوز الاستدراك عليها، كما هو لسان حال أهل البدع والعلمنة.

التصديق بجميع نصوص الكتاب والسنة

     والالتزام بمنهج السلف يفيد التصديق بنصوص الكتاب والسنة جميعها، والاستدلال بها مجتمعة -ما لم يكن بين بعضها تناسخ-؛ لأنها خرجت من مشكاة واحدة، قال الله -تعالى-: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ ۚ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ (32) وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}(الزمر: 32 – 33).

تعظيم نصوص الكتاب والسنة

الالتزام بهذا المنهج يجعل المسلم في موقف المعظِّم لنصوص الكتاب والسنة؛ لأنه يعتقد أن كل ما تضمنته، هو الحق والصواب، ومن أدلة ذلك:

     ما رواه عبد الله بن مُغفل رضي الله عنه ، أنه رأى رجلاً يخذف؛ فقال له: «لا تخذف؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم  نهى عن الخذف، وقال: إنه لا يُصادُ به صيدٌ، ولا ينكأُ به عدوّ، ولكنها قد تكسَر السِنّ، وتفقأ العين»، ثم رآه بعد ذلك يخذف؛ فقال له: «أحدِّثُك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الخذف وأنت تخذف! لا أُكلمك أبدا».

وما رواه سعيد بن المسيّب رضي الله عنه : «أنه رأى رجلاً يُصلي بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين، يكثر فيها الركوع والسجود؛ فنهاه سعيد عن ذلك؛ فقال: يا أبا محمد، يُعذّبني الله على الصلاة؟! قال: لا، ولكن يُعذِّبُكَ على خلاف السّنة».

وعن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه - رحمهم الله ورضي عنهم - قال: قال عمر: «إذا رميتم الجمرة، وذبحتم وحلقتم؛ فقد حَلَّ لكم كل شيء حَرُمَ عليكم، إلا النساء والطيب».

قال سالم: وقالت عائشة -رضي الله عنها-: «طَيَّبتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لحرمه قبل أن يُحرمَ ولحِلِّه بعد ما رمى الجمرة، وقبل أن يزور».  قال سالم : وسنةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أحقُ أن تُتَّبَع.

ربط المسلم بسلفه الصالح، وبالعلماء الربانيين

عرفنا أن السلفية تطلق ويراد يها أحد معنيين، الأول: الحقبة التاريخية التي تختص بأهل القرون الثلاثة المفضلة، لحديث: «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم».

الثاني: الطريقة التي كان عليها أهل تلك القرون الفاضلة، من التمسك بالكتاب والسّنة وتقديمها على ما سواهما، والعمل بهما على مقتضى فهم الصحابة والسّلف.

فالسلفية بالمعنى الثاني منهاج باقٍ إلى يوم القيامة، يصح الانتساب إليه متى التزمت شروطه وقواعده،لحديث: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك». 

     وعليه؛ فكل أحد وإن تأخر زمانه عن عصر السّلف، لكنه التزم منهاجهم في العلم والعمل فهو منهم، وسلفي معهم؛ فالمرء مع من أحب، قال أبو الوفاء بن عقيل لبعض أصحابه: أنا أقطع أن الصحابة ماتوا وما عرفوا الجوهر والعرض؛ فإن رضيت أن تكون مثلهم؛ فكن مثلهم، وإن رأيت أن طريقة المتكلمين أولى من طريقة أبي بكر وعمر؛ فبئس ما رأيت .

     ويكون ذلك بالتزام منهجهم بالعلم والعمل، قال -تعالى-: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}(الحشر: 10)، واعتقاده بأن طريقة السّلف الصالح هي الأسلم، والأعلم، والأحكم, قال ابن تيمية -رحمه الله-: «لقد كذبوا على طريقة السَّلف، وضلّوا في تصويب طريقة الخلف؛ فجمعوا بين الجهل بطريقة السَّلف في الكذب عليهم، وبين الجهل والضلال بتصويب طريقة الخلف».

السّكوت عمّا سكت عنه السّلف

ما من مسألة سكت عنها الصحابة والسَّلف الصالح، وتكلم فيها الخلف -ولا سيّما فيما يتعلق بمسائل الاعتقاد والإيمان- إلا كان السّكوت عنها أولى وأليق .

     قال عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- في وصيته لِعدي بن أرطأة: «فإن السّنة إنما سنّها من قد عرف ما في خلافها من الخطأ والزّلل والحمق والتّعمّق، فارضَ لنفسك بما يرضى به القوم لأنفسهم؛ فإنهم عن عِلم وقفوا، وببصر قد كَفوا، وهم كانوا على كشف الأمور أقوى -بفضل- لو كان فيه أجر؛ فلئن قلتم: أمر حدث بعدهم -  ما أحدثه بعدهم إلا من اتبع غير سنّتهم ، ورغب بنفسه عنهم، إنهم لهم السابقون؛  فقد تكلّموا فيه بما يكفي، ووصفوا منه ما يشفي، فما دونهم مُقصر، وما فوقهم مُحسر، لقد قصر عنهم آخرون فضلُّوا، وإنهم بين ذلك لعلى هدى مستقيم».

الثبات على الحق والطمأنينة به، وعدم التقلب

ومن أهم نتائج الالتزام بمنهج السَّلف، هو الثبات على الحق إلى الممات، وعدم التّقلّب.

والثبات: هو الاستقرار؛ فقولهم: ثَبَتَ ثَباتاً وثُبوتا، أي: استقر، كما قال -تعالى-: {اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ}(إبراهيم: 27).                

     قال العّلامة ابن ناصر السعدي -رحمه الله-: يخبر الله -تعالى- أنه يُثبّت عباده المؤمنين، أي: الذين قاموا بما عليهم من الإيمان القلبي التام، الذي يستلزم أعمال الجوارح ويستثمرها؛ فيثبتهم الله في الحياة الدنيا عند ورود الشُبهات بالهداية إلى اليقين، وعند عروض الشهوات، بالإرادة الجازمة على تقديم ما يحبه الله على هوى النفس ومرادها، وفي الآخرة عند الموت بالثبات على دين الإسلامي والخاتمة الحسنة.

     كما أمر الله -تعالى- نبيه صلى الله عليه وسلم بالثبات على الحق، والاستقامة عليه حتى الموت، قال -تعالى-: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا ۚ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}(هود: 112)؛ فأمره بالاستقامة ومن معه من المؤمنين، كما أُمروا أن يسلكوا ما شرعه الله من الشرائع، ويعتقدوا ما أخبر الله به من العقائد الصحيحة، ولا يزيغوا عن ذلك يمنة ولا يسرة، ويداوموا على ذلك .

كما قال -تعالى-:  {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}(الحجر: 99).

     والثبات مِنّة من الله -تعالى-، كما ذكر منته على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وحفظه من أعدائه الحريصين على فتنته بكل طريق؛ فقال: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ ۖ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا}(الإسراء: 73)، ثم ذكر تثبيته، فقال -تعالى-: {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ}(الإسراء: 73)، على الحق وامتننا عليك بعدم الإجابة لداعيهم: { وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا}(الإسراء: 74).

وقد ذكر الله في كتابه أن من أهم أسباب الثبات على الحق - بعد تثبيت الله - هي قصص القدوات من الأنبياء وغيرهم، قال -تعالى-: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ۚ وَجَاءَكَ فِي هَٰذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ}(هود: 120).

 أي: ثبتنا قلبك ليطمئن ويثبت وتصبر كما صبر أولو العزم من الرسل؛ فإن التقوى تأنس بالاقتداء، وتنشط على الأعمال، وتريد المنافسة لغيرها، ويتأثر الحق بذكر شواهده.

فإن التّقلب عادة أهل الأهواء والبدع، قال حذيفة بن اليمان -رحمه الله-: «إن  الضلالة -حق الضلالة- أن تعرِف ما كنت تُنكر، وتُنكر ما كنت تعرف، وإياك والتلون في الدين؛ فإن دين الله واحد».

     وعن عيسى بن مَعن قال: انصرف مالك بن أنس -رضي الله عنه- يوماً من المسجد وهو متكئ على يدي؛ فَلَحقه رجل يقال له أبو الجويرية، كان يُتَّهم بالإرجاء؛ فقال: يا أبا عبدالله ! اسمع مني شيئاً أُكلمك به ، وأُحاجكَ وأخبرك برأيي، قال: فإن غَلَبتني؟ قال: إنْ غلبتك اتبعني، قال: «فإن جاء رجل آخر فكلَّمنا فغلبنا؟  قال: نتبعه، قال مالك -رحمه الله-: «بعث الله -عزّ وجلّ- محمداً صلى الله عليه وسلم  بدين واحد، وأراك تنتقل من دين إلى دين».

قال عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-: «من جعل دينه غرضاً للخصومات ، أكثر التّنقُّل».

وقال شيخ الإسلام -رحمه الله: «وبالجملة فالثبات والاستقرار في أهل الحديث والسنة، أضعاف ما هو عند أهل الكلام والفلسفة».

قال الشيخ أبو عبد الله محمد بن عبد الكريم الشهر ستاني: إنه لم يجد عند الفلاسفة والمتكلِّمين  إلا الحيرة والندم؛ حيث قال:

لعمري لقد طفتُ المعاهد كلها

                              وسيّرت طرفي بين تلك المعالمِ

فلم أرَ إلا واضعاً كفَّ حائرٍ

                             على ذَقَنٍ أو قارعاً سنَّ نادمِ

     قال أبو المعالي الجويني: يا أصحابنا! لا تشتغلوا بالكلام؛ فلو عرفت أن الكلام يبلغ بي إلى ما بلغ ما اشتغلت به، ويقول أيضاً: لقد جِلت أهل الإسلام  جولة وركِبت البحر العظيم، وغصت في الذي نهوا عنه, كل ذلك في طلب الحق، وهرباً من التقلي، والآن فقد رجعت عن الكل إلى كلمة الحق, عليكم بدين العجائز؛ فإن لم يدركني الحق بلطف أمره؛ فأموت على دين العجائز, ويختم عاقبة أمري عند الرحيل بكلمة الإخلاص.

      وكذلك قال شمس الدين الخسرو شاهي -وكان من أجلِّ تلامذه فخر الدين الرازي- لبعض الفضلاء، وقد دخل عليه يوماً قال: ما تعتقده؟ قال: ما يعتقده المسلمون؛ فقال: أنت منشرح الصدر؛ لذلك مستيقن به؟ - أو كما قال- فقال: نعم؛ فقال: أشكر الله على هذه النِّعمة، لكني والله ما أدري ما أعتقد، والله ما أدري ما أعتقد! والله ما أدري ما أعتقد! وبكى حتى اخضلت لحيته!.

وقال الخونجي عند موته: «ما عرفتُ مما حصَّلتُهُ شيئاً سوى: أن الممكن يفتقرُ إلى المرجِّح»، ثم قال: «الافتقارُ وصف سلبي ، أموت وما عرفتُ شيئاً».

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك