رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى مال الله فرج 30 أبريل، 2018 0 تعليق

وقفات سلفية – الوسائل المعينة على الوصول إلى الحق

 

المنهج السلفي هو المنهج القائم على اتباع سبيل المؤمنين من السلف الصالح وهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، قال -تعالى-: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ  وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النساء:15)، وهم في كل عصر الفئة التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك». رواه مسلم، ولقد ادعت كثير من الفرق المنحرفة الانتماء إليه؛ مع زعمها بأن ما تقوم به يمثل الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم؛ لذلك نحاول في هذه السلسلة بيان حقيقة هذا المنهج، وبيان حقيقة المنتسبين إليه وتعرية الفرق المنحرفة كلها عن أصوله، ليعلم الناس حقيقته وصفاءه ونقاءه، واليوم نستكمل الحديث عن أهمية الثبات على المنهج والعوامل المعينة على ذلك.

خامساً: عدم الوحشة بقلّة السّالكين على المنهج

     قال -تعالى-: {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} وقد بيّن صلى الله عليه وسلم أن الذين يسلكون منهجه، ويتّبعون صراطه، ويثبتون على طريقه هم عدد قليل، ونزر يسير من هذه الأمّة فقال[: «بدأ الإسلام غريباً  وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء»؛ فسُئل صلى الله عليه وسلم عن الغرباء؛ فقال في رواية: «النّزّاع من القبائل», وفي رواية أخرى: «أناس صالحون في أناس سوء كثير من يعصيهم أكثر ممّن يطيعهم».  وفي رواية: «الذين يصلحون إذا أفسد الناس». وفي رواية: «الذين يحيون سنّتي ويعلمونها عباد الله».

قال ابن مسعود رضي الله عنه: «الجماعة ما وافق الحقّ وإن كنتَ وحدك»، وقال بعض السّلف: «عليك بطريق الحق ولا تستوحش لقلة السالكين، وإياك وطريق الباطل! ولا تغتر بكثرة الهالكين».

- سادساً: ربط المسلم بسلفه الصالح، وبالعلماء الربانيين السابقين منهم والمعاصرين، ويكون ذلك بالتزام منهجهم بالعلم والعمل, قال -تعالى-: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} (الحشر:10).

     قال الشيخ السعدي -رحمه الله-: وحسْب من بعدهم من الفضل أن يسير خلفهم، ويأتم بهداهم؛ ولهذا ذكر الله من اللاحقين، من هو مؤتم بهم وسائر خلفهم فقال: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ}. أي: من بعد المهاجرين والأنصار (يَقُولُونَ) على وجه النصح لسائر المؤمنين: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ}، وهذا دعاء شامل لجميع المؤمنين، السابقين من الصحابة، ومن قبلهم ومن بعدهم، وهذا من فضائل الإيمان أن المؤمنين ينتفع بعضهم ببعض، ويدعو بعضهم لبعض؛ بسبب المشاركة في الإيمان المقتضي لعقد الأخوة بين المؤمنين التي من فروعها أن يدعو بعضهم لبعض، وأن يحب بعضهم بعضا.

علماء الشريعة

إن للعلماء في الشريعة الإسلامية اعتباراً ومنزلة ليست لغيرهم من الناس، ومن نظر في نصوص الكتاب والسنة، علم أن الله -عزّ وجل- رفع منازل العلماء، وأمر بطاعتهم وسؤالهم عند وقوع الإشكال وعند التنازع، وأقامهم أدلاء للناس على الأحكام الشرعية .

     لهذا كان واجباً على الأمة الإسلامية رعاية حقوق العلماء، ومعرفة حقوقهم؛  فلقد كان من أعظم أسباب انحراف الخوارج من قبل: عدم رعايتهم لحقوق العلماء ومنازلهم؛ فلم يرفعوا بالعلماء من سادات صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم رأساً، بل رفضوا أقوالهم، وتبرؤوا منهم، وكفروهم، واستحلوا دماءهم وأموالهم، ولو عرفوا أقدار هؤلاء الصحابة -رضي الله عنهم- لسلموا من غوائل الانحراف، ومفاسد الغلو .

الاعتصام بالكتاب والسنة

     إن اهتداء المرء موكول باعتصامه بالكتاب والسنة، واعتصامه بالكتاب والسنة موكول باقتدائه بأهل العلم من العلماء بالكتاب والسنة؛ وبهذا فإن حاجة الناس إلى العلماء عظيمة، قال الإمام أحمد -رحمه الله-: «الناس أحوج إلى العلم منهم إلى الطعام والشراب؛ لأن الطعام والشراب يحتاج إليه في اليوم مرتين أو ثلاثاً والعلم يحتاج إليه كل وقت».

وقال الآجري الإمام الثقة الثبت: «لا يعلم كثير من الناس كيف أداء الفرائض وكيف اجتناب المحارم، ولا كيف يعبد الله في جميع ما يعبده به خلقه إلا ببقاء العلماء، فإذا مات العلماء تحيّر الناس، ودرس العلم أي ذهب بموتهم وظهر الجهل».

من أسباب الانحراف

والمتلقي عن غير العلماء يقع في الانحراف ثم غالباً ما يعتذر بالجهل، ولكن هذا لا يمهد العذر له؛ إذ إن جهل المرء لا يعفيه من تبعات الوقوع في الخطأ والانحراف، بل يلزمه إذا كان جاهلاً أن يسأل أهل العلم .

     يقول الله -تعالى-: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}، فأمر عند عدم العلم سؤال أهل الذكر؛ لأنهم الأدلاء على حكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فعَنْ جَابِر رضي الله عنه قَالَ: خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ فَأَصَابَ رَجُلًا مِنَّا حَجَرٌ فَشَجَّهُ فِي رَأْسِهِ ثُمَّ احْتَلَمَ فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ؛ فَقَالَ هَلْ تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ؟ فَقَالُوا: مَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أُخْبِرَ بِذَلِكَ؛ فَقَالَ: «قَتَلُوهُ قَتَلَهُمْ اللَّهُ أَلَا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ».

     إن عدم اعتبار العلماء، يقابله الأخذ عن غير الأكفاء، ومن العوام والجهلاء، وإذا وقع ضل الناس؛ فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد! ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا».  وحتى تقع العصمة من ذلك الضلال والإضلال، وجب التبرؤ من الأخذ عن الجهال، وأغرار الناس، والانصراف إلى أهل العلم الذين يستحقون التصدير، والأخذ والتلقي عنهم .

ثمرات معرفة  منزلة العلماء

وإذا عرف الناس للعلماء منازلهم أثمر ذلك ثمرات جلية :

1- أن تكون اعتقادتهم وأعمالهم وفق شرع الله -عزّ وجلّ- في الجملة؛ لأن العلماء بعلمهم أضاؤوا الطريق للسالكين؛ فدلوهم على الحق .

2- توحيد الصف واجتماع الكلمة؛ لأن الناس إذا لم يوجد من يقودهم في العلم والعمل، تفرقوا وتشتت أمرهم، فإذا كانوا تبعاً لعلمائهم، توحد صفهم، واجتمعت كلمتهم .

3- غياب كثير من أسباب الغلو؛ إذ قد ثبت أن من أخطر موارد الغلو وأكثرها، عائدة إلى الجهل، من مثل الجهل بالكتاب، وبالسنة، وبمقاصد الشريعة، وباللغة، فإذا رجع الناس إلى العلماء في كل ذلك، وصدروا عن أقوالهم؛ فقد غوَّرُوا منابع الغلو وقطعوا موارده، وقد عصمهم الله من الانحراف؛ لائتمارهم بأمره -سبحانه-: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُون}.

الوصول إلى المنهج الحق

ومن الوسائل التي تُعين على الوصول إلى منهج الحق ما يأتي:

التقوى

(1)  تقوى الله -عزّ وجلّ- مع الإخلاص والتجرد إليه:  قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}(الأنفال:29)، قال ابن عباس رضي الله عنه والسّدي ومجاهد وعكرمة والضحاك وقتادة ومقاتل بن حيان: (فرقانًا) مخرجاً، وزاد مجاهد: «في الدنيا والآخرة»، وفي رواية عن ابن عباس (فرقانًا)  أي: نجاة، وفي رواية عنه: نصراً، وقال محمد بن إسحق: (فرقانًا) أي فصلاً بين الحق والباطل، وهذا التفسير من ابن اسحق أعمّ مما تقدم، وهو يستلزم ذلك كله؛ فإن من اتقى الله بفعل أوامره وترك زواجره وُفق لمعرفة الحق من الباطل؛ فكان ذلك سبب نصره ونجاته ومخرجه من أمور الدنيا وسعادته يوم القيامة، وتكفير ذنوبه، وهو محوها وغفرها سترها عن الناس، وسبباً لنيل ثواب الله الجزيل، كقوله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}(الحديد:28)،  قال الإمام ابن كثير: ومثلها هذه الآية: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}(البقرة: 282).

الدعاء

(2) الدعاء واللُّجوء إلى الله -عزّ وجلّ- والافتقار إليه:  قال -سبحانه وتعالى-: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}(غافر:60).

     وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: «كان إذا قام من الليل افتتح صلاته: اللّهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض, عالم الغيب والشهادة, أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون, اهدني لما اخُتلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم».

التدبر

(3) تدبّر كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم:

     قال -سبحانه وتعالى-: {إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا}(الإسراء:9). قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «فإذا افتقر العبد إلى الله ودعاه, وأدمن النظر في كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وكلام الصحابة والتابعين, وأئمة المسلمين انفتح له طريق الهدى».

الاتباع

(4) اتّباع سبيل سلف الأمة : قال ابن تيمية -رحمه الله-: «فالاقتداء بهم خير من الاقتداء بمن بعدهم ومعرفة إجماعهم ونزاعهم في العلم والدين، خير وأنفع من معرفة ما يُذكر من إجماع غيرهم ونزاعهم, وذلك أن إجماعهم لا يكون إلا معصوماً , وإذا تنازعوا لا يخرج عنهم».

الصحبة

5- الصحبة الطيبة الصالحة :

     قال -سبحانه وتعالى-: {قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}(الأنعام:71). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الرجل على دين خليله؛ فلينظر أحدكم من يخالل».  وقال عبد الله بن شوذب: «إنّ من نعمة الله على الشاب إذا تنسّك، أن يؤاخي صاحب سنة ، يحمله عليها».

     وعن عمر بن قيس الملائي، قال: «إذا رأيت الشاب أول ما ينشأ مع أهل السنة والجماعة، فارجه، وإذا رأيته مع أهل البدع فايأسْ منه؛ فإن الشاب على أول ما نشوئه»، ويُحمل هذا على الغالب، وإلا فقد ينشأ الشاب مع أهل البدع, ثم يتبين له الحق؛ فيتوب ويرجع إلى الطريق الصحيح، والعكس صحيح .

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك