وقفات سلفية- المنهج السلفي يحفظ العلم ويضبط العقل بقواعد ثابتة وواضحة
المنهج السلفي هو المنهج القائم على اتباع سبيل المؤمنين من السلف الصالح وهم أصحاب النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، قال تعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النساء:15)، وهم في كل عصر الفئة التي قال عنها رسول الله -صلى عليه وسلم-: «لا تزال طائفة من أمتي على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك». رواه مسلم، ولقد ادعى كثير من الفرق المنحرفة الانتماء إليه؛ مع زعمها بأن ما تقوم به يمثل الإسلام الذي جاء به النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ لذلك نحاول في هذه السلسلة بيان حقيقة هذا المنهج وبيان حقيقة المنتسبين إليه، وتعرية الفرق المنحرفة كلها عن أصوله ليعلم الناس حقيقته وصفاءه ونقاءه.
تعريف المنهج وبيان أهميته
- المنهج في اللغة: الطريق البين الواضح؛ قال -تعالى-: {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا}، قال ابن عباس -رضي الله عنهما- «سبيلا وسنة». المنهج في الاصطلاح: القواعد والضوابط التي تحكم أي محاولة للدراسة العلمية؛ كقواعد اللغة العربية وأصول العقيدة والفقه والتفسير؛ حيث تضبط هذه العلوم دراسة الإسلام وأصوله.
أهمية المنهج
إن المنهج يحفظ للعلم نظامه واتساقه، كما أنه يضبط العقل البشري، والأعمال الذهنية، بقواعد ثابتة؛ بحيث تعينه على الوصول إلى الحقيقة فيما يبحثه من موضوعات. إن شرط قيام العلم وتقدمه، أن تكون هناك طريقة صحيحة تحوي شتات الوقائع والمفردات المبعثرة هنا وهناك، وتربط العلاقة بينها، فتقدم العلم وتأخره مرتهن بمسألة المنهج، يدور معها وجودا وعدما.
تعريف السلف
- السلف في اللغة: يطلق السلف ويراد به معان كثيرة، منها:
الأول: التسوية، ومنه المسلفة -بكسر الميم- آلة تسوي بها الأرض يقال: سلف الأرض إذا سواها.
الثاني: بمعنى السلم: وهو نوع من أنواع البيع، يعجل فيه الثمن، وتضبط السلعة بالوصف إلى أجل معلوم.
الثالث: بمعنى من مضى وتقدم، فسلف الإنسان من تقدمه بالموت من آبائه وذوي قرابته، ولهذا سمي الصدر الأول من التابعين بالسلف الصالح، وهو الأغلب عند الإطلاق.
قال -تعالى-: {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنت الأولين} ما قد سلف: أي ما قد تقدم، وقال عن فرعون وقومه: {فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين}، أي: معتبرا متقدما. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله -تعالى- إذا أراد رحمة أمة من عباده، قبض نبيها قبلها؛ فجعله لها فرطا وسلفا بين يديها»، وقوله - صلى الله عليه وسلم - لفاطمة -رضي الله عنها-: «... ولا أراني إلا قد حضر أجلي، وإنك أول أهلي لحوقا بي، نعم السلف أنا لك...».
- السلف في الاصطلاح: السلف يراد بهم الصحابة -رضي الله عنهم-، والتابعون لهم بإحسان وتابعوهم، وأئمة الإسلام العدول ممن اتفقت الأمة على إمامتهم وعظم شأنهم في الدين، وتلقى المسلمون كلامهم خلفا عن سلف بالقبول، دون من رمي ببدعة أو لقب غير مرضي: كالخوارج، والقدرية، والمرجئة، والأشاعرة، والمعتزلة والجهمية، ونحوهم.
وقد يطلق السلف ويقصد به: كل من التزم طريق القرون الثلاثة، وسار على منهجهم.
كما قال -صلى الله عليه وسلم -: «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، فواحدة في الجنة، وسبعون في النار، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، فإحدى وسبعون في النار وواحدة في الجنة، والذي نفس محمد بيده، لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، فواحدة في الجنة، واثنتان وسبعون في النار»، وهذه الفرقة الناجية ليست محصورة في زمان أو مكان معينين.
نشأة مذهب السلف
لقد بدأت الحاجة إلى الانتساب للسلف حين تفرقت الأمة الإسلامية، وتعددت الاتجاهات الفكرية فيها حول أصول الدين؛ مما دعا علماء الأمة الأثبات وأساطينها الأعلام تجريد أنفسهم لتلخيص الأصول العظمى والقواعد الكبرى وترتيبها للاتجاه السلفي والمعتقد القرآني النبوي ومن ثم نسبته إلى السلف الصالح لقطع الباب على كل من ابتدع بدعة اعتقادية. وأراد نسبتها إليهم حتى كانت النسبة إلى السلف رمزا للافتخار وعلامة على العدالة في الاعتقاد مما يدلك على أن النسبة إلى السلف لم تكن بدعة لفظية ولا مجرد اصطلاح كلامي لكنه حقيقة شرعية ذات مدلول محدد. ولذلك لم تؤصل قواعده، ولم تحرر موارده إلا بقيام الحاجة في الأمة لبيان متكامل الصورة عما كان عليه أهل القرون المفضلة المشهود لهم بالعدالة من طريقة عقدية وسيرة توحيدية.
ما السلفية؟
إن السلفية: اصطلاح جامع للمنهج الذي اعتمده وسار عليه السلف الصالح في تلقي الدين وفهمه في اعتقاداتهم، ومعاملاتهم، وأحكامهم، وتربيتهم، ودعوتهم، وتزكية نفوسهم، وهو للدلالة على الملتزمين بهذا المنهج قديما وحديثا.
وهذا المنهج في تلقي الدين وفهمه والعمل به والدعوة إليه، هو المقصود في قوله -تعالى- {وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون} وهو الإسلام الصحيح، وهو صراط الله المستقيم، وحبله المتين الذي أمرنا -سبحانه وتعالى- باتباعه في قوله: {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعو السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون}.
من السلفي؟
- إن السلفي: «هو من كان على مذهب السلف»، عقيدة وشريعة وخلقا ودعوة، سواء علم بمدلول هذا الاسم أم جهله. وقال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله-: «إن السلف هم أهل القرون المفضلة، فمن اقتفى أثرهم، وسار على منهجهم فهو السلفي، ومن خالفهم في ذلك هو من الخلف».
الخلف في القرآن الكريم:
والخلف في القرآن استعمل في مدلول واحد ومن خلف غيره أي بعده فيه ومنه.
1- قال -تعالى-: {ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون}. والملائكة لا تعصي فلا بد وأن تكون خلف خير، وقوله -تعالى- حكاية عن موسى: {اخلفني في قومي}، وخلافة الرسول صلى الله عليه وسلم لا تكون إلا في خير، وبذلك تكون علاقة السلف بالخلف في القرآن الكريم من جهتين: أحدهما: كونهم على ما عليه السلف.
الثانية: أن يكونوا متأخرين عنهم في الزمن.
وهذا يعطينا أصلا عظيما وهو أن كل متأخر عن السلف وهو على ما هم عليه فهو خلف، ومن تأخر في الزمن عن السلف ولم يكن على ما هم عليه من الخير فهو خلف بسكون اللام.
الخلف عند علماء الاعتقاد.
يُقصد بالخلف في إطلاق علماء العقيدة من جاء بعد العصور المفضلة الثلاثة ممن دنست عقائدهم بأدران علم الكلام اليوناني وأوساخ الفلاسفة التائهين ممن تنكر لسلفه، وسلك غير سبيلهم من أرباب الأهواء والابتداع سواء كانت أقواله مما يوجب الكفر أم التفسيق كالجهمية، والمعتزلة والأشعرية والخوارج ونحوهم ممن دلت نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية وإجماع سلف الأمة على ذم طرائقهم ومسالكهم العقدية.
نشأة مذهب الخلف:
ظهور مذهب الخلف نتيجة ولوع كثير من المسلمين بالعلوم الكلامية المنطقية وتشرب نفوسهم بمقايسها، الأمر الذي شغلهم عن التبصر في نصوص الكتاب والسنة وما عليه سلفهم الصالحون.
أهم مظاهر مذهب الخلف:
1- قيامه على التأويل لنصوص الكتاب والسنة بأنواع المجازات.
2- رفض قيام صفات الفعل بالرب -جل وعلا- ويعبرون عنه بنفي حلول الحوادث في الرب.
3- الإفراط في تحكيم العقل ورد النصوص ومعارضتها به.
حكم الانتساب إلى السلف:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «لا عيب على من أظهر مذهب السلف وانتسب إليه واعتزى إليه، بل يجب قبول ذلك منه بالاتفاق؛ فإن مذهب السلف لا يكون إلا حقا». قال الإمام الذهبي -رحمه الله- عن الإمام الدارقطني -رحمه الله-: «لم يدخل الرجل أبدا في علم الكلام، ولا الجدال، ولا خاض في ذلك، بل كان سلفيا».
مستلزمات الانتساب إلى السلف:
1- أن يتعلم عقيدتهم، وأن يتشبع بها، ويكون ملما بأصولها في الجملة، وأن يطلب العلم الشرعي، ويتفقه في الدين على العلماء والمشايخ، ليدعو الناس على بصيرة وهدى، وأن يوجه أتباعه إلى أخذ العلم الشرعي عن المشايخ.
2- أن يظهر أثرها على أفكاره وأهدافه، وأقواله وكتاباته، بل وعلى سلوكه وأعماله؛ بحيث يكون ملما بتفصيلاتها في العموم (في الأصول)، كالإيمان، والتوحيد، والأسماء، والصفات، والقدر، وحقوق الصحابة، وأن يكون متمسكا بالسنن والأخلاق الفاضلة، والهدي النبوي، وعليه سمة السلف مخبرا ومظهرا.
3- أن يوالي دعوتهم، ودعاتهم، وأئمتهم الماضين والمعاصرين، ومن سار على نهجها من جماعات وأفراد؛ فهي أطهر الدعوات المعاصرة التي سلكت سبيل أهل السنة والجماعة، معتقدا وسلوكا في العصر الحاضر؛ لذلك ينبغي موالاتها من قبل كل من ينتسب لأهل السنة.
لاتوجد تعليقات