رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى مال الله فرج 31 مايو، 2018 0 تعليق

وقفات سلفية – احتجاج السّلف بالسنة الصحيحة مطلقاً

 

المنهج السلفي هو المنهج القائم على اتباع سبيل المؤمنين من السلف الصالح وهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، قال -تعالى-: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النساء:15)، وهم في كل عصر الفئة التي قال عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تزال طائفة من أمتي على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك» رواه مسلم، ولقد ادعت كثير من الفرق المنحرفة الانتماء إليه، مع زعمها بأن ما تقوم به يمثل الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم؛ لذلك نحاول في هذه السلسلة بيان حقيقة هذا المنهج وبيان حقيقة المنتسبين إليه، وتعرية كل الفرق المنحرفة عن أصوله ليعلم الناس حقيقته وصفاءه ونقاءه، واليوم نتكلم عن احتجاج السّلف بالسنة الصحيحة مطلقاً؛ فالسّلف لا يُفرّقون بين المتواتر والآحاد، وما ورد في كتبهم من الأحاديث التي فيها مقال فلا يوردونها للتأصيل، وإنما للاستئناس، ويوردونها بأسانيدها.

- السنة في اللغة: هي الطريقة، والسيرة، حسنة كانت أم سيئة، قال -تعالى-: {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} (آل عمران:137)، قال الزّجّاج: «والمعنى: أهل سنن، فحذف المضاف». وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سنَّ في الإسلام سنة حسنة، فله أجرها وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سنَّ في الإسلام سنة سيئة، كان عليه وزرها، ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء».

- السنة في الشرع: «ما نُقل عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير».  والسنة من الوحي الذي تكفَّل الله بحفظه؛ من حيث الجُملة، كما قال -تعالى-: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}، وهي تُنسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من جهة المُنشئ لألفاظها، أما معانيها فهي من الله -تعالى-، إما أن ينزل بها جبريل عليه السلام، أو يلهمه إيّاها إلهاماًأو أن يجتهد بقول أو فعل، وهذا الاجتهاد إما أن يقرّه الله عليه فيرجع إلى حقيقة الوحي،أو لا يُقر فينبه إلى الصواب، قال -تعالى-: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه...». وقال ابن حزم -رحمه الله-: «... فصحّ أن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كله في الدين وحي من عند الله عزّ وجلّ، لا شك في ذلك، ولا خلاف بين أحد في ذلك من أهل اللغة والشريعة في أن كل وحي نزل من عند الله -تعالى- فهو ذِكر منزل»، والمقصود بالسنة الصحيحة: الأحاديث المقبولة دون المردودة.

حجية السنة

ومعنى أن السنة حجة: «أي أنها مصدر للتشريع وتلقي الدين، يلزم اتباعها، ويكفر جاحدها، وتقوم بها الحجة، وينقطع بها العذر».

- أولاً: الأدلة من الكتاب: قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}، قال العلامة ابن القيم -رحمه الله-: «فأمر -تعالى- بطاعته، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأعاد الفعل (أطيعوا) إعلاماً بأن طاعة الرسول تجب استقلالاً من غير عرض ما أمر به على الكتاب، بل إذا أمر وجبت طاعته مطلقاً سواء، كان ما أمر به في الكتاب أم لم يكن فيه، فإنه أُوتي الكتاب ومثله معه»، قال -تعالى-: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.  وحذّر -تعالى- من مخالفة أمر نبيه صلى الله عليه وسلم؛ حيث قال عزّ وجلّ: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، وقال -تعالى-: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}، وقال -تعالى-: {وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ}.

الأدلة من السنة

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته، يأتيه الأمر مما أمرت به أو نهيت عنه، فيقول: لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه».

الأدلة من آثار السّلف

     عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه - قال: «لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات، والمتفلجات للحُسن، والمغيرات خلق الله»، قال: بلغ ذلك امرأة من بني أسد، يقال لها: «أم يعقوب»، وكانت تقرأ القرآن، فأتته، فقالت: «ما حديث بلغني عنك؟! أنك لعنت الواشمات والمستوشمات، والمتنمصات والمتفلجات للحُسن المغيرات خلق الله»، فقال عبد الله: «ومالي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله؟» فقالت المرأة:لقد قرأت ما بين لوحي المصحف، فما وجدته!! فقال: «لئن كنتِ قرأتيه فقد وجدتيه»، قال عزّ وجلّ:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}.

حديث الآحاد

     حجية حديث الآحاد في العقائد والأحكام، أي: أن حديث الآحاد مصدر صحيح لتلقي العقائد والأحكام: قال -تعالى-:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ}؛ فإن (ما) من ألفاظ العموم والشّمول. وهي تشمل العقائد والأحكام. فمن أين للذين فرّقوا بين المتواتر والآحاد هذا التفريق؟ وما الدليل على أنه لا يجوز الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة؟ ولهذا يحسن بنا أولاً أن نَعُرِّف الحديث المتواتر، وحديث الآحاد. إن الحديث المتواتر اصطلاحاً: «هو ما رواه جمع عن جمع تُحيل العادة تواطؤهم على الكذب». كحديث: مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ»، فقد رواه أكثر من سبعين صحابياً.  أما حديث الآحاد: «فهو الحديث الذي لم يجمع شروط المتواتر».

وجوب الأخذ بحديث الآحاد

الأدلة على وجوب الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة:  الدليل على عدم التفريق بين العقيدة والأحكام بإثباتها بخبر الآحاد؛ أنه لم يرد دليل معتبر في التفريق بين العقيدة والأحكام؛ من حيث قبول خبر الآحاد في الأحكام دون العقيدة.

     {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}، و(الطائفة) في لغة العرب تُطلق على الواحد فما فوق، و(الدِّين) يشمل الأحكام والعقيدة وهي الأهم؛ فلولا أن الحجة تقوم بحديث الآحاد عقيدة وحكماً لما حض الله -تعالى- الطائفة على التبليغ حضاً عاماً. وكما قال -تعالى-: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} الحجرات:9).

وقال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}، فإنها تدل على أن العدل إذا جاء بخبر، فالحجة قائمة به.

ثم إن الله أرسل الرسل إلى أقوامهم آحاداً، ليقيموا الحجة لله على أعدائه. قال -تعالى-: {وإلى عاد أخاهم هودا}. {وإلى ثمود أخاهم صالحا} {وإلى مدين أخاهم شعيبا}.

5- وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه تدل على الأخذ بخبر الآحاد، فعن أنس بن مالك أن أهل اليمن قدموا على الرسول صلى الله عليه وسلم فقالوا: ابعث معنا رجلا يُعِلّمنا السنة والإسلام، قال: فأخذ بيد أبي عبيدة فقال: «هذا أمين هذه الأمة».

6- ثم إن الأحكام لها جانب عقدي أيضاً، فشرب الخمر وتحريم زواج المحارم والزنى لو اعتقد الإنسان حِله لكفر، كفراً عقدياً مُخرجا من الِملة.

وبعث الرسول صلى الله عليه وسلم كثيراً من نوابه آحاداً إلى بلاد متفرقة: مثل علي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل، ومصعب بن عمير، وأبي موسى الأشعري وغيرهم -رضي الله عنهم أجمعين-، فتقوم بهم الحجة، وليثبت العلم في العقيدة والأحكام.

     وقال الشافعي -رحمه الله-: «وفي تثبيت خبر الواحد أحاديث يكفي بعض هذا منها، ولم يزل سبيل سلفنا الصالح والقرون من بعدهم إلى من شاهدناه هذا السبيل».وقال أيضاً: «لم أحفظ عن فقهاء المسلمين أنهم اختلفوا في تثبيت خبر الواحد، بما وصفتُ في أن ذلك موجود على كلهم».

     وقال الإمام ابن تيمية -رحمه الله-: «فهذا يفيد العلم اليقيني عند جماهير أمة محمد صلى الله عليه وسلم من الأولين والآخرين، أما السَّلف فلم يكن بينهم في ذلك نزاع، وأما الخلف فهذا- أي عدم التفريق بين المتواتر والآحاد في العقيدة- من مذهب الفقهاء الكبار من أصحاب الأئمة الأربعة، والمسألة منقولة في كتب الحنفية والمالكية والشافعية، والحنابلة مثل: السرخسي، وأبي بكر الرازي من الحنفية.

والشيخ أبي حامد، وأبي الطيب من الشافعية وابن خويز منداد وغيره من المالكية، ومثل القاضي أبي يعلى، وابن أبي موسى، وأبي الخطاب من الحنابلة».

     وقال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: «وهذا التفريق باطل بإجماع الأمة؛ فإنها لم تزل تحتج بهذه الأحاديث في الخبريات العلميات (العقيدة)، كما تحتج بها في الطلبيات العمليات... ولم يزل الصحابة والتابعون وأهل الحديث والسنة يحتجون بهذه الأخبار في مسائل الصفات والقدر والأسماء والأحكام». واعلم أن جمهور أحاديث البخاري ومسلم من هذا الباب؛ فهذه الأحاديث تلقتها الأمة بالقبول واليقين».

ماذا ينبني على ردّ حديث الآحاد؟

- أولاً: إذا عرفنا أن الأحاديث المتواترة قليلة جداً، وأن أغلبية الأحاديث آحاد، فيلزمنا عند عدم قبول حديث الآحاد ردّ مئات بل آلاف الأحاديث الصحيحة، لا سيّما في مسائل العقيدة.

- ثانياً: إن هذه العقيدة مخالفة للكتاب والسنة وأقوال السّلف.

- ثالثاً: يستلزم من هذه العقيدة تفاوت المسلمين فيما يجب عليهم اعتقاده.

- رابعاً: نقول بأن القول نفسه بعدم الأخذ بأحاديث الآحاد؛ نُقل عن آحاد، فحتى نثبته يلزمهم أن يأتوا بالتواتر، وأنَّى لهم ذلك، فتأمل!

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك